الفصل الثلاثون "دفتر رمادي"

44 5 2
                                    


وبروح مثقلة ألقت حقيبتها على الاريكة وصعدت لغرفتها تجر خيباتها ورائها، وهي تشعر بأن السعادة لن تدق بابها قط، وستعيش في خيبات لا نهائية، فمنذ مدة وصارت جُل أختياراتها لا تَلقى نتائج جيدة، فها هو حلمها الذي ضحت لأجله بكل غالي ونفيس يصفعها بقوة لتهوى في قاع الفشل على أثره، ألقت بجسدها على السرير بإرهاق ذهني وعقلها يشتد عليها في حديثه تحاول إسكاته ولكن بلا فائدة
"تركتي عائلتك لأجل هذا، قاطعتي والدكِ لأجل هذا، سافرتي عن مصر لأجل هذا، ورغم ما بدر من الجميع لإسعادك فلم ترتسم البسمة على شفتيكِ إلا لهذا، وفي النهاية ضحيتي بحياة وأستقرار وأصدقاء وأسرة لتعملي في هذه الشركة اللعينة، وها أنتِ ذا تبكين على اللبن المسكوب بلا دموع، لتزداد روحك في الثقل فأزداد في التفكير، ولكنه من الواضح أنه ليس مكتوب لكِ السعادة فأينما تظنيها قابعة لا تأتيكِ الصفعة إلا من مكانها"

ولكنها لم تتحمل أكثر من ذلك ففتحت الدرج المُجاور للسرير وأخرجت منه العُلبة الأسطوانية بيضاء اللون التي تحتوي على أقراص دائرية، تناولت حبتين منها لتنام، فهي تعلم أن النوم لن يعرف طريق لعينيها اليوم ولا غد ولا بعد غد، لتغط في نوم عميق بعد دقائق ويرقد جسدها في ِستكانة.

دخلت أشاعة الشمس متطفلة على صفوى نومها يتبعها الكثير من الباعود الذي ظل يقرصها في متفرق يديها ووجهها لتقوم على أثره بضجر وهي تضرب موضع إستقراره فيهوى كف يدها على وجهها بقوة فتصرخ بآلم يعقبه وابل من الشتائم لهذا الباعود، تنظر في هاتفها فتجد الساعة تشير للتاسعة وسبعة عشر دقيقة
"هل أستمر بالعمل وأغض سمعي عن أفعال الشركة المنافية للأخلاق أم آخذ موقف حاسم وأبلغ عنهم، أم أخبر إيدريان؛ ولكن هذا حلمي فكيف أتركه وهو صار بين يدايا وأنا لن أعمل معهم في مخططاتهم الفاسدة سأباشر عملي لصالح الخير ولتذهب مخططاتهم للجحيم ولكني لن أشترك فيها فلماذا أترك الشركة"

لتتابع وهي تزجر نفسها قائلة
"وأصمت عن ما يُحضر في الخفاء، عن أحلام الأطفال التي ستضيع، عن عدد الأطفال الذين ماتوا بلا ذنب، وأين أنا من هذا وأين مبادئي الأن التي كُنت أتغنى بها، أجل فالتذهب شركتهم للجحيم ولكني لن أعمل بها"

لتتابع بقوة
"ولن ألتزم الصمت وسأفضح مخططهم، هذا هو الصواب"

تضغط على بعض الأرقام لتتصل بإيدريان ليأتيها الرد سريعًا وهو يقول من الجهة الأخرى:
-أخيرًا خرجتي من عزلتكِ، كيف حالك؟
لتقول بسرعة:
-بخير، ولكنِ أريدك في موضوع غاية في الخطورة والأهمية؟
لتلاحظ ما حل بنبرته من تغير ليقول وقد أنتبهت جميع حواسه:
-ماذا هناك؟
-جائتني فرصة عمل في شركة (...)
ليقاطعها بقوله:
-أليست هذه الشركة التي حلمتي أن تعملي بها؟
-بلا، وكان أول يوم للعمل أمس طُلب مني المحاولة لتطوير لقاح جدري القرود وخاصتًا بعدما عاود في الأنتشار وبشكل مختلف، وبالفعل بدأت في عمل البحوثات وأخذ العينات وأنتهى دوامي على خير، ولكن ما حدث قبل أن أخرج من المعم هو الذي ليس بخير.
ليقول باهتمام:
-تابعي.
-سمعت شخصين يدور الحديث فيما بينهما عن تطعيم يتم حقنه للأطفال ويتحكم في عقلهم ولكنه لم ينجح لأن بعد أربع سنوات من حقن اللقاح مات من تلقى اللقاح من الأطفال.
-وهل هناك أي معلومات أخرى؟
-نعم، يريدون أن يطوروا اللقاح وعلمت أن البلد المنشأ هي روسيا وتأتي الأوامر منها.
ليقول بترقب:
-وماذا تنوين أن تفعلي؟
-لا أعلم، ولكن بالتأكيد لن أكمل العمل في هذه الشركة، ولكني لا أريد أن أصمت.
-بما أنك لا تريدين السكوت فأنسب حل أن تباشري العمل وتحاولي إمساك أي دليل على مخططاتهم، ولكن لا تستعجلي وأنتظري حتى أعود لفرنسا.
-ومتى ستعود لقد طالت مدة بقائك في مصر، هذه أول قضية تأخذ منك كل هذا الوقت.
-ولأن المشكلة ليست في القاتل فإن الموضوع أكبر من ذلك بكثير، سأحكي لكم _أنتِ وماكس وألكس_ كل شيء عندما أنتهي منها وأعود أنا وآليا.
-وأين هي؟
-ترتدي ملابسها لكي نباشر العمل.
لتقول مازحة:
-أرى أنكم لا تستطيعون التفرق عن بعض..
ليقول بصوت به لفحة من الحزن
-لا يفرقنا سوى النوم.
ثم تابع بصوت خافت
-وقريبًا لن يفرقنا.
لتبستم مريم وتقول بمرح:
-لقد سمعتك
ليقول بلا مبالاة:
-فالتسمعي لا يهمني فأنا لا أفعل جريمة.
فتقول بمرح:
-من يراك الأن لا يراك من قبل.
ليبتسم وهو يقول:
-يأتي على الأنسان وقت يستطيع تحديد مشاعره وأهدافه، وكان هذا الوقت هو سفري لمصر.
لتبتسم بود وتقول:
-قريبًا ستجتمعان ولن يفرقكما أحد لا النوم ولا غيره.
ليقول بمباغتة:
-وهل ستوافق؟
-فالتسألها، جرائتك حاضرة في كل موقف وعند الحب تتحول لعصفور جريح..
وتنهي الحديث لكي لا تعطله بقولها:
-لن أطيل عليك، إلى اللقاء.
-إلى اللقاء.

حفنة النرجس Where stories live. Discover now