١٤

7 2 0
                                    

وتيـن..

دلفتُ للشركة بعدما أرسل لي أحمد بأن الخُطة قد نجحت وأنهم الآن جميعاً بالشركة، وبيان ويعقوب ينتظرون عودتي.

وما أن خطوت لمكتبي جائتني بيان خائفة تقول "وتين أرجوكِ أعيديني للمنزل " لأسألها بقلق "لما؟ هل حصل شيءٌ ما؟" لتُجيب "سيحصل إن لم أعد فوراً، لم أُخبر عائلتي بأنني ذاهبة معكِ، لن توافق بالتأكيد، وقبل قليل اتصلت عليّ سمراء لتُخبرني بأن والديّ يسألان علي وأخبرتهما بأنني لا أزالُ نائمة حتى لا يقتلانني".

لم أتفاجأ لأُصدقكم القول، فنحنُ في النجف بنهاية المطاف، أن تكوني فتاة هذا يعني بأنهُ عليكِ البقاء بالمنزل طوال الوقت وأن تكوني كالخادمة للجميع، وإن حدث وأردتي الخروج، فستذهب العائلة جميعها معكِ، أو على الأقل يكون معكِ ذكراً.

حتى وإن كُنتِ بالغة والذكر الذي معكِ هو مجرد طفل صغير، لا يهم ، المهم أنهُ لا يجب عليكِ الخروج وحدكِ فهذا مُخلٌ للآداب.

طلبتُ من أحمد أن يقوم بإعادتي مع بيان ويعقوب للمنزل، ثم أعود معهُ للشركة فوقت العمل لم ينتهي.

لم يقبل يعقوب بادئ الأمر وكان يصرخ ويبكي أن أُبقيه معي، لكني أخبرتهُ بأنني سأعود عصراً وأن لا يقلق.

أوصلناهما وأدار أحمد السيارة للخلف لنعود للعمل، وبينما نحنُ في الطريق سألني " ما أسمها؟" لأسأله أنا بدوري "من؟" فينظر لي ببرود لأفهم مقصده وأقول "اه تقصد بيان..أسمها بيان" أكمل القيادة دون رد.

عُدنا للشركة وذهب كل واحدٍ منا لمكتبه، قمتُ بإغلاق هاتفي لأنني أُريد العمل بهدوء وأُنتج أكثر، والهاتف يُعيقني عن ذلك.

وبعد ساعاتٍ متواصلة إنتهى وقتُ عملنا، طرق أحمد باب مكتبي ثم فتحهُ ليقول "نذهب؟" لأنهض حاملةً حقيبتي "نعم هيا".

كُنا أنا وأحمد وحازم زملاء قبلاً، وفكرنا ببناء شركة نعمل فيها نحنُ الثلاثة ونوظف العاطلين عن العمل أصحاب الشهادات العالية في مدينتي.

وبما أن أحمد تكفل برأس المال، أصبح هو المدير ونحنُ شركائه لكن منصبنا أقل قليلاً، وعندما لم يكن لدي سيارة كان أحمد يتكفل بإعادتي لمنزلي .

كان كالأخ الكبير لي تماماً.

أوصلني لباب منزلي، ولمحتُ منتظر يقف مع أخوانه ووالده يتحدثون بأمرٍ ما، وعندما هممتُ بالنزول رحل أحمد بعد توديعي.

ألقيتُ السلام عليهم ليرمقني منتظر بنظراتٍ لا تُفسر، بينما أجاب والده بإبتسامة "مرحباً عزيزتي، كيف كان يوم عملك؟" لأجيبه "شاقٌ للغاية.." علًق منتظر قائلاً "يبدو بأنه شاقٌ لدرجة عدم قدرتكِ على العودة للمنزل بسيارة أجرة وجعلتي أحد الشبان يقوم بتوصيلكِ!".

كنتُ أعلم أنه لا يزال مُتحجر العقل، ولا يرضى لغيره بأن يعيش حياته كما يريد، خاصةً إن كانت فتاة، هو يُعطي الحق للرجال بالقيام بما طاب لهم بينما نحنُ الفتيات علينا الحق.

لم أستطع تجاهل تعليقه السخيف ذاك فأجبته قائلة ببرود "وما شأنك أنت؟" رأيتُ الغضب بعينيه السوداء ليجادلني قائلاً "ما شأني؟ يكفي بأنكِ جارتي وإبنة مدينتي، عليه الحفاظ على نظافة منطقتي وإحترامها" .

لم أعد أحتمل تعليقاتهُ ونعتي بألفاظٍ لا تليق بي فصرخت بوجهه " أتريدُ القول بأنني لا أحترم عادات مدينتي وأنني أجلبُ سمعةً سيئة لها؟ " فأجاب "رائع، ظننتكِ غبية كفاية لكي لا تفهمي ما نحاول توصيله لكِ، وأيضاً لا تصرخي بوجهي!" أراد والده أن يمنعهُ من مجادلتي وأن يضع حداً لشجارنا لكنني لم أكتفي منه بعد.

سخرتُ قائلة "أنظروا من يتكلم عن السمعة، الفتى الذي كان يُحادث مئة فتاة باليوم!" صُدم منتظر من ردي، وراح الجميع يحدق به .

زفرتُ بغضب، الحقير، دوماً ما يجعلنني كأنني المخطأه، بينما هو المخطأ من رأسه لأسفل قدميه.

تحدث والده حينها بصرامة "كفى شجاراً، وتين..أدخلي لمنزلكِ وأرتاحي أنتِ لم تقومي بعملٍ خاطئ، وأنت يا منتظر ألحقني " وقبل أن يذهب الجميع لحيثما يريد، جائتني بيان تمشي بخوف وهمست لي بأنها تريدني في منزلها حالاً.

ذهبتُ معها بعدما ألقيتُ نظرةً باردة أخيرة على منتظر.

ياله من مُتحجر العقل.

البوصلـهWhere stories live. Discover now