٣

33 2 23
                                    

وقفتُ أمام باب المنزل الذي أرشدني إليه الرجل، وعندما هممتُ بطرق الباب، فُتح فجأة وظهر لي ذاك الفتى الذي إهتممتُ به لدرجةٍ لم يكن يستحقها أبداً وها أنا يأكلني الندم لذلك.

لم يعرف ما يقول حينما رآني، ولم أقل شيئاً أنا بدوري، فتكفل جابر بالبدأ "السلامُ عليكم، هل هذا بيت أبا منتظر؟" أجاب بهدوء "بلى، هو".

بعدها خرج رجلٌ مسن ورحب بنا كثيراً، عند أول لقاء أعينٌ لنا قال لي "أنتي تُشبهين والدكِ كثيراً" فإبتسمت بحزن.

وعندما دلفنا للمنزل أخبرنا بهدوء "إبنتي، أنا أبا منتظر صديقُ والدكِ مُنذ سنينٍ كثيرة، وعندما علم بمرضه ما كان لديه غيري ليُأمني بهذهِ الأمانة" سألتهُ بهدوء " وما هي الأمانة يا عم؟" فأجاب "هل لاحظتي المنزل الذي يقبع قبالنا؟".

حلقتُ بذاكرتي لقبل قليل حينما كُنت أبحث عن منزله،
بلى لقد صادفني المنزل المُقابل، ولقد أثار إعجابي حقاً .

قلت بهدوء "بلى لاحظته، جميل" فقال بفرح "حمداً لله أنه قد أعجبك، فهذا المنزل قد أعدت بُنيانه شهراً كاملاً ورممتهُ بهيئة تليق بإبنة صديقي العزيز عُزيزٍ".

حرت في أمري، فسألت "وما دخلُ المنزل بالأمانة يا عم؟" ضحك أبا منتظر قائلاً " والدكِ قد ترك لكِ هذا المنزل، أورثه لكِ ولأنهُ كان يحتاج للترميم قليلاً فقد قمتُ بترميمه بنفسي، إعتبري الأمر هديةً من عمك".

كنتُ أُحدق فيه بلا تصديق،
هل حقاً والدي قام بترك منزلٍ كاملٍ لي؟!

ياالهي لا أُصدق!

قام العم بأخذي للمنزل كي أراه، ولقد أعجبني جداً،
سألتُ العم " متى يُمكنني إستلامه؟" فأجاب بسرور "الآن لو أردتي، فلا ضير بذلك وهو جاهزٌ تماماً" فرحتُ بذلك جداً.

حادثني جابر الذي كان يُراقب بصمت " أرأيتي نعمة الله عليكِ، أنتي أردتي إستئجار بيت، وها قد حصلتي على واحد دون دفع أي نقود" فأخبرتهُ بفرح "حمداً لله..".

ولم يمر القليل من الوقت حتى غادرتُ المنزل لأجلب حقائبي من بيت جابر، ولحُسن الحظ، كان العم قد جهز المنزل بالأثاث أيضاً وهذا ما كنتُ شاكرةً له جداً.

بحثتُ عن غُرفة النوم خاصتي فوجدتها تقبع بالطابق الثاني، وكانت زهرية اللون وهذا ما أوقف أنفاسي للحظة.

أيهذي هذا الرجل؟!

لستُ طفلة! ثم ليست جميع الفتيات تُفضل الزهري!!

تنهدتُ قائلة "إذاً يجب عليّ شراء غرفة نومٍ جديدة، وأيضاً يجب أن أصبغ جدرانها، آهٍ ياالله".

وضبتُ حقائبي بالخزانة، ثم خلعت حُجابي وأرتديتُ ثيابً مُريحة ثم ذهبتُ للحمام كي أغسل تعب جسدي وإرهاق روحي.

بما أنكِ فتاة، ونجفية على وجه الخصوص، كان حُكماً عليكِ بأن تسمعي ما قَبِحَ من الكلام اللاذع المُختار من الحاوية تحديداً.
وعليكِ الخضوع لمن أكبر منكِ سناً، وتُنفذي أوامره، حتى وإن كُنتي قد أكملتي عقدك الرابع، هم لا يهتمون بذلك.

هذا المجتمع، قد سلب منا نحنُ الشباب وبالأخص الفتيات، أبسط حقٍ لنا، ألا وهو حُريتنا.

لا أقصد بالحُرية حرية الملبس والسفر وغيرها، بل كل ما نطلبهُ هو أن نشعر بأننا جزءٌ مهم في هذا المجتمع وأننا لسنا ضعافٍ ولنا شخصيتنا ورأينا وخصوصيتنا.

أنا حتى هذهِ اللحظة لا أعرفُ سبب تفضيل الذكور علىٰ الإناث، بماذا هم أفضل منا حُباً بالله؟

وأنا أيضاً لا أريد أن أكون ضدهم، فهم لهم حياتهم ومشاكلهم الخاصة.

لكن أين العدل؟

لا أرى طيفه..

خرجتُ من الحمام بعد أن خرجتُ من أفكاري اللامتناهية، هذا ما لا أُحبهُ فيَّ ، فأنا دوماً ما أُطيل وأدقق في كل التفاصيل حتى أُنهك دماغي، جميعُ صديقاتي قد أنبنني على ذلك.

توجهتُ نحو هاتفي الذي أضاءَ بإسم جُمانة، صديقتي العزيزة.

أجبتُ بسرور "مرحباً مرحباً، كيف الحال؟" أجابتني بسرورٍ أكبر "بأفضل حالٍ يا وتين، أتعلمين بأنني إستلمتُ أخيراً إدارة محل والدي، وسأبدأ بتغييره جذرياً وأحوله كما خططنا لهُ".

قفزتُ بسرورٍ غير مُصدقة "ياالهي أتمزحين؟! وأخيراً سنقوم ببيع أشياء كورية وغيرها" أجابتني بحماس"نعم، ستصلُ الحمولة لي غداً صباحاً وأريدك بجانبي" أجبت "بالتأكيد سأحضر" .

ولم ننتهي عند ذلك، فأنا وجُمان نتحدثُ كثيراً عن جميع ما حصل لنا، أخبرتني بأنها لن تعرض أشياءً كورية فحسب، بل ستنشر ثقافة باقي البُلدان في أرجاء المحل وستقوم بإنشاء مكتبة صغيرة للقراءة ومساحة لوضع أفكار الزبائن لتطوير المحل.

أخبرتني بأنها ستقوم بالعديد من الأمور ولن تتوقف، كان حماسها يبعثُ بالطمأنينة لقلبي، كانت دوماً ما تُبهجني في عُمق حزني، وتكون لي الدواء الشافي.

هكذا نحنُ الفتيات، ذكيات ولدينا الكثيرُ من الأفكار الرائعة لو أُعطينا زمام الأمور، لكن مُجتمعي دوماً ما يُضمروننا ويُغلقون أفواهنا وعقولنا.

إنتهينا من الحديث فقط عندما أضطرت جُمانة للعودة للمنزل فقد تأخر الوقت،
هي لا تزال تمكث في بيت والديها رُغم أننا كبرنا كثيراً.

لكن ماذا بوسعي القول؟

فمثل هذهِ الأمور طبيعية جداً في تقاليدنا، ولأصدقكم القول، فالذكور هنا كذلك يبقون بمنزل الأهل حتى يتزوجوا، وإن كانت زوجاتهم طيبات فهم يبقون في منزل الأهل حتى الممات، وإن كُنّ العكس، فسيخرجون حتماً.

البوصلـهWhere stories live. Discover now