١٦

12 3 9
                                    

زُمرد..

لو كنتُ خادمة لأستفدتُ كثيراً من الراتب الذي سأتلقاه لقاء خدمتي، لكنني خُلقت للعمل دون راتب ودون كلمةٍ طيبة تخرجُ من أفواه عائلتي.

كنتُ كالآلة العاملة، تعمل وتعمل وتعمل دون راحة فهي آلة بنهاية المطاف.

لكن، من أخدع؟ حتى الآلة يهتمون بها ويطفئونها كي تُعيد شحن بطاريتها، لكن أنا؟ لا بالطبع، سأبقى أعمل طوال اليوم وعندما أنتهي وأجلس تأتي والدتي لتأنيبي بأن هناك غباراً قليلاً لا يُرى على النافذة.

أنا حقاً مُندهشة، كيف إستطاعت رؤيته؟ إن كنتُ أنا لم ألحظهُ حينما نظفت، أنا الفتاة اليافعة التي لطالما أخبروني بأنني بعمر الزهور...الذابلة طبعاً.

وهي التي ترتدي نظارات طبية كي تساعدها على رؤية بعض الأوراق المهمة لمحاضرتها القادمة.

كانت والدتي أستاذة في إحدى جامعات النجف، تتأنق لو ذهبت ولا تحكم نفسها بإرتداء العبائة، بينما أنا حينما دخلتُ للجامعة رفض الجميع أن أنزعها وجادلوني وغضبو كثيراً حينما أخبرتهم بأنني سأرتدي ملابساً محتشمة بدلاً عن ذلك.

كم أتمنى لو أنني لم أُخلق فتاة، وخلقت ذكراً في هذا المجتمع الذكوري، لو أنني فقط..فقط، أنالُ حقوقي دونما التقليل من كرامتي.

لحظة، إعذروني، عن أي كرامة أتحدث؟ أنا لا شيء بالنسبة لهم ، فقط خادمة ويُلقبوني أحياناً بـ أختي، أبنتي..فقط عند الغريب.

سمعتُ رنين هاتفي ليسأل أخي فوراً "من؟" فأخبرتهُ بأنها صديقتي وتين، لم يصدقني حتى جاء بنفسه لكي يرى الإسم ثم أخبرني بأن أرد عليها أمامه.

هو لا يثق بي بتاتاً، جيد.

حملتُ الهاتف لأذني وأجبت "مرحباً وتين كيف حالك؟" جائني صوتها الغاضب يقول " لستُ جيدة، أنا حقاً أعاني من مشاكل وأريد أن أزوركِ لنتحدث قليلاً" أخبرتها بفرح "سأكون سعيدة جداً بذلك، متى ستأتين؟" أخبرتني بأنها ستأتي عند الـ8 مساءً .

كنتُ في غاية السعادة لذلك، وذهبتُ للمطبخ كي أعد لها العشاء والحلوى فهي تحب الأكل كثيراً.

وعندما أصبحت الساعة الـ8، طُرقت الباب ليفتحها أخي ونجد وتين تقبع عند الباب، ضحكت لذلك فهذهِ الفتاة تهتم بالوقت كثيراً ولا ترضى أن تتأخر على موعدها.

تذكرتُ حينما أخبرتها أن نذهب لمكانٍ ما وعندما تأخرتُ خمس دقائق فحسب غضبت كثيراً وجعلتني أشتري لها بيتزا، فقط لأنني تأخرتُ خمس دقائق!

ألقينا التحية وأدخلتها للغرفة لنكون وحدنا، وما أن دخلت حتى رمت بنفسها على سريري وتنهدت بعمق لأسألها "ماذا حصل؟" تنهدت مرة أخرى بألم.

ثم نهضت وجلست فجلستُ أمامها لأنتظرها حتى باحت " أنا مُنزعجة جداً، أودُّ فقط لو أختفي من هذا العالم دون عودة" أخبرتها بألم مماثل "أعلمُ تماماً ما تمرين به، أنتي أكثر واحدة قد أخبرتها بكم أود الموت وأن لا يبقى مني أثراً".

نظرت في عيني بحزن ثم قالت "لا تعلمين كم أود الآن أن أصرخ بحدة وأُخرج ما بداخلي من ضيق" أخبرتها بإبتسامة سخرية "إفعليها وسنُشنق إن شاء الله"  عقدت حاجبيها وكأنها تتسائل لما؟ ثم رفعتهما عالياً وكأنها تذكرت ثم رمت بجسدها علىٰ السرير مجدداً قائلة "بلى تذكرت، إننا فتيات أي أن صوتنا يجب أن يبقى خافتاً ولا يسمعهُ أحد، صحيح؟" ثم إبتسمت بسخرية هي الأخرى.

كُنا صامتين لفترة، حاولتُ أن أُجدد نشاطها بطعامها المفضل الذي أعددته لها، لكنها آبت تناول أي شيء وأخبرتني بأن ما حصل لها مؤخراً قد أفقدها شهيتها لأي شيء...حتى رغبتها بالحياة.

لم يكن ما حصل معها يستحقُ هذا الكلام لأصدقكم القول، لكن هنالك كتمٌ شديد في مشاعرها لم تبحهُ منذُ فترة، وتراكم الأمور الواحدة تلو الأخرى جعلها تُرهق من أقل موقفٍ تمرُ به.

كانت وتين حزينة للغاية، هي حقاً تودُ تغيير كل شيء وتحويل جميع الظالمين للسجن، أو لنقل..لتصحيح الذات، تغيير النفس وهدايتهم للطريق الصحيح.

فنحنُ جميعاً، المظلومين، قلوبنا نقية لا نريد الشر والمهانة والذُل لمن فعل هذا بنا بالفعل، ولا نُريد أن ننتقم حتى، فقط نُريد منهم أن يُفكروا عميقاً بجميع الأخطاء التي أرتكبوها بحقنا وكم كانوا قُساة القلب وأن يعتذروا بصدق ومن قلب عما بذر منهم.

لكن الكبرياء الحقير الذي يتملكهم والذي يُقلل من شأن أنفسهم حقيقةً عندنا، يأبى ويصول ويجول دونما الوصول لتحقيق ذلك، يظنون أنهم بذلك سوف يتمتعون بمكانة خاصة بحياتنا حتى وإن غدت هذهِ المكانة سيئة لا تسواي شيئاً.

فقط لو...فقط لو يُحاسبوا أنفسهم علىٰ كل خطأ أرتكبوه لكان كل شيءٍ يعمُ بسلام.

لكن، لنكن صريحين..ولنُفكر نحنُ أيضاً بشيءٍ، ما يحدثُ لنا من ظلمٍ وقسوة، أليس هذا يُعتبر الفطرة التي فطرنا عليها الله.

أعني لو حدث وكُل شيء قد عم بالسلام والهدوء، وكُل شخصٍ وصل لحُلمه دونما سعي، كُل شيء بخير والجميع سيكون معه في حُلمه وسيصل سريعاً صحيح؟

لا مشاكل، لا قسوة، لا ظلم..لو حصل كل هذا، أكان عالمنا سيغدو جيداً بنظركم؟ أسنحصل على السعادة الأبدية عندها؟

البوصلـهWhere stories live. Discover now