الفصل الأول

237 10 5
                                    

لا نليق بالحب ..
أو الحب هو من لا يليق بنا !
في الحالتين طُردنا من جنته ..
عفواً دعني أتحدث على وجه التحديد ..
هو صاحب أجمل عينين تمتلك الدهاء والبرود والوقاحة !
صاحب أفضل مقولة عبثية قد تسمعها " شعرت أنني بحاجة لقتله فقتلته ! " .
صاحب الآثام العالقة بياقته ..
المنتمي لقاع الجحيم ، والمحاول لحرق أذرعها والتحرر منها .. " آدم " !

قبل أحد عشر عاماً :
ما اسمك يا صغير ؟
صدع السؤال من شاب يقف أمام آدم البالغ من العمر سبعة عشر عاماً ويضغط على كتفه باستهزاء ، نظر آدم على يده الموضوعة على كتفه ثم نظر له بأعين ثلجية :
آدم .
سأل الشاب وهو يضحك بشدة :
هل اختارك سفيان لتنافسني أنا .. حقاً !
هز رأسه بنعم ومازالت نظراته باردة وجسده مرتخي ، فأكمل الرجل بسخرية :
أعلم أنك كبرت في السن يا رجل ولكنني صُدمت من أن عقلك خف يا رجل !
القانون الثالث عشر " لا تستخف بخصمك وأنت لم تجرب لحظات غضبه " .
أنهى آدم جملته وبسمة صغيرة بدأت ترتسم على فمه ، فسأله الشاب باستهزاء :
وقانون من ذلك ؟
اكتملت بسمته المختلة مع وصول صبره لنهايته :
قانوني .. قانون آدم سفيان !
فور انتهائه كانت يده تدير يد الشاب بقوة وعنف حتى سمع صوت كسرها ثم لكمه عدة مرات في وجهه وأنفه أطاحت به أرضاً فحاول الرجل النهوض ولكنه كان أسرع وضرب قدمه بعنف حتى صرخ الرجل يستسلم من شدة الألم فأستمع آدم بإعلان الحكم أنه الفائز مستمعاً لصيحات الجمهور المكون من لاعبين مثله وبعض المتفرجين ورجال الأعمال الذين يراهنون على لاعبيهم .
اندفع سفيان يحتضنه بقوة وفخر :
ألكسندر سيصاب بذبحة صدرية بعد خسارة أقوى لاعبيه .
رفع آدم رأسه يبتسم بغرور قبل أن يتقوس فمه بحزن ساخر لألكسندر فرماه الآخر بغضب شديد ونظرات متوعدة قبل أن يترك المكان ويغادر .
أتى أحد رفاقه واحتضنه صائحاً بحماس :
هذا حدث يستحق الاحتفال يا فتى هيا لنذهب للملهى .
ردّ آدم برفض :
لا أحب ما يُذهب العقل يا صديقي .
سأله الآخر بضيق :
ولما ؟
أجاب بفلسفة لا تناسب سنه :
كل ما يُسكر العقل ما هو إلا سم إن أعتاد عقلي عليه لن أتقدم خطوة للأمام .

" كان لك معايا أجمل حكاية في العمر كله "
ارتفع صوت الأغنية مع صوت السائق وهو يهز النائم جواره بعمق وكأنه لم ينّم منذ قرون :
يا باشا اصحى وصلنا ..
همهم آدم بضيق من بين نومه :
أقسم إن نهضت لأقتلك يا حقير .
زفر سائق السيارة الأجرة بحنق فهو أخذه من المطار وسعد كثيراً بأنه سائح حتى يستغل عدم معرفته للنقود ولكنه مثل البلاء ، لا يستيقظ منذ وصولهم للعنوان منذ ربع ساعة :
يادي النيلة يا ابني اصحى !
صرخ بغضب فانتفض آدم على صرخته ينظر حوله بفزع قبل أن يستوعب ويستمع لهمهمة السائق بحنق :
أخيراً إيه نايم في بير !
سأله آدم بالإنجليزية حتى يفهمه :
كم تريد ؟
فهم الرجل ما يقوله فهو بحكم عمله يعلم عدة كلمات إنجليزية ، التمعت عيناه بطمع :
مئتي دولار .
ضيق الآخر عيناه بشك مردداً بغرور :
هل تراني أحمق أعلم أن المسافة تكلف أقل من ذلك ..
