٢ || سُقُوطُ المَوْصِلِ .

794 72 146
                                    

يونيو / حزيران .. ٢٠١٤ .. / سقوط الموصل ..

دخل عليهم منصور كمُداهم، فتح الباب بأقوى ما امتلك من قوة، و ردّ الباب الصوت بالمثل ايضا ، جراء ذلك انتفض كلٌ من فاطمة و جاسم .. وضعت يدها على قلبها محاولة تخفيف نبضاته الجنونية .

و الاخر باشر بصراخه الذي خرج من جوف أعماقه " ايها الوقح ! .. انا و امك عجوزان وقد نموت بأي لحظة !..كم مرة اخبرتك أن تدخل مثل أي بني آدم ! و .. و " تدريجيًا هدأ ، عندما قلب منصور القناة لاخرى بعد أن يلتقط المتحكم المرمي باهمال على الأريكة، و الحصاد الاخباري كان هو المعروض كما هو المرجو .

تحدثت المذيعة بوجهها الخالي من التعابير عدا حواجبها المرفوعة آليًا :" .. بعد تمكن إرهابيو داعش من الزحف تجاه مدينة الرمادي و الفلوجة في محافظة الانبار و اعلان السيطرة الكاملة عليها .. وفي خبر متصل فقد أعلن ابو بكر البغدادي المؤسس للتنظيم ، الخلافة في العراق وسوريا من محافظة الموصل في جامع النوري و حدث كثير من حالات النزوح تجاه المحافظات الأخرى و تجاه الحدود السورية، فيما أكدت جهات مطلعة أن جانبيّ الموصل الايمن و الايسر ، لم تتمكن القوات المسلحة العراقية من الوصول إليهما بل وانسحب الجيش العراقي منها ! .. هذا فضلاً عن عدد الاماكن التي تم احتلالها في سوريا - " .

كان منصور و فاطمة في أوج اندماجها مع الخبر لاقصى الحدود ، لكنهما اصدرا اصوات معترضة عندما اطفئ جاسم التلفاز .. نظرا لهُ منزعجين .. بادلهم نظرة باردة في ما اكّد قائلا :" رجاءاً ، انا لا احتمل اخبار اخرى موجعة .. قلبي قد نفذ منه الصبر؛ ما بقدرتي زيادة الهم همين! " .

تنهد الإثنان الأخيران معًا .. فهذه المذيعة الجميلة دومًا تتم مقاطعتها ! .

________________

" منصور ، منصور ، انظر إلى هذا ! " .. قلب المعني عينيه متمللاً .. يعلم برفيقه احمد ما من وراءه الا الملل و الملل و المزيد​ منه ! .. ترك صحنه مُمتلئ للنصف ، و لقمة يمضغها .. ، القى نظرة مُسايسة لهاتف الاخر، لكن .. توسعت عيناه بصدمة .. و اختلج قلبه، مع احمرار طفيف على كل من وجنته وجبينه .

كان فيديو للداعشيين أثناء اطلاقهم النيران على النازحين و هم يهرعون ركضاً وسط النيران، أصاب طفل في كتفه صابغة مسافة متر بالدماء، و مرأة توسطت الرصاصة احشائها ، سقطت أرضا وارتطمت بقوة على وجهها الذي تدفق منه السائل الاحمر، لكن واضحٌ عليها عدم الموت؛ فقط تحتظر.. عانقت الطفل الذي يولول من الالم ؛ فجاء الداعشيّ من خلفها و سحبها من يدها و جرها بعنف خلفه، متجاهلا جمل الرجاء التي تطلقها، علّه يرحم صغيرها فقط ، كان المشهد على وشك الانتهاء .

عندما شهق منصور بقوة ، ناسياً امر القمة بفمه ، .. علقت وسط هبوطها لبلعومه .. فسعل محاولا إخراجها .. ، ارتاع احمد من صوت محاولة اخراج العالق ، خصوصًا عندما بتر تركيزه مع المقطع

تنهد الإثنان .. و السؤال عاد مجددًا ، ما بيدنا لنفعل ..؟!

_________________

" يا منصور !! أفتَح الباب !! و لكن أين أنتَ ؟!! " صرختْ أمهُ كما علو صوت الجرس الرنان .. ، و الذي اعتلى سريره و اضعًا السماعات شبه مع الواقع .. فجفنيه كانا منسدلان لنصف عينيه، مع كوب قهوته الحلوة واثناء قراته كتاب لأكثر شعرائه تميزاً ' بدر شاكر السياب ' ويحاول ترجمته بابهى صورة للانجليزية، غير عالم بالعجوز الصارخة في الاسفل .

