الفصل الثامن عشر

58 7 8
                                    

آخر قُبلة يا أمي وأنام بعدها .
صدع صوت صغيرة ذات خصلات سوداء وهي تقفز على الفراش لتصل لأمها ، ضحكت الأم وانخفضت لمستواها ثم طبعت قُبلة مطولة فأغمضت الأخرى عيناها وابتسامتها السعيدة تتسع وعندما فتحت عيناها لتُقبل أمها لم ترى غير الظلام .
أمي ..
نادت عليها بخوف شديد فشعرت بقُبلة أخرى ورائحة تبغ كريهة فتجعد وجهها باشمئزاز وحاولت الركض لتبحث عن أمها ولم تقدر وكأن هناك شيء يقيد حركتها ، فعادت تغمض عيناها ودموعها تسيل وشفاها ترتجف بخوف ثم فتحتها مرة أخرى شاهقة بألم وتنظر حولها بفزع وعدم استيعاب فأمها غير موجودة ولا سريرها الدافئ ، لا يوجد غير شخص لا ترى ملامحه جيداً فدموعها شوشت الرؤية .
شعرت به يتمدد جوارها ويعانقها وكأنها ستهرب فاستوعبت أن تلك القبلات لم تكن من أمها بل منه !
صدع صدى صرخاتها في الغرفة فانتفض الآخر بفزع تحول لغضب وهو يرى اشمئزازها منه ودفعها له رغم حركتها الضعيفة فجذب المخدر ودسه بوريدها مردداً بغضب :
كلما رفضتني في وعيك سأُعيدك للاوعي وتعودي مطيعة كما أريدك .
لا تفعل ارجوك لا تفعل ..
صرخت بانهيار تترجاه ولكنه كان انتهى فظلت تبكي وقد بدأ جسدها بالشعور لحاجته للمخدر فمر مدة لا تعلم إن كانت طويلة أم لا وذلك المختل يدسه بدمائها عدة مرات في اليوم حتى أدمنته .
صمتت تلتقط أنفاسها بصعوبة وتمدد جوارها الآخر مرة أخرى رافعاً كفه لوجهها الذابل بسبب الأرق فهي لا تنام بل تغيب عن الوعي وتعيش مع أوهامها ثم تعود لأرض الواقع وتصرخ عليه فيعطيها المخدر .
لما لم تُحبيني كما أحبك توبا ؟
تحدث بنبرة هادئة ظهر بها الارتجاف والحزن ثم أدار وجهها له وأكمل :
لقد فضلتك على زوجتي بعدما أسرني جمال عيناكِ ..
تحركت أنامله على شفتيها المصابة بسبب ضربه لها وأكمل :
عند إحراقك لشركتي ظناً بأنني بالداخل كنت وقتها أراقبك من مكتبي في بيتي حتى رأيت عيناكِ وقررت البحث عنكِ .
همست بصعوبة فصوتها مبحوح :
ما اسمك ؟
ارتسمت بسمة صغيرة على ثغره ورددّ :
بالتأكيد لن تتذكريني فمرّ على لقائنا ثلاث سنوات .
اقترب منها وطبع قُبلة على وجنتها ثم رددّ بهدوء :
أُفضل أن تناديني بالمختل الإيطالي .
نهض ليرحل هامساً الوداع فلديه عمل وقبل أن يخرج توقف على صوتها الهادئ على غير العادة :
عزيزي أريد تناول الطعام معك بإمكانك إحضار المعكرونة وشرائح الدجاج ؟
التفت يرمقها بتعجب وابتسامة متسعة ترتسم على شفتيه :
كعشاء رومانسي ؟
اعتدلت في جلستها بصعوبة وابتسمت له مرددة بنبرة رقيقة :
أجل .. كعشاء رومانسي .
خرج الآخر بسرعة والحماس يزداد لديه ولم يلاحظ بسمتها التي اختفت وحلّ محلها الغموض والتوعد .

لن تحزني يا ذات الجدائل أليس كذلك ؟
تحدث آدم بطلف شديد فرمقه يامن باشمئزاز أثناء وقوفه أمام سيارته ليذهب للمطار رفقة ماضي وثائر وغياث ليبحثوا عن توبا ، حركت رأسها بلا والحزن يظهر بعيناها :
احترس وعُد بسرعة .
حرك رأسه بموافقة ثم طبع قُبلة على جبينها واستدار ليرحل فهتفت بخوف شديد :
لا إله إلا الله عُد سليم يا آدم أرجوك ولا تتشاجر مع أحد .
استدار وابتسامة صغيرة ترتسم على شفتاه ثم رددّ بمزاح :
لا تقلقي حبيبتي سأكون ولد مسالم في غيابك .
صدع صوت ثائر الحانق وهو يصعد لسيارة آدم فسيترك سيارته بالقصر ويذهبوا بسيارتين فقط للمطار :
الشكر لله انتهت فقرة الوداع المثيرة للاشمئزاز !
سأله آدم بعدم فهم أثناء جلوسه جواره وتحركه لينطلق جهة المطار :
ما الذي تقصده يا رجل ؟
رددّ بسخرية فآدم تسبب في تأخرهم نصف ساعة بسبب توديعه لآفاق :
أقصد أن تلك النبرة الحنونة اللطيفة والنظرات الهادئة الدافئة لا تليق بملامحك الإجرامية أشعر وكأنك قاتل مختل يتصنع اللطافة .
لكمه آدم في كتفه بغيظ :
أيها الحقود تحقد عليّ لأنني أوسم منك وغير ذلك بالتأكيد لن أتحدث مع زوجتي بنبرة حادة فهي رقيقة ليست مثلكم مجموعة من الحمقى عاشقين للمصائب .
تمتم ثائر بسخرية ورفع سبابته يحركها أمام وجه الآخر :
هذا هو آدم الوقح الذي أعرفه ..
استدار ينظر للشارع عبر النافذة وتارة ينظر لساعته كثيراً وهمس بقلق :
أنتِ فين بس يا توبا !

كل الآفاق تؤدي إليكWhere stories live. Discover now