الفصل الثاني

56 21 2
                                    

في طريقها لإنارة كهف مظلم تصادمت أشعة الشمس مع جدار صلب مُحكم الإغلاق، وبمساعدة من ثقوب متوّزعة بعشوائية في جسم الجدار نجح بعضها في العبور، لتتركّز أخيرًا فوق بقعة ما، حيث خمدَ كائن ضخم مقيّدة أطرافه بأغلال حديدية خارجة من بطن الأرض.

في وضعيته هذه، أخفى الكائن بكتلته الكبيرة جذع شجرة احتضن مقطعها المصقول بصدره، فيما تدلّى رأسه الصغير من عنقه المديد الممسوح موازيًا لها، ولمّا فشل في إبعاد رأسه الحساس عن النور الساطع، فقد اتزانه وراح يخبطه مرارًا وتكرارًا في الجثة الخشبية التي استقبلته بقسوة متأصّلة فيها من حياتها المهيبة.

تزلزلت الأرضية الجليدية ردًّا على العنف المُمارَس ضدّ حارسة المكان، وشرعت بالتصدّع في نقاط متفرّقة لتُفرج عن سائل بارد ولزج جذب قدمًا محاصرًا إياها، فأفاق مالكها من سباته.

نقل الرجل شبه الواعي بصره بتشتت بين الكائن الهائج وساقه العالقة، وهجس هاجسٌ في خُلده ضاعف تشتته، هل فشل في مسعاه؟ أهي حياة إضافية عليه خوضها؟ ألم ينتهِ بعد!.

ولكن ما أثار قلقه أكثر هو أنّه لا يتذكّر أي شيء عن هذه الحياة الباردة، ولا حتى لمحة واحدة!.

تقاذفت البقع الطينية من الأماكن المتصدّعة ولطّخت تجمّعاً للثقوب مزيلةً كمّاً كبيراً من الضوء، وكردّة فعل هدأ الوحش قبل أن يهمد تماماً، وتبعته الأرض في استقرارها.

تنهّد الرجل براحة، ثمّ ركّز جهده على تحرير ساقه مما يقيّدها، وبقليل من القوة تمكّن من شدّها نافضاً الطين المجمَّد بعيدًا عنها.

مراعيًا الحذر في حركاته، استقام الرجل قاصدًا الباب الثقيل بنيّة فتحه، ولكن وبعد عدّة محاولات فاشلة تنبّه إلى موضع قفل له شكل مسدّس هندسي منتظم.

وبينما يحاول تحليل المعطيات الجديدة غافلًا عن تساقُط اللطخات الطينية بفعله، أحسّ ببوادر نشاط صادرة عن جاره السجين كاره النور، فغطّى الثقوب بكفّه الضّخمة، وإذ لحِظَ إبهامه المشروخ تلاشى الضجيج من حوله وأُدفئ فؤاده للذكرى العابرة.

ولمّا كان لزاماً عليه أن يفتح الباب بأي وسيلة، ارتأى إلى ضرورة إبعاد جاره عن مصدر الضوء تجنّبًا لضجيجه وثورانه المزعج.

غطّى الفتحات مجددًا ببعض الطين المثلج، التقط قطعة جليدية صلدة وحادّة متوجّهًا نحو السجين متمنيًا أن تعينه على كسر أغلال الأخير.

ولكنّه توقّفَ بصدمة حينما تعرّفَ على هيئة مألوفة في ظهر الكائن الغريب.

هل يخبّئ له جاره المفتاح في جسده؟

أصبح الآن عازمًا بشدّة أكبر على تحرير الوحش.

لقد صبرَ لمئات السنين، لن يضعف أمام إغراء الغدر السهل في هذه اللحظة. عليه أن يفوز بمفتاحه بشرف في معركة متكافئة...

-

متاهة الڤالهالاDove le storie prendono vita. Scoprilo ora