"لـستُ خـاطئـة"

1K 17 16
                                    

وها هو الفجر يصعد إلى السماء؛ كي يُزينها بنوره وإشراقه، وتطفو الشمس أعلى الكون تضيئه، تبث فيه الروح من جديد، معلنة عن يوم جديد يحمل معه الأمل للبعض، والألم للبعض الآخر.

في القاهرة في مكان صحراوي بعض الشيء، داخل تلك الڤيلا التي يُقال عنها "الڤيلا الرصاصية"، يجلس شاب في أواخر العقد الثاني من عمره، لديه بشرة قمحية، وأعين سوداء حادة، ممتلئة بالألم، تعلن عن كل ما مرّ به، تُجيب عن أسئلة الماضي الجريح، ولكنه يُخفي هذا الألم داخل قناع من القوة تعلّم كيف يُتقنه، ولديه أيضًا لحية صغيرة تجعله وسيمًا للغاية، ويبدو أنه يحب الهدوء إلى حد كبير، ولكن قد يكون مجرد هدوء ظاهري فقط.
يجلس يحتسي قهوته، ينظر في هاتفه يبدو أنه يتصفح الانترنت.

بعد قليل من الوقت دق هاتفه بإتصال.
_صباح الخير يا نادر.
_تمام تمام، هكون عندك كمان نص ساعة.

أغلق هاتفه وتوجه إلى غرفته الرصاصية أيضًا، فتح خزانة الملابس المليئة بالملابس المتنوعة؛ ولكن يغلب عليها الأبيض والرصاصي.
أخرج حُلته الرصاصية، لأنه يتفاءل بها كما يقول دائمًا، وضعها أمامه ونظر إلى المرآة و هو يقول بابتسامة: حازم يعني رصاصي، ورصاصي يعني حازم، نحن نختلف عن الآخرون، لا لا الآخرين قبلها حرف جر صح، ثم ضحك بخفة على ما يقول وشرع في ارتداء ملابسه.

على صعيد آخر في شركة 《AHN》للاستيراد والتصدير.
_ليست شركة عادية إنها شيء خيالي كأنه صرح لُجيّ، مصممة على أعلى مستوى،وهي ليست مجرد مبنى واحد، بل ثلاث مبانِ متشابهة التصميم وسط مساحة كبيرة من الخضرة، ومكان مخصص للسيارات، وأيضًا بها مبنى خلفي صغير مخصص للطعام به أشهى الأكلات؛ حتى يجتمع به كل موظفي الشركة أثناء ميعاد الغداء_
يقف شاب _في نهاية العشرينات يبدو في نفس عمر حازم، وسيم، ملامحه هادئة، بشرته قمحية، ابتسامته جذابة، ووجهه بشوش، يعشق الطبيعة_
يجلس داخل مكتبه ينظر إلى حاسوبه.
ضرب الجرس الصغير جانبه؛ لتدخل شمس السكرتيرة الخاصة به.
_أؤمر يا نادر بيه.
=قولي للميس حازم في الطريق.
_تمام يا فندم.

