"أمـر واقـع"

215 8 6
                                    

إن فقدت ثقتك مرة، إن كُسرت روحك مرة، فلن تستطع الثقة مرة أخرى، قد يستغرق الأمر أعوامًا؛ لتعد كما كنت، نعم أحيانًا نوضع بتلك المواقف؛ ولكن قد يأتي بعدها من يُثبت لنا أن قلوبنا لازالت بخير، تستطيع الحب والثقة مرة أخرى.

صمت نادر يحاول استيعاب ما قاله صديقه، ظن أنه يمزح فأردف: أنت بتهزر صح؟ كتب كتاب اي ؟
= مش وقته يا نادر، تعالي بسرعة.
أغلق حازم الخط، وترك نادر يعيش صدمته، يحاول الاستيعاب.
وصلت رسالة بالمكان إلى هاتف نادر، أخذ مفتاح سيارته، ونزل سيفهم عندما يذهب إليه، صعد بسيارته وحده، وذهب لمكان الزفاف.
_ أنا جاهزة.
قالتها مي، وهي تقف أمامه، لتردف منار: يلا، أنا هنزل دلوقتي وانتو بعدي على طول.
أومأت "مي" برأسها، تغمض عيناها تحاول أن تهدأ، متوترة للغاية.
_ نادر صاحبي قدامه عشر دقايق ويوصل، ولازم أستناه، شوية كده وننزل.
ظلت تُغمض عيناها لتبتلع غضبها، هذا المغرور يريد فرض رأيه بأي طريقة كانت؛ ولكن إلى هنا وكفى، عليه النزول من تلك السماء العالق بها.
أردفت وهي تحاول كتم غيظها: احنا على ما ننزل ويرحبوا بينا، هيكون صاحبك وصل متقلقش.
هَمّا بالنزول، فسبق حازم مي؛ لتوقفه قائلة: رايح فين؟
= هو اي اللي رايح فين، نازل.
_ ده بجد، كنت مفكراك طالع.
= اي اللذاذة دي!
_ أنا برضو اللي لذيذة، حضرتك هتنزل لوحدك ولا اي؟
= مش فاهم.
_ يعني هتنزل لوحدك ولما يسألوك العروسة فين تقولهم جاية ورايا؟
وقفت جانبه، وأمسكت بذراعه قائلة: ده اللي حضرتك مش فاهمه، لازم ننزل مع بعض، زي أي عريس وعروسة.
تنهد حانقًا ينزل معها لأسفل، وفور وصولهم تعالت المباركات، وصوت الزغاريط يملأ المكان، نظر حازم يرى هؤلاء المجتمعون أمام الدرج، ليجد العدد قليل ليس بهذه الكثرة، عددهم لا يكمل المئة شخص، نظر للواقفة جانبه، رآها تبتسم بفرحة، وكأنها بالفعل سعيدة، كيف هذا؟ هل بالفعل هي سعيدة، وفرحت لأنها تزوجت حازم الصقر؟ أم أنها فقط تُمثل لكي لا تجعل أحد يشعر؟ هذه فتاة أم حجر؟
نظرت له تبتسم تشير بأعينها إلى طاولة كتب الكتاب، فاق من شروده وحاول تغيير تلك النظرة المتعجبة، يبتسم لها بمجاملة، مشا معًا إلى الطاولة المزينة بالورود، وجلسا بجانب بعضهما.
كانت "حنان" تبكي، ومنار بجانبها تواسيها، دق هاتف "منار" برقم والدتها، ابتلعت لعابها، تُحاول أن تهدأ، ابتعدت قليلًا ترد عليها، وقبل أن تفتح الخط رأت شاب يدخل إلى القاعة، معه محامي، خافت قليلًا؛ لكنها اطمأنت عندما صافحه "حازم"، وبالطبع كان "نادر"؛ ففتحت الخط تتحدث.
_ نعم.
= اي يا منار أخبار العروسة اللي عريسها سابها؟
من أين علمت هذه.
_ عريسها سابها؟ وأنتِ عرفتي منين أصلًا؟
= أخوكِ كان هناك، وعرف من واحد صاحب عمر أنه مجاش.
_  متخافيش العروسة كويسة وزي الفل، وقاعدة جنب عريسها بتكتب الكتاب.
