الفصل السادس

21 10 0
                                    

التهبَ جسد آرين بحرارة محمومة غلّفت المكان، فاستيقظ من غيبوبته شاهقًا محاولًا البحث عن أي شيء قد يطفئ النيران التي تكاد أن تثير جنونه، قفز في البحيرة فانتفض مبتعدًا بعد أن أحرقته سخونة المياه، في النهاية، جثا بقهر على الأرض التي طالتها الحرارة أيضًا فتحولت إلى تراب جافّ ساخن.

كل ذلك وهو يحرّك أطرافه بصعوبة شديدة وكأنّ الحرارة أصابتهما بالشلل.

سمعَ همهمة قريبة فالتفتَ ليتحقق منها، غير أنّه لم يقع على شيء، كان وحيدًا في متاهته التي قُلبت بين ليلة وضحاها من جحيم متجمّد إلى آخر يشتعل بحرارة لا يرى مصدرها.

كان وحيدًا للحد الذي لم يشعر به بعين تراقبه...

وقف متأهبًا يعوّل على مقدرة حذائه الخشبي على درء الحرارة المتصاعدة من الجمر المصطف -على هيئة تراب- بكثافة أسفل قدميه.

عندما عادت الهمهمة الغريبة لتتصاعد مجددًا، أخذ يبحث عن سيفه الذي ألقاه بصدمة ما أن حمله؛ بدا وكأنّه قد خرج لتوّه من فُرن الصَّهر، عاد إليه فالتقطه وذكّره ملمسه بسلاح كان عونه على أعدائه في صحراء حامية منذ أجيالٍ مضت.

جال بعينيه حول المكان، فالتقى بصره بباب الكهف الذي غادره منذ ليلة كما يقدّر، توقف في منتصف الطريق حينما تنبّه أنّه محضُ وهم لا أكثر...

وبعد عدة رؤى وآمال خائبة تأكد أنّ لَوَثة ما قد لحقت بعقله إثرّ الحرّ القوّي.

استدار على عقبيه وتوجّه إلى المياه الساخنة مجددًا بنية الشرب، روى جوفه بعد أن برّد الماء بزفيره، أو أنّه حاول تبريدها.

اقشعرّ بدنه لمّا انحسرت المياه عن كفيه مخلّفةً تهيؤات لديدان تسبح حول خطوط جلده، استدعى المنطق فضربها بيده الأخرى حتى اختفت، كانت وهمًا...

اختلط المشهد الحاضر في ذهنه بذكريات مشوّشة عن صباح صرفه هائمًا في بيداء قائظة، صارع فيها أوهامه المتولّدة بفعل الحرّ، وغضبه الملفوظ من رحم الغدر.

ترقرق الدمع في مقلتيه حينما هيّأ له ذهنه خيالًا واقعيًا لفرسه التي اشتاقها، توجّه صوبها يدعو ألّا تختفي قبل أن يلمسها.

جثا إلى جوارها يعتذر عمّا أصابها بسببه، ودموعه تهطل بغزارة لا يعلم أهو بسبب الذكرى التي أحيت قهره؟ أم بسبب احتراق ركبتيه مما يلمسانه الآن.

«أنا أفتقدكِ يا سلامي. أرجوكِ اغفري لي تهوّري».

لفظ كلماته بين شهقاته المتتابعة.

لمّا طال وقوفها مدّ يده إليها وسحبها مجددًا، لم يعد يريدها حيّة! لتكن وهمًا. فهذا أهون من أن يراها على صورة لا تليق بها...

«أرجوكِ ليس أنتِ أيضًا». توسّل بقهر بينما يهزّ رأسه محاولًا طرد الصورة المشؤومة للزوجة التي كانت نقية كمياه فينلاند الموعودة! وإذا بها قد استحالت وحشًا عالقًا بشباك شروره. بسببه هو!.

متاهة الڤالهالاWhere stories live. Discover now