١

131 4 1
                                    


زفرتُ بحقد،ضيقٍ وتعب.

أما آن للإنسان أن يُفكر قليلاً بحياته؟ بما يُريد ولماذا يعيش؟
يُدهشني حقاً ذلك الشخص الذي لا يهمهُ إلا نفسه وعائلته التي هو مُجبر لإعالتها، لا حُباً لها.

ذلك الشخص الذي يقذف بكلمات الجُرح والمهانة لكل من يُعصي أوامرهُ اللامبالية لأي أحد سواه،
ومن في نهاية المطاف سيغدو ضحيةً له؟
ومن غير الفُقراء من الناسِ ، أولئك الطيبون ذوي القلوب النقية، الذين دوماً ما يُسامحوا ويغفروا ذلة من أخطأ بحقهم آلاف المرات.

كان مثل ذلك الشخص الذي ذكرتهُ قليلاً يقفُ مُقابلاً لي، ينتظر مني أن أقبل بما يأمر دون إعتراضٍ قد يُقلل أو يجرح من مكانتهِ العالية.

حدقتُ فيه لوهلة، ثم ما إن إنتهيتُ من الزفير الحاد لأُخرج غضبي حتى قلت له "لُطفاً يا عم، ألا يُمكنك الإنتظار ليوم؟ يومٌ واحد وصدقني سأُقدم المال لك دُفعةً واحدة".

ولم أتوقع ولو للحظة بأنهُ سيقبل بعرضي،
وهذا ما حدث عندما ردّ بوجهي بكره "إسمعيني يا هذهِ، أنا ولأنني كريمٌ جداً ولا أحب التطفل على حياة أي فتاة، كُنت قد سمحتُ لكِ بإستئجار منزلي لأشهرٍ قد أكتفيتُ من عدّها، دون أن أسألكِ، وهذا من حقي طبعاً، لما أنتِ من دون رفيقٍ وحدكِ هنا في النجف، ومن أين تجلبين لي هذا المال الذي رُبما قد يكون مال حرامٍ أو..".

لم يُكمل كلامه، فنظرتهُ تلك قد كفّت ووفّت.

ولأنني قد ضقتُ ذرعاً بكلامهِ الذي لا نهاية له، قمت بالرد عليه بكل برود "يال كرمك العظيم يا عم، أنا شاكرةٌ له كثيراً، ولأنك يا عم لا تحب أمثالي فأنا قررت ترك المنزل لك ومالك سيصلك العصر إن شاء الله لا تقلق" .

ودون كلمةٍ أُخرى، أغلقتُ الباب بوجهه المشؤوم فأنا لا طاقة لي لتحمل ثرثرتهُ السرمدية.

حمداً لله أنهُ قد غادر دون شجارٍ لا معنىً له.

وأنا بدأتُ بحزم حقائبي وأغراضي المُهمة، وكنتُ قد عزمت الذهاب لصديقي الجامعي الذي يعمل بالمصرف.
أنا شاكرة لنفسي، حينما كنت متواضعة وحصلتُ على رُفقاء دربٍ حَسنين الخُلـق.

تركتُ كل شيءٍ لا فائدة لي به بهذا المنزل الذي إشمأزت روحي منه، وغادرتُ بهدوء.
مودعةً الجدة العجوز التي كُنت أقضي معظم وقتي معها، دعت لي كثيراً وأخبرتني بأنني فتاةٌ لا تستحقُ مشقة القدر لي، أستحقُ راحة بالٍ تليقُ بي.

أخبرتها بأنني أشكر الله على حياتي هذه،
فلولا مصاعبها، لما غدوت أفضل مما كنتُ سابقاً.

إستأجرتُ سيارة أجرة، هدفي التالي هو البحث عن منزلٍ آخر لا يكون لأمثال ذلك السخيف نفساً يحوم حولي.

دلفتُ للمصرف، وما أن رآني جابر حتى آتاني مُرحباً بي، كم أحب شهامتهُ تلك.

قال بكل لُطف "عزيزتي وتين، لقد أنرتي المكان كيف حالكِ؟" إبتسمتُ بكل حُبٍ أخوي لهذا الرجل وأخبرتهُ بهدوء "الحمد لله، كيف حالك أنت وحال زوجتك؟" فأجاب "هي تُسلم عليكِ كثيراً وأنا بخير ما دُمتي بصحةٍ جيدة، وما أخبارك؟ ".

زفرتُ بتعب ليرى حُزني ومشقتي في هذهِ الحياة، فما كان منه سوى أن قادني للمقهى الذي يقبعُ في أعلى طابقٍ هنا لأنتظره بينما يُشغل مقعده ويعود.

طلب لي كوب ماءٍ، هذا ما طلبته فأنا لا أُحب أن يتكفل غيري بي، حتى وإن كان كوباً من القهوة لا يُساوي شيئاً له.

نظرتُ حولي لدقائق، الجميعُ هنا يحمل في طيات كتاب حياته قساوة الدنيا، وظُلم وتجبر من هم أعلى منهُ منصباً،
ولا ننسى ثغر الآباء الباسم ، البائس روحاً والكادح عرقاً.

تذكرتُ والدي حينها،
آهٍ كم إشتقت له.

البوصلـهWhere stories live. Discover now