بعد حوالي نصف ساعة وصل الملك إلى مملكته الخاصة، نزل من السيارة بكل هدوء وشموخ، صعد مع حرسه الخاص في مصعد الشركة <<H>> قاصدًا مكتبه، دخل وجلس على كرسيه أمامه جهاز الحاسوب الخاص بأعمال التصدير.
دخل نادر وجلس أمامه.
_صباح الفل يا باشا.
=صباح النور، ها يا نادر المركب وصلت ولا لسه.
_وصلت يا باشا البضاعة موجودة في المخازن، هتتوزع بكرا إن شاء الله.
قال حازم بامتنان: يا نادر بطل تقولي يا باشا، أنت شريكي مش شغال عندي، وبعدين غير كدا يا جدع أنت صاحبي وأقرب حد ليا، وعمري ما أنسى وقفتك جنبي وإنك السبب في كل دا، نادر أنا لولاك كان زماني في الشارع.
اقترب نادر منه، وربت على كتفه: متقولش كدا أنت أخويا مش مجرد صاحب يا حازم.
ربت الآخر على كتفه أيضًا، ثم قال: طب اي يلا نروح نشوف البضاعة قبل ما نوزعها، وياريت متكونش زي المرة اللي فاتت عشان وقتها هلغي العقد فورًا.
=أوكي، هجهز الترتيبات وأقولك.
خرج نادر من غرفة حازم.
دق هاتف حازم في نفس اللحظة، وكان المتصل أخته الصغرى "آية الصقر" طالبة جامعية في كلية الألسن في جامعة خاصة، متعجرفة غرورها يبلغ حد السماء، لا تتحدث إلا مع أُناس من نفس مستواها، كما علمها أخوها.
_صباح الخير يا حبيبتي، عاملة اي.
قالت بعصبية شديدة: حازم سيب كل اللي في ايدك وتعالي عندي دلوقتي حالًا.
_في اي يا آية، ايه اللي حصل، حد دايقك؟
= في بنت هنا بيئة أوي قلت زوق معايا.
وقف حازم من مكانه وكأنها مصيبة وقعت على عاتقه قائلًا: ازاي يعني؟ متعرفش أنتي مين، وأن الغلطة معاكي تمنها غالي، متقلقيش يا آية أنا جاي حالًا.
أغلقت الخط معه.
دخل نادر إلى مكتب حازم ليجده وصل ذروة الغضب.
قال نادر بشك: في اي يا حازم ؟، متعصب كدا لي؟.
= في بنت مدايقة آية في الكلية، يلا يا نادر بسرعة.
=على فين؟
قال بحدة: على الكلية يا نادر.
نزلوا سريعًا من الشركة، وصعدوا بسيارة حازم.
دقائق ووصلوا الكلية فتح لهم البواب الباب الخاص بكلية الألسن لتدخل سيارة حازم وخلفها سيارات الحرس.
نزل حازم و نادر من السيارة ليجدوا آية تقف على الجانب تنظر لأحد بعيون غاضبة ثائرة.
_آية.
=حازم.
_مين بقى اللي أمها داعية عليها وبتدايقك.
=الاتنين اللي واقفين هناك دول.
نظر لهم حازم نظرة سريعة، ولكن لم يستطع التدقيق في ملامحهم.
_تمام تعالي معايا.
أخذها وركب السيارة، ولكن لم يبدِ أي ردة فعل.
قالت آية بسخرية عندما رأته يتفحص النظر إلى إحداهن يريد أن يراها بشكل واضح: عجبتك ولا اي؟؟
ضحك ضحكة عالية ثم قال :عجبتني ؟، أنا ميعجبنيش غير ملكات الجمال، بنات الناس الأغنياء، اللي ييجوا بمزاجهم، إنما دي هوريها عقابها بطريقة مختلفة، خلينا نتسلى شوية.
ضحك هو وأخته المتعجرفة بشر وكأنهم يتلذذوا، ولكن الموضوع يزعج نادر كثيرًا، لنرى ماذا سيفعل الصقر.
_البنت دي أكيد من عيلة محافظة، وطبعًا وقفتها مع الولاد في نص الكلية كدا هيزعج أهلها، خلينا نعمل شوية ازعاج بسيط، نادر صور البنت.
قال نادر بغضب مكتوم.
=أموت ومعملش كدا و أظن أنت عارفني.
_امممم سوري يا نادر، صوري انتي يا آية.
قالت بسعادة: أوكي، وأخرجت هاتفها ومن ثم أخذت بعض اللقطات.
=تمام.
_تمام يلا يا نادر نوصل آية القصر وبعدين نروح لحسن نشوف المخازن.
أوما نادر برأسه بنفاذ صبر، ليذهب السائق إلى الوجهة المطلوبة.
أما نادر فيريد أن يكسر رأس صديقه هذا، وما باليد حيلة، ولكن أن كان سيؤذيها حتمًا سيتصرف بشكل ما.
وصلت الأميرة آية إلى القصر وسط احساسها بالفخر وأنه ستأخذ بتارها بالطريقة الأصعب.
دخلت إلى القصر ومن ثم إلى الصالون تجلس وتضع قدمًا فوق أخرى.
_أمينة ....أمينة.
لم يرد عليها أحد فقالت غاضبة: انتو يا متخلفين يا اللي شغالين هنا.
جاءت خادمة في عمر الأربعين تنظر أسفل تقول خائفة: نعم يا آية هانم.
=مش سمعاني كل دا، وقعتي على ودنك ولا اي؟
_أنا آسفة جدا كنت بصلي.
=انتي هتحكيلي قصة حياتك أكلي يجهز كمان عشر دقايق ويطلع لي فوق فاهمة؟!
_أمرك يا هانم؟، تحبي أعملك أكل إي؟؟!
كانت ستلتهمها وتبدأ مرة أخرى في اسطوانة العجرفة خاصتها، ولكن دق الهاتف وأنقذ أمينة، ابتسمت ابتسامة واسعة ومن ثم قالت : طيب يا أمينة اعملي اي حاجة وهاتيها لما أقولك.
صعدت إلى أعلى سريعًا وأغلقت باب غرفتها يبدو أنها تحيك أمرًا في السر.
______________________________________________________
داخل مخازن حازم الصقر الخاصة، يقف مع نادر وحسن المسؤول عن إدارتها والحرس يحاوطون المكان.
_ لا الشغل نضيف المرة دي العربيات حلوة اوي يا نادر مش كدا.
رد متهكمًا: آه البضاعة المرة دي غير كل مرة.
_عجبتني العربية دي بفكر أخدها لآية أصلها طلبت عربية قبل كدا والمرة اللي فاتت البضاعة مكنتش حلوة.
رد حسن قائلًا: زي ما تحب يا حازم باشا.
أخرج حازم بالفعل هاتفه يتصل بها، ولكن أعطاه مشغول.
_مشغول، أكيد بتكلم حد من صحابها.
ثقة عمياء لا يحبها نادر، يعلم جيدًا أنها تحيك أمرًا خاطئًا، فكيف لتلك المتعجرفة الجلوس بأمان دون مصائب، ولكن من هو ليتحدث عن مدللة الصقر، هو نعم صديقه في كل شيء عدا السهر و المدللة التي يموت من يجرؤ التحدث عنها.
_نادر هتبعت لتركيا إن البضاعة وصلت هنا، والطيارة هتكون عندهم بكرا الساعة ٧ الصبح، وخلي مالك يستلمها بنفسه.
=تمام يا حازم.
_حسن، عايز حراسة مشددة على المخازن النهاردة، أنت عارف الحيوانات حوالينا كتير.
فهم حسن ما يود أن يقوله الصقر.
=أمرك يا باشا.

&quot;لم يعد قلبـي سجيـنًا&quot;حيث تعيش القصص. اكتشف الآن