- 1 -

24.6K 737 116
                                    

كانت لا تزال تحدِّق بصفحة فارغة من دفترها، نفس الصفحة التي كانت تحدّق بها منذ ساعات، و هي تحرك القلم بين أصابعها. إستنشقت نفسا، ثم زفرته في انزعاج.
- لم أكتب و لو سطرا حتى الآن. كثرة الأفكار تتزاحم برأسي، لكن لا ما من فكرة واضحة! لا أظنني أستطيع أن أكتب شيئا.

وضعت القلم بين صفحتي الدفتر ثم أغلقته. أمالت رأسها يمينا و طلت من النافذة. كانت مياه البحر التي تحيط بالسفينة التي تركبها زرقاء صافية، تلمع بشدة بفضل أشعة الشمس المشرقة ذلك اليوم. إبتسمت ثم تمتمت لنفسها:
- أتمنى أن لا تنتهي الرحلة فوق مياه البحر هذه. لا أرغب في العودة من حيث أتيت، و لا شجاعة عندي لأواجه بها الأيام القادمة بعد أن أصل.

إتسعت عيناها فجأة. إبتسمت ثم فتحت الدفتر و كتبت ما تمتمت به لتوها. همست لنفسها:
- جميل. و أخير بضع كلمات لابأس بها. ربما أجد فكرة مناسبة لكتابي.

وهي تكتب، رنّ هاتفها ففتحت حقيبة ظهرها و بحثت فيها. أخرجت هاتفها لتلقي نظرة على إسم المتصل. كانت أمها. تنهدت، ثم أعادته إلى الحقيبة، حيث رمته دون إهتمام. أغلقت الدفتر، تناولت قنينة الماء بجانبها و شربت منها، ثم وضعتها جانبا على الطاولة الملتسقة بمقعدها. أسندت ظهرها ثم رأسها إلى المقعد الذي تجلس عليه، ثم أطبقت جفنيها.

سمِعت رنّة هاتفها من جديد لِيُعلِمها بتلقي رسالة نصية، فضغطت على شفتيها و جفنيها بإحكام. كان الإنزعاج التعبير الوحيد الذي صاحب ملامحها منذ ساعات. و بعد تردد، عادت للبحث عن هاتفها.
- أين ذلك ال...

وجدته أخيرا، ثم أخرجته. فتحته ثم ضغطت طلبا لإظهار الرسالة النصية التي وصلت لتوها. كنت من أمها.

"ريما.. إتصلي بي عند وصولك لأطمئن عليك يا إبنتي."

جلست ريما تحدق بتلك الرسالة لدقائق بملامح هادئة تخفي بها مشاعرا مختلطة. تنهدت، ثم أخيرا أطفأت هاتفها و أعادته إلى الحقيبة، وهذه المرة في مكان يسهل إجاده فيه. عادت و أسندت ظهرها إلى المقعد، ثم وضع ساقا على ساق، و أغلقت عينيها لتشعر بجسدها يرتخي في ملابسها الرياضية الصيفية المريحة. إبتسمت لأشعة الشمس التي تلامس وجهها النحيل، عظام خديها بارزة و ذقنها مذببا، ثم رفعت يدها إلى شعرها البني الفاتح المموج الذي صففته على شكل كعكة، لتبعد خصلاته المتناثرة عن جبينها. حاولت فتح جفنيها، لكنها لم تتمكن من فتحهما إلا قليلا، فظهر لون بؤبؤتيها العسلي الفاتن. فتحت شفتاها الممتلئتان الحمراوتان لتهمس لنفسها:
- جميل..

ثم أطبقت جفنيها مجددا لتغفو هذه المرة.

****

فتحت عيناها بصعوبة عندما سمعت تصفيقات الركاب. جلست باعتدال ثم مسحت وجهها بكفيها. ألقت نظرة من خلال النافذة فأدركت أنهم قد وصلوا إلى الجزيرة، فشرعت تجمع أغراضها في محفظتها. قام الركاب من مقاعدهم، و خرج أغلبهم من مقصوراتهم لينزلوا من السفينة. تذكرت ريما أنها لم تحجز غرفة لها في الفندق بعد، فهبّت واقفة بدورها، حملت محفظتها على ظهرها، و شرعت تجر حقيبة ملابسها مسرعة نحو المخرج. خرجت من المقصورة ثم وقفت في الصف منتظرة دورها. ثم أخيرا بعد طول إنتظار نزلت من السفينة.

حب الصيفWhere stories live. Discover now