١٣

9 1 0
                                    

وتيـن..

بعد إبتسامة بيان التي تؤكد لنا بأن مُصيبةً ستحدث، شعرنا بخوف، لكن حينما أخبرتنا بها كُنا نأمل أن تنجح وأن يعودا كما كانا، يكادُ أحمدٌ أن يمرض لكثرة شجاراتهم.

قُمنا بحجز طاولة بمطعمٍ ذو أجواء دافئة، وجلبنا ورقتين وقلمين، وأنتظرنا حضور والدي أحمد، كما تُخطط لهُ بيان.

بعد دقائق حضرا وأستقبلهما أحمد، بينما نحنُ الثلاثة إنتظرنا إشارة أحمد لنتقدم نحوه، ثم حاوطنا الوالدين وقد توترا جراء ذلك.

تحدثت بيان أولاً "مرحباً، أنا صديقةُ وتين التي تعمل بشركة إبنكما و.." قاطع حازم قائلاً "لا داعي لكل هذا الخطاب، فقط أدخلي بصلب الموضوع" زفرت بيان بغضب ونظرت لهُ نظرةً قاتلة ليبتسم هو بدوره ببرود، ربّتُ على كتفها لتهدأ وتُكمل "كما كنتُ أقول، سأملي عليكما شيئاً وعليكما فعله حسناً؟".

نظرا والدي أحمد بغرابة لها، لأقول أنا بهدوء بينما أضع ورقة وقلم أمام كل واحد منهم "هذهِ ورقة وقلم، نُريد منكما كتابة رسالة صادقة لبعضكم البعض، تكتبون فيها مشاعركم إتجاه بعض وما تُريدون تغييره وإصلاحه،حسناً؟".

نظروا للورقة والقلم بغرابة أيضاً، لكن ما لبثو أن وافقو على الفكرة لنفرح بدورنا ونبتعد عنهم لنُعطيهم مساحةً للكتابة بهدوء.

وبينما تتفاخر بيان بكون خطتها رهيبة وستنجح وحازم يعاكسها القول ويتشاجرا، كان أحمد شارد الذهن فقط ينتظر أن تُحل المسئلة على خير.

وأنا حدقتُ في والدي أحمد، رأيتُ كيف أنهما كالأطفال تماماً، يتجسسون على رسالة بعضهم البعض ويُعاتبون بعضهم لو أنهم لمحو شيئاً مما يكتبون.

فكرتُ كيف أنهم حقاً كالأطفال، وكيف أن الإنسان مهما كبر سيظل الطفل الذي بداخله ينمو معهُ تدريجياً.

وإستنتجتُ شيئاً ما من تحديقي بهم..أنهم لا يزالون مغرمين ببعض، فالشخصُ لا يغدو طفلاً عفوياً إلا بجانب من يُحب، من يثق ومن يرتاح معه.

تذكرتُ والدي فجأة، لأُخرج ساعتي وأراها متوقفة..

جميل، ماذا سيحصل الآن؟

إهتز هاتفي مُعلناً عن رسالة قد وصلتني، لأقوم بفتحها وأجدُ رسالة من مرتضى محواها أن ودق بالمشفى وهو يُريد مني الحضور والوقوف معه فهو لا يعرف كيف يتصرف معها.

قلقتُ على ودق المسكينة، وهززتُ رأسي بإستسلام لذلك الشاب المعتوه، هو لا يُجيد التصرف حقاً.

أعلمتُ الجميع بأنني سأذهب للمشفى، وأخبرتهم بأن يوافوني بالأخبار، وأخبرتُ بيان أن تبقى بالشركة مع يعقوب ريثما أعود.

أُبقي صديقتي والطفل بعهدة مجنونان كحازم وأحمد فكرةٌ سيئة، لكن ما باليد حيلة.

سارعتُ للمشفى ودلفت اسأل عن غرفة ودق، وحينما وصلتُ للغرفة وجدتُ ودقاً تأكل بخفة وهي تبتسم لحديث مرتضى.

دخلتُ أطمئنُ عليها وأُخبرها بأنها ستشفى سريعاً رغم أنني لا أعلمُ ما مرضها فأخبرني مرتضى ضاحكاً " يا حمقاء، هي ليست مريضة، هي فقط تحتاجُ لفترة راحة في المشفى".

كانت ودق تُلمح لي بين حديثنا بأن أجعل مرتضى يخرج، وكنتُ قد فهمتها من أول الأمر، لكنني إنتظرتُ فرصةً لأُخبره "ااه مرتضى، هلا جلبت لي كأس ماءٍ؟ " ليُجيب "أجئتي إلينا لتأمريني كل حين؟" فصرخت بخفة قائلة "متى أمرتك؟ أنا فقط للتو طلبت كأس ماء أيها البخيل!".

نهض ضاحكاً ليجلب لي كأس ماء فأمسكت ودق بيدي سريعاً وقد خفت منها، قالت لي "وتين، سأُخبركِ بسر..إن مرتضى قد إعترف لي وأنا موافقة لكن كيف أُخبره بذلك؟" فأجبتها بسعادة "ياالله مبروك؛ إنتظري يومان وأخبريه بذلك" لتصرخ في وجهي "يومان! هذا كثير! لن أحتمل بقائي في منزل عائلتي كل هذا الوقت!".

سألتها "إذاً ماذا؟ أتريدين أن تبدي كمن يريد الزواج سريعاً! أنتِ فتاة يا حمقاء لا تفعلي ذلك!" عبست بغضب قائلة "وإن كنتُ فتاة، ماذا في ذلك؟ ألا يحقُ لي طلبُ الزواج سريعاً كي أعيش بحرية مع من يحبني؟!" أخبرتها بإستسلام "لم أقصد هذا! أنا فقط قصدتُ بأنه يجب عليكِ أن تُظهري بأنكِ لستي مبالية لبعض الوقت حتى لا ينعتكِ بألفاظٍ لا تريدينها".

تنهدت ودق ألماً، هي حقاً لا تود العودة لمنزلها، تريد فقط البقاء بجانب من يُحبها آملة أن يهتم بها ويكون كإعتذار لكل سنوات الجفاء.

سمعنا صوت مرتضى الواقف أمام الباب يقول "إنتهيتما من الحديث خلفي؟" تلعثمت ودق قائلة " لا..لا لم نكن نفعلُ ذلك كُنا.." قاطعها مرتضى قائلاً "لا بأس، لا عليكِ ودق لستِ مضطرة لشرح شيء فأنا أفهمكِ".

نظرت لودق التي تنظر لمرتضى بعينين تصرخ 'تزوجني حالاً' فضحكت بصمت، ثم أحسستُ بنظرات الحب تُقذف فوق رأسي من هذا لتلك فشعرتُ كأني مزهرية لا معنى لوجودها هنا.

نظفتُ فمي لألفت إنتباههما لكن دون جدوى، فنهضتُ ووقفتُ أمام مرتضى الذي كاد يقتلني لأنني قاطعتُ لحظته الرومانسية تلك.

إبتسمت لهُ ببراءة قائلة "سأُغادر، لأنني تركتُ ب.." قالا كلاهما " لا إبقي! لا زال الوقت مبكراً " بينما هما بالفعل يُلوحان لي كي أُغادر سريعاً، رفعتُ حاجبي لهما ثم هززتُ رأسي لسُخفهما وغادرت بهدوء.

لكن قبل أن يتكلم مرتضى مع ودق، دخلتُ وأخذت كوب الماء من يد مرتضى قائلاً "هذا لي يا سيد" وخرجت لأسمع ضحكهم علي.

الحُب جميل..

البوصلـهWhere stories live. Discover now