٦

25 4 11
                                    

زُمرد| الساعة الـثانية عشـر مساءً.

أوصلتني وتين سريعاً للمنزل بعد خمـس إتصالاتٍ من أخي لم أسمعها بسبب الضجة.

وعندما أجبت على الإتصال السادس، جائتني صرخةٌ من أخي شُلّت حركتي وأنحرجتُ كثيراً حينما لاحظتُ أن الجميع قد سمعها لكن وتين تداركت الوضع وأشغلتهم حتى أستطيع التحدث معه بهدوء قليلاً.

أخبرني بأن أعود سريعاً للمنزل فقد تأخر الوقتُ كثيراً، ومن وجهة نظره هو، لا يحق للفتيات أن يبقين خارج المنزل حتى هذهِ الساعة المتأخرة.

ثم قال لي بأنه قد تفضل علي وأرسلني للعشاء دونهُ أو دون والدتي، وشكرتهُ لذلك لكنهُ صرخ بي مجدداً فلم أحتمل وأخبرتهُ بأنني سأعود فوراً ثم أغلقتُ الهاتف وطلبتُ من وتين أن تُعيدني سريعاً، فما كان منها سوى أن تترك الجمعة اللطيفة وتوصلني.

حادثتني وتين حينما كُنا في طريقنا للمنزل " زُمرد،عزيزتي، لِما أنتي تتحملين كُل هذا بصمت، عليكِ مناقشتهم والخوض في جدال لإطلاق حُريتك" أجبتها بحزن " كلا وتين، دعيني هكذا، إن جادلتهم سيشدّون الخناق علي وأنا لستُ مُستعدة للإختناق أكثر".

ذرفتُ بضع دمعاتٍ، لقد كنتُ حزينة جداً ولا أستطيعُ البوح أكثر، وتين صديقتي العزيزة ولكنني لا أستطيعُ أن أُجبرها على سماع حياتي البائسة، هي لا تستحق.

رغم أنها سمعتني كثيراً وكانت لي عوناً في كثيرٍ من الظروف، لكنّي الآن قررتُ البكاء بصمت دون الشكوى بلا فائدة، ففي نهاية المطاف هي لا تقوى على فعل شيء.

قامت بالطبطبة عليّ بخفة ولم تتحدث بعدها، فهذا أفضل لي.

وصلنا للمنزل وكنتُ أرتجف خوفاً مما ينتظرني، وعندما لاحظت وتين ذلك تمسكت بي قبل أن أنزل وأحتضنتني قائلة بخوفٍ علي "زُمرد، رجاءً لا تخافي، هل تُريدين مني النزول معكِ والتحدث مع أخوكِ؟" أجبتُها سريعاً "كلا، سيزيدُ الوضع سوءاً صدقيني، سأنزل وحدي وأُهدأ الوضع لا تقلقي".

كنتُ أعلم بأن كلامي سيُقلقها كثيراً، لكنني لم أرد لوتين أن تواجه أخي الذي لا يرحم، هي لطيفة ولا تتحمل مثل هذا الشخص، حتماً ستضربهُ بقوة لو صرخ في وجهها.

نزلتُ من السيارة وأنتظرتني وتين حتى دخلتُ للمنزل، ودعتها بإبتسامةٍ علّها تطمئنُ وترحل دون قلق، لكن لا جدوى، فتحديقها بي كان حزيناً وكانت تودُّ حقاً لو تبيت معي هذهِ الليلة.

أغلقتُ الباب فسمعتُ صوت السيارة تتحرك بعيداً، ثم جائني أخي المُشتعل ناراً وصرخ بوجهي "لما كُل هذا التأخر!!" أجبته بهمسٍ فأنا لم أعد أستطيع الكلام لأنني بدأتُ أبكي " إنها ليلة رأس السنة، وكُنا نحتفلُ جميعاً ولم أشعر بالوقت فالجميعُ كان قد قرر السهر و.." قاطعني بصراخ "وكُنتي قد قررتي السهر معهم أيضاً؟؟".

بكيتُ مُجيبة "كلا أقسم لك، أنا فقط أردتُ مرور الوقت قليلاً حتى يتعدى الثانية عشر بعدها أسحب نفسي وأخبرهم بأنني سأعود " تنفس أخي بغضب فأكملتُ بكائي بصمت.

قال لي بعدها بأمر "حسناً فقط توقفي عن البكاء، أنا أفعلُ هذا لمصلحتكِ".

لم أُعلق على هذا الأمر، أنا فقط ذهبتُ لغرفتي وبكيتُ حتى لم أعد أرى شيئاً.

ناجيتُ ربي، لما يحصل كل هذا لي؟ أعلمُ بأن الله لو أحب عبداً إبتلاه، لكني أعيشُ جحيماً لا بلاءً، لم أذقُ طعم السعادة الحقيقي وكنتُ دوماً ما أبكي حتى لم تعد توجد دموعاً أُخرى لأذرفها.

أخي دوماً ما يقسو علي، ويُخبرني بأن هذا لمصلحتي، يحتجزني ويُراقبني على جميع برامج التواصل الإجتماعي ويُضيق علي سعة التنفس وعندما اسألهُ مُحطمة لما يفعل كل هذا لي يخبرني بأنه لمصلحتي.

إنهُ مُطلقاً ليس لمصلحتي، بل لمصلحتهم هم..ولأنني فتاة، فهم يعتقدون بأنني سأرتكب فاحشة تُدنس شرفهم وبأنني عورة ولا يجب عليّ التنفس إلا بإذنٍ منهم.

ولأن قلبي لا يقوى على الدعاء عليهم، كُنت دوماً ما أدعو لهم بالهداية وأن يُخففو تسلطهم علي.

نهضتُ بتعب بعدما أنتهت دموعي، توضأتُ وسجدتُ لله بكل ضعف وقلة حيلة.

أُخبرهُ بما يُخالج صدري، أُخبرهُ بأنني أختنقت كثيراً، ولأنني أحبهُ ولا أُريد أن أعصيه فأنا لم أنتحر للآن فأنا أُريد أن ألقاهُ في الآخرة ويُخبرني بأنني قد صبرت وسيوفي بوعده لي.

أنا فقط طلبتُ منهُ أن يُعجل في موتي، فلا أعتقد بأن أخواني سيُصلحوا.

غفوتُ تلك الليلة ودموعي لم تُفارق وجنتاي.

ما هذهِ السنة التي بدايتها بُكاء؟، حتماً ستكون سيئة.

البوصلـهWhere stories live. Discover now