لم يفهمه الآخر ولكنه فهم أنه متضايق ثم استمع لبقية حديثه وهو يخرج المال من جيبه :
لن تأخذ إلا مئة دولار ولا تحاول النصب على أحد مرة أخرى .
ترجل من السيارة فانطلق السائق بسرعة وهو يضحك على غباءه :
ده أنت لُقطه !
رفع نظره على البناية وتمتم ببسمة متسعة :
حان وقت اللقاء يا أخي .
صعد على الدرج حتى وصل لطابق ماضي وأمامه شقة ملاك ثم دق جرس الباب ووقف ينتظر إجابة حتى سمع لصراخ ماسال من الداخل :
آدم أرجع أنا هفتح ..
صرخ الصغير بسعادة وهو يركض بقدميه الصغيرة ثم جذب المقعد الصغير ووضعه أمام الباب ووقف عليه وفتحه :
بابا رجع ..
ابتلع بقية كلماته وهو يرى رجل طويل البنية وخصلات سوداء نمت بكثرة كذقنه ذلك غير علامات الذبول والتعب المرتسمة أسفل عينه ، انخفض آدم لمستوى الصغير ورددّ بنبرة لطيفة :
أليس تلك شقة ماضي ؟
رمقه الصغير برعب فأمه دائماً تحذره بألا يفتح لأحد غريب :
ماما .
خرجت ماسال من المطبخ والدموع تسيل من عيناها بسبب البصل تجمدت في مكانها بصدمة ثم صرخت بسعادة وعدم تصديق وهي تمد يدها لتصافحه :
يا للهول .. آدم كيف حالك الشكر لله على سلامتك .
صافحها الآخر مردداً بأعين متسعة تعجباً من ذلك الصغير ومن طريقة حديثها معه :
أنا بخير كيف حالك أيتها المشعوذة ؟
ردتّ ماسال ببسمة متسعة وهي تقف جانباً حتى يمر :
لن أغضب منك لا تحاول أدخل ..
سألها بشوق ظهر في عينه :
هل ماضي في الداخل ؟
هزت رأسها بلا :
كان في مهمة منذ أسبوعين وسيعود اليوم .
حمحم بحرج ثم رددّ :
سأنتظر عند ملاك حتى يعود ماضي .
قاطعهم صوت خطوات على السلم تلاها صعود ملاك وجوارها صغيرها " رفيف " ، التفتت ملاك لتلقي السلام على ماسال فاتسعت عيناها بصدمة قبل أن تصرخ وتركض تحتضنه بسعادة ودموعها تنهمر بقوة :
أنت خرجت وحشتني أوي .
بادلها آدم العناق وبسمة لم تفارق وجهه ثم ابتعدت عنه قليلاً فلاحظ معدتها المنتفخة فسألها بقلق وبالإنجليزية :
ماذا أصابك ما بها معدتك ؟
ردتّ بالإيطالية وهي تبتسم على سؤاله الغريب :
أحمل صغيري الثاني بالداخل .
هز الآخر رأسه بتفهم قبل أن يرمقها بعدم تصديق :
هل تعلمتي الإيطالية !
هزت رأسها بنعم ثم أجابت وهي تعاود احتضانه :
أنتظر تلك اللحظة منذ وقت طويل يا أخي .
احتضنها آدم بسعادة ثم رددّ بحب :
اشتقت لك صغيرتي .
صفقت ماسال لتجذب انتباههم :
للداخل هيا الطعام ينضج .
جلس على الأريكة وجواره ملاك التي حاولت مع ماسال بأن تساعدها في الطعام والأخرى رفضت وتركتهم لتكمل تجهيز الطعام ، والصغيران وقفوا أمام آدم ينظرون له بفضول ثم تحدثت رفيف فحروفها المتلعثمة :
مين ده ؟
ردتّ ملاك وهي تمسك بيد صغيرتها وبيد آدم الصغير تشجعهم على أن يصافحوه :
ده عمكم آدم مش أنت يا آدم نفسك تشوف عمو آدم من زمان ؟
اتسعت بسمة الصغير واحتضن معدة آدم باندفاع بسبب قصر قامته :
وحشني أوي يا آدم .
التفت آدم ينظر لملاك بعدم فهم وتوتر فهو لم يتعامل مع أطفال من قبل فأردفت الأخرى بشرح :
يخبرك أنه أشتاق لك .. هو يعرف أنك عمه آدم الذي سُمي على اسمه .
