١١

10 2 4
                                    

ودق|

وتأتيكَ الطعنة من أقرب شخصٍ لك، لم أتوقع يوماً أن تخونني عائلتي.

حينما كنتُ بأشد المواقف حاجةً لهم، حينما كنتُ أمدُّ لهم يدي ليسحبونني من قاع بحر الحُزن، أفلتوها وغرقت دون عودة.

.
.
كنتُ فقط صامتة لا أنطق ببنت شفة، أستمعُ للشتائم التي تنهالُ عليه كالشُهب من قبل عائلة والدتي التي زارتنا اليوم.

نعتوني بأسوء الألقاب..

بينما أنا فقط أنظر لأمي، أبي..ثم تحول نظري لأخي، أُختي...لا أحد ينطقَ شيئاً.

أنا أحتاج أن تدافعوا عني يا أهلي، هيا..هيا أرجوكم.

كنتُ أتوسل لهم بالمساعدة، لو نظرو لأعيني حتماً سيعرفون ذلك لكن من شدة خجلهم مني لم يرفعوا رأسهم حتى.

نهضتُّ سريعاً حينما إنتهيتُ منهم، دموعي تنهمر بشدة وقلبي مُنهار، لم أعلم ما عليّ فعله، أنا فقط غادرتُ المنزل دون عودة.

لم آخذ أي شيء معي أنا فقط غادرتُ دون إصطحاب أي ذكرى لهم..

وحينما كنتُ أسير في تلك الشوارع بحزن وضيق وتعب، رفعتُ رأسي للسماء وشكوت حتى إنهمرت دموعي بحرقة مجدداً.

لماذا ياالله، لما يحصل كُل هذا معي، ليس لي أهلٌ محبين أو حتى أصدقاءٌ يعرفونني جيداً ويتقبلونني في حزني الشديد هذا، لما ياالله لما..

جلستُ في أحد الأزقة أشهقُّ من بكائي الحاد، كدتُ أختنق، كدت أموت وأحسستُ بنفسي قد قُطع .

فنظرتُ للسماء نظرة يأسٍ أخيرة..ورددتُ داخلي 'أنا سيئة حتماً، أنا أستحقُ هذا، أنا خُلقت للا شيء، وحيدة..وها أنا سأرحلُ وحيدة'..

أغمضتُ عينيّ ببطئ..وتنفستُ بهدوء..على الأقل، أريدُ الموت بهدوء.

بعدها لم أشعر بشيء..

.
.

فتحتُ عيني لأرى أنني في المشفى..

ماذا؟ متى حصل هذا ومن أتى بي إلى هنا؟!

دخل فجأة شابٌ كنتُ قد رأيتهُ قبلاً لكنني لا أتذكرهُ جيداً قال بإبتسامة عذبة حينما ألتقت أعيننا "حمداً لله على السلامة ودق، كيف تشعرين؟" يعرف أسمي؟! إذاً أنا حتماً رأيتهُ قبلاً، لكن أين؟ لا أذكر..

جلس بجانبي على الكرسي وبدأ بالحديث مجدداً عندما لم أجيبه " أنا مرتضى، صديق وتين ألم تذكريني؟" حلّقتُ بمقلتيّ للأعلى حتى أتذكر فوجدتُ مشهد لي معه في حفلة رأس السنة التي أقامتها وتين وصديقتها.

شهقتُ قائلة بعدما تذكرته "آه أعتذر جداً، نعم بالطبع أذكرك" إبتسم بودّ لأسألهُ بهدوء "ماالذي جاء بي إلى هنا؟ ماذا حدث؟" فأجابني بإطمئنان "لا شيء، فقط رأيتكُ نائمة بأحد الأزقة وحيدة فإرتعدتُ خوفاً، وعندما لم تُجيبي كان قطعاً عليّ أن أحملكِ للمشفى".

