"لا مفر من العذاب"

193 10 9
                                    

لا بأس إن كان الدرس قاسيًا، لا بأس إن خُذلت مرات وليس مرة، كلها يا عزيزي أبواب كانت تحمل لك الشر، وأُغلقت، أعلم جيدًا أن حجم الجُرح ليس صغيرًا ولا هين، لكن تأكد أنه بحجم ألمك سيكون فرجك، قد يأخذ الأمر العديد من الأيام والشهور حتى أنها قد تصل إلى سنين، حتى تتعافى، ويُرمم داخلك، لكنه سيُرمم وتُنبت فوقه الزهور.

صاعقة نزلت عليها عند سماعها صوته، أغلقت الهاتف سريعًا تُخبأه خلف ظهرها تنظر لـ "حازم" مذعورة ترتجف.
_ اي يا مدام آيـة عايزة تمشي لي؟ الخدمة هنا مش قد المقام؟ ولا يكون الشغال بتاعك قصر؟ وبعدين مين سمحلك تاخدي التليفون وكنتي بتكلمي مين؟
أردف تُتمتم بتعلثم: أنا...أنا...أنا بس!
قاطعها بغضب: أنتِ اي؟؟ أنتِ اي؟ قوليلي! عايزة تعملي فيا اي تاني؟ تحبي تروحي تعيشي خدامة عند مسعود وولاده؟ ما تنطقي اتخرستي لي؟
قررت التحدث، هو يريد ذلك إذن عليه سماعها.
أردفت بقوة: آه عايزة أمشي، عايزة أروح لـحبيبي..
هنا لم يستطع الصبر أكثر، ثوان وكانت خصلات شعرها بين يديه يقبض عليهم بقوة يردف محتدًا: تمشي؟ ازاي يا مدام آيـة؟ طب والحساب اللي بينا، مين هيخلصه؟
= حساب اي مفيش بيني وبينك حساب!
ألقاها بقوة على الفراش وهو يقول غاضبًا: لأ فيه! فيه! شرف أخوكي اللي بعتيه ودوستي عليه بالجزمة! كرامته اللي سلمتيها لمسعود وابنه بكل رخص، حبه ليكي اللي معرفش يحب حد بيه، طلباتك اللي مقصرش فيها، مكانتك وبيتك ونفسك، وكل حاجة! كل حاجة يا آيـة! كل حاجة، كنتوا بتتقابلوا فين؟ كنتي بتروحيله فين يا مدام آيـة؟
خرجت "مـي" من المرحاض تبحث عن حازم، فلم تجده ظنته بالأسفل وكادت تذهب له، حتى سمعت صوته المرتفع يأتي من غرفة "آيـة".
شهقت مذعورة تضع يدها على صدرها، ثم هرعت سريعًا إليهم.
عند وصولها سمعته يقول بألم: ردي عليا كنتوا مع بعض فين؟
لا رد.
أكمل هو: أنا عملت كل اللي أنا فيه ده عشان مين؟ مش عشانك؟ وصلت لكل ده لي؟ مش عشان تعيشي مبسوطة ومحدش يكسر عينك؟
صاحت بغضب: لأ مش عشاني! كل ده عشان نفسك! عشان تبان قدام مسعود جامد وتقدر عليه.
ارتفع صوته أكثر: أنا قادر عليه وعلى عشرة زيه، مسعود ده ميهزش شعره في بدني، إنما أنتِ! أنتِ كسرتي كل حتة فيا.
دخلت "مـي" إليهم تقول: اي اللي بيحصل؟
أجابها "حازم" يقول ساخرًا: تعالي يا مـي، الست هانم عايزة تمشي وتسيب البيت شكل كده خدمتنا مش عجباها يا مـي، فـ أنا بقول نعملها خدمة تليق بيها.
أردفت مستنكرة: تمشي ازاي يعني؟ وتمشي تروح فين؟
_ أكيد هتروح لحبيب القلب.
صاحت "آيـة" غاضبة: أمال عايز تحبسني هنا؟
_ والله أنتِ اللي اختارتي مش أنا.
= همشي يا حازم ومش هقعد في البيت ده.
_ ما أنتِ هتمشي بس معايا.
نظرت له مترقبة خائفة تقول: يعني اي مش فاهمة؟ هتعمل ايه؟
_ ولا حاجة هنزل اللي في بطنك بس.