انفلتت ضحكة خافتة منه ثم سألها بتوتر والصغير مازال يحتضنه قبل أن تتقدم رفيف وتحتضنه مثل آدم فمعنى أن آدم يحتضنه فهو آمن :
هل سماه ماضي على اسمي حقاً !
هزت رأسها بنعم فرفع الصغير وأجلسه على قدم ورفع رفيف على القدم الأخرى ثم حاوطهم بيده وضمهم بحب مثلما فعلوا الصغار ، خرجت ماسال من المطبخ وصاحت بصوت منخفض :
ماضي يصف سيارته أسفل البناية انهض واختبئ في غرفة آدم لنفاجئه .
أنزل الصغار ونهض بسرعة وخلفه آدم الذي شرحت له أمه خطتها في مفاجأة أبيه ثم جلس على الفراش وصاح آدم الصغير بحماس :
يلا ننام وبابا يجي يرفع الغطاء ونقول بخ .
لم يفهم آدم أي كلمة قالها فجذب الصغير كفه وهو يتنفس بعنف فامتثل آدم لطلبه .
في الخارج دخل ماضي وخلفه يامن بعدما انتهوا من مهمة دامت لأسبوعين في ليبيا ، احتضن يامن ملاك بشوق ثم ابتعد عنها ورفع رفيف التي كانت تجذب سرواله حتى يبتعد عن أمها ويحتضنها تمتمت ملاك بحنق :
ضرتي ..
ضحك البقية وسأل ماضي وهو يقبل رأس ماسال :
فين آدم ؟
ردتّ رفيف بحماس :
مع عم..
جذبتها ملاك وهي تقبلها وتداعبها حتى ارتفعت ضحكاتها وأردفت ببسمة مكتومة :
نايم يا حبيبي قعد يساعد أمه كتير وتعب ونام .
رمقتها ماسال بأعين متسعة فصغيرها يخرب الأشياء لا يساعدها ، تحرك ماضي للغرفة وفتح الباب وتحرك للفراش فجعد حاجبيه باستغراب فالفراش مرتفع وقبل أن يجذبه وجد صغيره وآدم يصرخان :
مفاجأة .
أضاءت ملاك الأنوار وهي تشاهد عودة ماضي للخلف بصدمة قبل أن ينهض آدم ويندفع يحتضنه بقوة وشوق شديد :
اشتقت لك أخي أقسم اشتقت لك ..
شهق ماضي بصدمة ودموعه تسيل على وجنتيه ويداه مرفوعة للأعلى :
هل .. هل أنت حقيقي أم حلم !
أجاب آدم وهو يبتعد عنه ويحاول السيطرة على نفسه حتى لا ينهار أمامهم :
كنت أظنه حلم حتى وصلت لشقتك .
أحتضنه ماضي بقوة وصوت بكائه ارتفع مع ضحكه فكان الوضع مأثر ، آدم الذي لم يستطع التحمل وبكى على كتف ماضي الباكي والذي ظل يربط على خصلاته تارة ويهمس بكلمات متقطعة تارة ويقبله تارة أخرى :
اشتقت لك .. أنا أسف حقاً أسف يا صغيري .. أقسم أنني حاولت إخراجك من ذلك المستنقع ولكنك ذات رأس سميك أخفيت كل الأدلة التي تدينني ..
صمت يلتقط أنفاسه ثم أكمل بنبرة مهتزة :
أحبك يا صاحب الانفصام .
ابتسم آدم فجذبه ماضي بلطف بعيداً عنه ثم مرر يده على وجهه المرهق يرى ذقنه التي نمت وعلامات التعب التي حفرت طريقها على وجهه :
لا يوجد مُر من بعد الآن يا صغيري .
تمتم الآخر ببسمة هادئة :
أنا جائع أريد تناول الطعمية ..
ضحكت ملاك من بين دموعها فأدار آدم رأسه لها وسألها بقلق :
لما البكاء ملاك ؟
ابتسمت وهي تزيل عبراتها :
هرمونات الحمل يا أخي .
صاحت ماسال وهي تضع آخر طبق على السفرة :
الطعام جاهز تعالوا .
خرج الجميع بعدما احتضن يامن آدم وجلسوا كعائلة واحدة يتبادلون الحديث وصوت ضحكاتهم يرتفع مما جعل آدم يترك معلقته وينظر لهم بحب وسعادة شديدة :
لم أتخيل يوماً أن أجلس مع عائلتي على مائدة الطعام .
ربط ماضي على كتفه مردداً بحنان :
من اليوم كل أحلامك أصبحت حقيقة .