قلتُ بتلعثم "ح..حملتني؟" نظر لي سريعاً ثم حكَّ رأسهُ بتوتر قائلاً "لالا، لم أقصد ذلك حرفياً، أنا فقط جلبتك إلى هنا لأطمئن" ثم أردف قائلاً بدفئ "والحمد لله أنتي بخير".

شكرتهُ بهدوء، ثم شتمتُ نفسي داخلياً عدة مرات، لأنهُ رآني وأنا بهذهِ الحالة.

ياالهي الرحمة.

بعدها تذكرتُ شيئاً فسألته "أ..أهنالك أحدٌ من أفراد عائلتي سيأتي؟" أجاب "في الواقع لا، فأنا لم أتصل بأي أحد، لا يوجد هاتفٌ معكِ، لكنني بعثتُ خبراً لوتين ستأتي لتطمئن".

لا أنكر بأنني لا أودُّ رؤية وتين هذهِ حتى، لكن لا بأس، المهم هو أن عائلتي لا تعلم بهذا وهذا يكفي.

سألني مرتضى إن كنتُ جائعة فأجبته ب لا، لقد شبعتُ من الشتائم التي لاحتني وهذا يكفي.

وبعد صمتٍ دام لدقائق باح لي مرتضى بشيءٍ صادم "ودق..أعلم جيداً بأن موقفنا هذا ليس مُناسباً، لكن.." حدقتُ فيه بهدوء، ورجوتُ الله أن لا يصدمني بشيءٍ حزين فقلبي لم يعد يحتمل.

قال بتلعثم "أ..أنا...حينما إلتقينا في الحفلة..و..وتكلمنا قليلاً..وإبتسمتي.." إبتسم حينها وهو ينظر للأرض بينما أنا أنتظره يُكمل، ولأصدقكم القول، لقد خفق قلبي حينها لكنني تظاهرتُ بالهدوء.

قال لي لأُصدم بشدة "لقد أُعجبتُ بكِ كثيراً وقد فكرتُ بكِ كثيراً" كادت وجنتاي تنفجرُ من شدة الخجل لكنني هونت على نفسي .

قال بعدها بُحزن ونظر لعيني لأشيح بنظري "حينما رأيتكُ في الزقاق اليوم، وقع قلبي أرضاً وركضتُ نحوكِ، وحينما لم أسمع منكِ رداً، سارعتُ بحملكِ إلى هنا" نظرتُ له لأراه يبتسم لي وعيناهُ تلمعُ وأكمل "لا تفعلي هذا بي مجدداً..إتفقنا؟".

ولأنني لم أعد أعرف كيف أتنفس، أومئتُ برأسي لهُ فقط كدلالة على الموافقة لما قاله تواً.

فقط إن لم أعد لتلك العائلة السخيفة.

رأيتُ كيف السعادة لاحت عيناه المُشرقة، وقال لي بدفئ "سأذهب لجلب الطعام لكِ، لقد سمعتُ صوتُ معدتكِ " إحمرت وجنتاي خجلاً، ماذا يحدث هنا بحق الجحيم؟!

غادر الغرفة لأغوص أنا بسريري وقمتُ بتغطية رأسي.

ياالله، أهذا هو الوقتُ لتعويضي عما حدث لي كُل هذا الوقت، اه ياالله أنا أحمدك كثيراً.

فمرتضى شابٌ رائع وقد أعجبني أيضاً، لكني نسيتهُ بسبب ما حدث لي .

نهضتُ من السرير لأفتح النافذة علّني ألمحُ ظله خارجاً، لقد أشتقتُ له ولم يمضي سوى ثواني على جميع ما حصل لنا.

رأيتهُ في الجهة المقابلة للمشفى، على بُعد شارعين، يشتري لي كوباً من القهوة وبعضُ الكيك.

كم هو لطيف..

لمحني وأبتسم فأغلقت النافذة سريعاً وقلبي يخفق بشدة.

البوصلـهWhere stories live. Discover now