اتسعت عيني "مـي" مصدومة، وخافت "آيـة" كثيرًا، وتراجعت على الفراش تحتضن بطنها، تقول خائفة: لأ! لأ! أنت أكيد بتهزر صح؟ بتهزر؟ أنت مش هتعمل كده صح؟
_ لأ هعمل عندك حل تاني؟
صاحت الأخرى غاضبة: آه فيه ميت حل غير ده، وبعدين أنا مش هسمح لك يا حازم تقرب من ابني، فاهم!!
قال غاضبًا: حل ايه يا مدام آيـة؟ إنك تتجوزي صابر؟ صدقيني دفنك حية عندي أهون! وأكيد مش هنكتب البيبي على اسمي، يبقى الحل الوحيد إنك تنزليه.
أمسكته "مـي" من يده قائلة: تعالى معايا يا حازم.
خرجت به من الغرفة وهو يقول: راجع لك عشان أخلص حسابي يا مدام آيـة.
ذهبوا إلى غرفة "مـي" وجلست على الفراش وهو أمامها، تنظر له محتدة.
_ مالك يا مـي؟ باصة لي كده لي؟
همست بحدة: ايه اللي أنت قولته ده؟
_ قلت ايه؟
= يعني اي هنزل اللي في بطنك؟
_ مـي! هو ده الحل الوحيد.
= لأ يا حازم لأ ده مش حل دي جريمة، أختك حامل في الشهر التالت يعني الجنين عدى ٤٠ يوم، بقى روح قتلها حرام.
أردف مبتسم بصدمة: التالت!!! يعني أختي حامل من قبل ما أنتِ تيجي! وأنا أذيتك عشانها! كنت باخد حقها منك، وأنا أعمى ومش شايف، مش عارف أن السكينة قربت عشان تقتلني.
ظلّ يضحك بألم يقول وصوته موجوع للغاية: والنهاردة اللي أذيتها واقفة جنبي، واللي أذيت عشانها كسرتني.
ظلت أمامه تنظر لدموعه التي بدأت بالهطول.
مسحها بعنف قائلًا: بس ماشي أنا هربيها.
قام سريعًا إلى غرفة "آيـة"، لتهرول هي خلفه.
فتح الباب وجدها تتحدث بالهاتف وهي تبكي: عايز يموت ابننا يا صابر!
وجدت "حازم" أخذ الهاتف منها يتحدث: معطلكش يا ابن مسعود أصلي عايز أربي أختي.
أردف الآخر غاضبًا: لو قربت لإبني يا حازم قول على نفسك يا رحمٰن يا رحيم.
_ بس يا ننوس عين بابا، متقولش كلام أنت مش قده.
أغلق الهاتف في وجهه، ثم ألقاه أرضًا يهشمه إربًا.
أمسك "آيـة" من يدها بعنف و همّ أن يخرج بها من الغرفة، فأردفت "مـي" مذعورة: هتعمل اي يا حازم؟
_ ولا حاجة هقدم لها خدمة تليق بيها.
أخذها وصعد إلى أعلى، و"مـي" خلفه.
عند تلك الغرفة الصغيرة نزل بها وألقاها أرضًا قائلًا: يارب الإقامة هنا تعجبك، حسك عينك حد يسمع صوتك، ولا يسأل إنتِ هنا لي؟ سلي نفسك بقى بصور أمك وأبوكي اللي خونتيهم، لحد ما ألاقي حل للمصيبة دي.
فنظرت هي إلى "مـي" تتوسلها: أبوس إيدك يا مـي! أبوس إيدك أنا مش عايزة أفضل هنا، أبوس إيدك قوليله أي حاجة بس يخرجني من هنا، بالله عليكي.
"مـي" بين نارين لا تعلم كيف عليها التصرف.
أردف "حازم" محتدًا: كان لازم تفكري في العقاب قبل الغلط يا هانم، يلا يا مـي عشان أقفل الباب.
خرجوا وتركوها تبكي وحدها في غرفة كل ما بها عبارة عن ذكريات والديها، وكأنه العذاب الأكبر.
______________________________________________________

"لم يعد قلبـي سجيـنًا"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن