الفصل السابع

21 10 0
                                    

«ألن تخبريني ما الذي يجري معكِ؟» تساءلت نادية أثناء سيرها بجانبي ممسكةً مقود الدراجة بيمناها، بينما ثبتت اليد اليسرى على المقعد الخلفي الملبّس بوسادة إسفنجية صفراء.

«لا شيء». اكتفيتُ بهذا كإجابة. همهمَتْ غير مصدّقة، وعادت لثرثرتها عن عملها الجديد، وربما تحدثت عن أشياء أخرى لم أسمعها، فيما واصلتُ صمتي.

خلال الأيام الفائتة كنت قد طوّرتُ وسيلة بسيطة لأتجنّب جنونًا يكاد يفتك بخلايا عقلي، يبدو أنّ صوتي فقط هو ما يصل إلى الطبقة العميقة حيث يعيش الطيف الخياليّ الناشئ عن شخصية منقذتي، إذًا ولأبقيها بعيدة عن واقعي قررتُ التزام الصمت طوال اليوم واختزال ردودي إلى بضع كلمات لا تكفي لتوضيح ما أقوله أو أقصده.

«..ألا تعلمين أنّي أخشى الوِحدة؟». قُبض قلبي لما سمعته. نعم أعلم!

«لا تقلقي لن أبقَ في هذا العالم طويلًا. عليّ إنهاء شيء ما فقط». كانت النبرة بائسة، كحمض أذابَ صبري. شهقتُ وترقرق الدمع في مقلتيّ فجذبتُ انتباه صاحبتي التي توقفت هلعةً تحسب أنّ الألم في قلبي.

«هل تعبتِ؟ تعالي لنشرب بعض الماء». لم تنتظر ردّي، بل احتوت جسدي وقادتني ببطء إلى مقعد قريب في ركن هادئ، بعثرتْ محتويات حقيبتها أمامنا حتى وجدت زجاجة مياه، فسقتني منها ثم قرفصت أمامي تعاونني على تنظيم أنفاسي بصبر ولهفة لطالما خطفَت بهما قلبي.

استسلمتُ للبكاء في لحظة انهيار لم أعش مثلها حتى في أقسى أيامي...

ضمّتني نادية بصمت وأخذت تربت على ظهري، وسمعت همسًا يشوبه الندم في رأسي: «أنا آسفة أرجوكِ لا تبكي بسببي».

تهيّج جلدي بتأثير الانفعال الأخير وانهمكت نادية في ترطيب وجهي وذراعاي وعنقي برذاذ المياه، بينما تتمتم بآيات قرآنية بغاية تهدئتي.

بمرور الوقت هدأتُ قليلًا، تناولتُ منها الزجاجة، شربت وذراعي الأخرى مفرودة على كتفها، اكتفتْ هي بمراقبتي ولسانها ما يزال يلهج بالآيات.

في النّهاية جذبتها نحو صدري بقوّة وتلعثمتُ بما نويتُ أن يظهر كشكر يليق بها، ثم طلبت هاتفها المحمول فسلّمتني إياه من فورها. هززتُ رأسي يمينًا وشمالًا بينما أبحث عن تطبيق المُذكّرة، في داخلي كانت جولة بكاء منقذتي قد بدأت.

أكاد أجنّ هناك صوت في رأسي. هي الآن تبكي بمرارة. ما عدتُ أحتمل. ساعديني طبعتُ ما توارد إلى ذهني بلا تفكير وأطلعتها عليه.

في موقف آخر، ربما كانت ستسخر مني، ولكنّها أدركت أني لا أمازحها. شرعت في الحوقلة وتعوّذت من الشيطان مرارًا، ثمّ هبّت واقفة وقالت بلهجة حاسمة: «قفي. هيّا سنذهب إلى المشفى».

هززتُ رأسي بيأس وكتبت: فعلت. لقد فعلت. لا شيء يجدي نفعًا

عادت فجسلت بجواري، أطرقت تفكّر، وحرّرتُ شهقات عالقة في حنجرتي.

متاهة الڤالهالاWhere stories live. Discover now