الفصل الثالث عشر

6 6 0
                                    

أغمضت عينيها برعب، حاولت تنظيم أنفاسها ولكنّ الثّقل فوق بطنها جعل هذه المهمة البسيطة شبه مستحيلة، ترقبت انغراز الرّمح في صدرها، ثمّ تذكرت أنّ هذا لا شيء سوى حلم، وهم.

أخذت شهيقًا طويلًا، التقطت قطعة حجارة من جانبها وقذفتها نحوه، أصابت جبهته فرفع قدمه عن بطنها وتراجع متفاجئًا، استغلّت الفرصة لتكمش جسدها وتزحف بعيدًا عنه، حدّقت به بجرأة ونطقت: «اقتلني وسيتوقف طريقكَ هنا».

«قلبك هو صلتك بأتباعك؟ إذا ما الذي سيقوله أتباعك عندما يشهدون قتلك لفتاة لا تشكل لكَ أي تهديد؟». تابعت، تراقب تردده وانطفاء شرارة التّهور في عينيه.

تنهد الرّجل باستكانة، ثمّ تنبه فجأة لشيء غريب، أجال بصره في الأرجاء، عبّ الهواء بوفرة وربما بطمع، دخلت الرّيح المنعشة إلى أعماقه الباردة فأدفأتها، ذكّره الحدث بماضٍ يأنف عنه، ابتسم بلا مقاومة، وفي دماغه ألحّت عليه خاطرة مزعجة: ‹هذا السّحر مألوف›.

«ما بك؟ أين ذهبت؟». تساءلت هبة تلكزه في ساعده المبلل بالمياه المالحة، تسرّب الملح إلى جرح مُهمَل في إصبعها فقفزت صارخةً بألم، عندها فقط خرج آرين من شروده، تأسّفَ منها بنبل، كانت محقة، هو لا يقتل لغرض القتل!.

خلال لحظات قليلة، تغير المحيط حولهما إلى مرج فسيح، فُرشت الأرض المنبسطة بفراش وثير من الزّهور بديعة التّصميم، كان الأريج قويًّا غير أنّه لم يغطّي على الرّائحة السّاحرة المنبعثة من مكان ما يجهله المُستنشِق، التفتَ آرين إلى الخلف فوقع بصره على الفتاة التي تكدّ في سيرها ببطء والألم بادٍ على ملامحها، جثا معطيًا إياها ظهره، بلا مناوشة استسلمت المتألمة فتعلقت بعنقه ولفّت ساقيها حول خصره، فيما حثّ خطاه نحو المجهول.

لمح سيفه من بعيد فتعجَّل في حركته بغيةً إدراكه بسرعة، لمّا تبينت له الصّورة الكاملة تخشّب في موضعه يراقب اليد الممسكة بسلاحه؛ أمانته التي يتوجب عليه ردّها سالمة إلى مالكها في القريب العاجل!.

رفع رأسه يلقي نظرة أكثر شمولًا على الفارس السّارق، تعجّب إذ رأت عيناه رجلًا قويّ الجسد، تحيطه هالة الشّجعان، ليس وحشًا بأي شكل من الأشكال...

ولكنّ أكثر ما أثار حيرته، هو السّلاح الذي يحمله الفارس، لقد تبين له الآن أنّه ليس سيف تابعه المخلص، بل سيفه الخاصّ!

ما الذي أتى بسيفه إلى هنا؟ ولماذا يحمله هذا الفارس؟.

لمّا أمعن النّظر في عينيّ الفارس أدرك ما لم يكن في الحسبان، هو يعرف هذا الرّجل، لطالما كانت هاتين العينين مادة دسمة لأسوأ كوابيسه وأشدّها مرارةً، حملهما معه عبر الأجيال المتعاقبة، ومعهما حمل حقده.

أوشكَ على الانقضاض عليه، كان يتوق لينتزع قلبه ويدهس جثته العفنة تحت قدميه، ولكنّه تراجع يبتلع غصة حينما عبرت ذهنه خاطرة مقرفة، هل سيكون هذا الخائن من أتباعه في المعركة الأخيرة؟ لن يسمح لهذه المهزلة أن تحصل!.

متاهة الڤالهالاWhere stories live. Discover now