الفصل الثاني عشر

8 6 0
                                    

عبثًا حاولت المضيفة التخلص من ضيفتها، غير أنّ الأخيرة أصرّت على البقاء معها للوقت الرّاهن، أحسّت بأنامل الخطر المخيفة تلتف حول صديقتها المقربة، وهي لم تكذِّب حدسها يومًا ولن تفعل...

على أية حال، استطاعت المضيفة أن تهرب لبعض الوقت متحججة بواجب عاجل عليها تأديته، وقررت نادية أن تحضّر وجبة دسمة فيما تنتظرها وحيدةً في المنزل الذي احتويتا فوضاه سويًا في وقت سابق من ذلك النّهار.

تسللت طرقات هادئة إلى أذن فريا، استقامت بجسدها الهزيل الواهن إلى الباب ففتحته وادّعت التفاجؤ برؤية جارتها، استقبلتها بترحيب حار يلائم امرأة في أواخر عمر من المفترض أنها قضته في توقير والتزام آداب التّرحاب وفنونها النّبيلة.

بعدما خلعت الشابة نعليها، تخطت جارتها واقتحمت المنزل متجهةً نحو الصّالة الصّغيرة مقارنةً بما لديها، حيث اتخذت من أريكة وثيرة مجلسًا وحثّت العجوز على مجاورتها المجلس لتباشر الدّخول في موضوعها بلا مماطلة.

«منذ بضعة شهور سلّمتكِ أمانة على أن أستعيدها في وقت لاحق، وها أنا هنا الآن أُطالب بها».

كزّت الفتاة على أسنانها بغضب بينما تتلقى ذرائع بالنّسيان وأشياء أخرى لا تهمّها، تنهّدت بصبر يكاد ينفذ، ثمّ همَّت في شرح الموقف الكامل على مسامع جارتها ضعيفة الذّاكرة.

«لقد اشتريتُ سيارة واتضح أنّ مواصفاتها لا تناسب توقعاتي، وبخاصّة سنة إصدارها. فأشار عليّ صديق أن ائتمنكِ عليها حتى يحين وقت حاجتي إليها. فهلّا تعيدين إليّ أمانتي؟». ختمت الفتاة قولها بتساؤل حمّلته في نبرة تبدي إلحاحه وأهميته، ثم صمتت تنتظر أن تستوعب العجوز ما سمعته.

«إذًا أنتِ مالكة المركبة الخرِبة تلك! إنّها لا تتحرك قيد أُنملة برغم خلوّها الظّاهري من أي عيب أو عطب».

تجاهلت مالكة الأمانة التفاصيل التي لا تهمها، واستعجلَت العجوز في تلبيتها.

ثم خرجتا قاصدتَين الموقف المُلحَق بالبناء، حيث استقرت السّيارة الصّدئة قديمة الطّراز بين جاراتها الأكثر حداثةً، تخرّب النّمط العام، وتوحي هيئتها بأنّها لا شيء سوى بوابة على ماضٍ قصفت السّنون آخر آثاره، وبقيَت هي صامدة عصيّة على الزّوال.

«الخطوة التالية: إيجاد الوقود». تمتمت الفتاة في حين أخذت تحدّق بالسّيارة القبيحة، وشبح ابتسامة لاح على شفاهها وعينيها.

اقتحمت فريا سردابًا مهجورًا وسطَ كوكب معزول لا يصله نهار ولا ليل، لا يرى شتاء ولا صيف، هناك حيثُ حُبسَ لوكي مع ابنه الذّئب العملاق فنرير، ما أن تبدَّت لسكان أسغارد إنذارات النّهاية.

«حصلت هبة على أمانتها». صرّحت، وتفاجأت إذ نفى المستمع قائلًا إنّها أستريد مَن تحصلت على السّيارة وليست هبة.

متاهة الڤالهالاWhere stories live. Discover now