هتفت رفيف بتعجب طفولي :
بابا هو بيتكلم غيرنا ليه ؟
ربط يامن على خصلاتها وأجاب :
لأنه إيطالي مش مصري .
لم تفهم الصغيرة كلماته وأكملت طعامها دون الاستفسار أكثر على عكس آدم الصغير الذي سأل أبيه بفضول :
هو ليه شكله تعبان يا بابا ؟
رمقهم آدم بجهل ولاحظ الحزن الذي التمع في عين أخيه ثم صاح بحنق :
هل بإمكانكم التحدث بلهجة أفهمها !
التف لملاك وسألها بنبرة حنونة :
متى موعد ولادتك صغيرتي ؟
ردتّ ببسمة متسعة :
بعد شهر بإذن الله .
أكمل اسئلته :
صبي أم فتاة ؟
أجابت وهي تطعم صغيرتها :
صبي .
رددّ ببسمة هادئة :
بإذن الله يأتي بصحة جيدة صغيرتي .
صاحت ماسال وهي تتحدث على الهاتف مع توبا :
أنت فين يا بنتي مختفية من ساعة عيد الميلاد ؟
أتاها ردها بأنها مشغولة الآن وستغلق معها فزفرت ماسال بضيق :
توبا مش سعيدة في حياتها يا ماضي وتعبت من أفعالها .
أمسك ماضي بكفها وقبله ثم رددّ يطمئنها :
هتكلم معاها لما أشوفها أهدي ..
قاطعهم آدم وهو ينهض ويمسح يده بالمحرمة :
والآن حان وقت ذهابي لأستريح .
أوقفه ماضي بصرامة :
إلى أين ؟
أجاب بتعجب من نبرته :
للفندق .
ضربه ماضي على مؤخرة رأسه برفق مردداً بضيق :
أنت في بيت أخيك يا أحمق !
رفض بإصرار شديد :
لا لن أبقى هنا سأستقر في الفندق حتى أقرر متى سأعود لإيطاليا .
كاد ماضي أن يصيح بضيق فقاطعه يامن بسرعة وهو ينهض ويضع يده على كتف آدم :
ستبقى في بيت شقيقتك وأخيك ، أولست أخيك أم ماذا ؟
سعل بحرج ثم رددّ :
بالتأكيد أخي ولكن ..
قاطعه يامن صائحاً بمرح :
لا يوجد ولكن تحرك أمامي نشرب الشاي حتى تجهز ملاك الحمام وغرفتك ..
استدار يشير لملاك التي تحركت لشقتها تجهز ما قاله يامن وحادث ماسال بنبرة هادئة فعلاقتهم تغيرت كثيراً في تلك الأعوام وتركوا العداء في الماضي :
جهزي ثلاثة شاي يا أم آدم .
جلس ثلاثتهم في شرفة شقة ماضي الذي رددّ بضيق :
تبا لرأسك السميك آدم ..
ضحك الآخر وهو يرتشف الشاي قبل أن يرتسم على وجهه علامات الاشمئزاز :
ما هذا طعمه غريب لم أحبه !
رددّ يامن بمزاح :
لست صاحب مزاج يا فتى ..
صمت ثلاثتهم ثم رددّ آدم بسعادة :
اخترت اسم رائع لابنك يا أخي ..
ابتسم ماضي ثم أشار له بجدية :
حان وقت نومك يا صغير فأمامك يوم طويل غداً .
بعد مدة خرج آدم من المرحاض دخل غرفته التي جهزتها ملاك في شقتها ثم وقف أمام المرآة ينظر بغضب للجروح وأثارها على جذعه العلوي ، استمع لصوت دقات ملاك الرقيقة فارتدى سترته وأذن لها بالدخول .
هتفت ملاك وهي تعطيه مشروب ساخن :
تناوله قبل النوم .
هز رأسه بلا وهو يجلس على الفراش :
أفضل النوم هكذا صغيرتي أشكرك .
صمت لوهلة ثم سألها بحرج :
أين ستنام صغيرتك ؟
أجابت وهي تستعد للخروج من الغرفة :
في غرفتها فالشقة ثلاث غرف وتلك غرفة صغيري حينما يكبر .
بادلها البسمة متمتماً :
ليلة سعيدة .
طبعت قُبلة على وجنته قبل أن تغادر غرفته :
ولك أيضاً .

كل الآفاق تؤدي إليكWhere stories live. Discover now