عَرفتْ أنهُ ما مِن جدوى؛ ببساطة صعدت الدُرج الطويل ، و كـمرثون كانت به .. لهثت تعبًا ، فـتحججتْ مرة أخرى بعمرها، تحاول قدر الامكان تجنب الاعتراف أنه بسبب سنها أو قلة حركتها، عندما وصلت باب غرفة ابنها ، جمعتْ كُل انزعاجها .. بقبضة يدها و طرقت بابه بقوة .

انتفض منصورٌ فزعًا ، من وراء السماعات و اخترقها صوت الطرق ! ، ازدرم ريقه بصعوبة ، ستسحقه على اقل تقدير ..، اجل عرفها ، ليس وكأن الامر صعب بأي حال .

فتح الباب و ببطء أطل بوجهه ، فتح ثغره محاولا التفسير قليلا متربصاً بفرصة للدفاع عن نفسه، لكن انهمل سيل الصراخ و التوبيخ .. حاول مقاطعتها و تهدئتها ، لكن هيهاتٌ هيهات .. لم تأخذ نفساً حتى استمرت الى ان نجح شيء ما بمقاطعتها، و هو الجرس .. شكره منصور بسره؛ أمرت منصور بفعل ما جاءت من اجله .. فنفذ مسرعًا .. تجنبًا لها بالطبع .

فتحه متكدراً؛ لكنه و فور رؤيته للطارق عدّل ملامحه مُجبرًا، .. و قد عرف سبب طريقة الطرق الجنونية هذه، فكانت عمته ام سليم .. و ويلك من ام سليم ! .. لقائها مليئ بالمجاملة و إن لم تفعل .. ستوصل ما تفعله للدول المجاورة و بأسوء مما فعلت بعشرة اضعاف !، 'خسارة بقلبها الطيب' فكر منصور .

المقولة المعروفة تُطَبّقُ على أمه ؛ قد آمن بها بفضلها موقنًا فـ :" من عاشر قوما اربعين يوما صار منهم " .. خير مرادف والدته، هي تطبعت بطباع ام سليم من يوم انتقالهم .. ليكونوا جيرانًا .

لذا ضيّفها بسرعة مع تبادل السلام العربيّ ..، قبل أن تبدأ بالتلميح و الى اخره .. أَنستْ فاطمة لرؤية خديجة، و لم تتردد دقيقة بعناقها الذي استمر طويلاً ، كله تحت أنظار منصور المتململة ..أشارت له بعينيها و ما حاولت اخفاء انزعاجها بوجوده ليغرب للاعلى، ليس و كأنه كان باقي بأي حال .. ولكنه فضّل الخروج فقط .. ففعل .

تقدمت خديجة ابتغاء الجلوس على الاريكة، عندما فعلت قابلها عصيرٌ على الطاولة و بعض قطع البسكويت ، كانت قد تجنبت اقتراح الشاي من ام منصور فكان بديلها.. النقاش بينهما كان شعرياً فمن قال إن كبار السن يتبادلون اطراف الحديث في التذمر فقط .

كانت ام سليم مصرّة على أن الشاعر محمد مهدي الجواهري شعره العباسي - كما تسميه لشدة بلاغته - افضل من بلند الحيدري وهو عكس راي ام منصور تماماً .

قالت ام سليم مصرّة " اما رأيتي بلند كردياً ؟ اكيد ليس اشد بلاغة من رائد الشعر الجواهري ! "

فجادلت الاخرى " لقد درس بلند علم النفس والفلسفة وتبنى الوجودية لفترة ثم الماركسية والديمقراطية، علاوة على قراءته للأدب العربي من خلال الترجمات وهو كردي اليس هذا كافياً ؟ " .

واستمر الجدال وقتاً ...

___________

معلش فصل قصير ، وفصل طويل حسب المزاج 🌚✋ ..

اهم شيء المعنى لانو اكو هواي اشياء احب اقول انها تعني شي مو بس جزء عابر، اتمنى أنه وصل .. 🌝💞 ..

مُرادِف المَوت"داعِشْ"Where stories live. Discover now