= ازاي يعني؟ ولا أنتِ بتقولي كده عشان تسكتيني؟
حولت منار المكالمة إلى فيديو وجعلتها ترى بنفسها، ولحسن الحظ كان "حازم" ينظر جهة المأذون ليتم كتب الكتاب، ووجهه لا يظهر.
= طيب عمومًا أحسن أهي برضو هتبعد عننا.
لم تحتمل أكثر أرادت الإغلاق فقالت: أنا مضطرة أقفل دلوقتي، وعايزة أقولك إن للأسف أنا اللي هسيب مي مش هي اللي هتسيبني.
أغلقت الخط، وتركتها لنفسها، تدور بها الأسئلة، وتربط الأحداث ببعضها، من ذلك اليوم عندما قالت أنها سترحل، وكلمتها تلك.
دخلت مرة أخرى تقف خلف صديقتها، وكان المأذون قد أوشك على الإنتهاء من جميع المراسم.
وقال جملته الأخيرة: بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير.
مصدوم قليلًا نعم، يشعر أنه لا يقدر على الحركة، بينما انهمرت المباركات والتهنئة على مي، تُسلم على الجميع، وكانت منار أولهما.
احتضنتها قائلة: مبروك يا قلبي.
قالت مي بوهن ولا زالت ترسم ابتسامتها: على اي يا منار.
شعرت منار بالحزن الشديد على صديقتها فقالت: متخافيش يا حبيبتي خليكِ واثقة إن اختيار ربنا دايما صح، وأن أكيد لكل مشكلة حل.
= مش قادرة أتخيل إني هروح البيت مع حد معرفوش.
_ مي أنتِ قوية وهتقدري تعدي الفترة دي.
= مش عارفه يا منار والله مش عارفة.
_ اهدي بس وكل حاجة هتتحل.
خرجت "مي" من حضن "منار"، تنظر لوالدتها التي تبكي، احتضنتها بقوة قائلة: خلي بالك من نفسك يا مي.
= متخافيش عليا يا ست الكل، وبعدين أنتِ مش عارفه بنتك ولا اي؟
_ ربنا يحميكِ يارب.
في ذلك الأثناء كان نادر يقف جنب حازم يهمس له: خد بالك أنا مش فاهم حاجة وعايز توضيح.
= اصبر بس لما المسلسل الدرامي ده يخلص.
_ مسلسل درامي؟ هقول اي معندكش دم.
= نادر يا حبيبي اخرس خالص.
جاءت "حنان" ووقفت أمامه ثم قالت بأعين مليئة بالدموع: حازم باشا أنا عارفة إنك عملت كده عشان تنقذ بنتي وتنقذ سمعتها، أنا ممنونة ليك، بس رجاء من أم معندهاش غير بنت واحدة وهي أغلى حاجة في حياتها، أوعى تاخد حق أختك وتأذي بنتي عشان في بيتك، وإن شاء الله الوضع ده مش هيستقر كتير.
نظر لها صامتًا لا يعلم ما يجب عليه قوله، حمحم يقول بهدوء: مي أمانة عندي لحد ما ترجع لكم.
الآن اطمأن قلبها قليلًا فأردفت قائلة: شكرًا يا ابني شكرًا.
رحلت من أمامه، لينظر جانبه يجد "نادر" ينظر له بفرحة وفخر، فقال: اي يا ابني مالك بتبصلي كده لي؟
_ مش عارف يا أخي بس فخور بيك.
أردف "حازم" بسخرية: فخور بيا؟ لما تعرف اللي حصل هتبقى فخور أكتر.
رد "نادر" بعدم فهم: مش فاهم قصدك.
= مش وقته يا نادر.
كانت "مي" في أحضان والدها تبكي ولأول مرة من الخوف.
_ بابا أنا خايفة أوي، مش عايزة أروح معاه.
= هشش مش عايز أسمع الكلمة دي أبدًا، متخافيش هما كام يوم بس، استحملي لحد ما أتصرف.
_ حاضر يا بابا.
= أنا آسف يا بنتي، أنا آسف معرفتش ألاقي حل.
_ لأ يا حبيبي ده مش غلطك ده غلطي أنا من الأول.
= مش مهم الكلام ده دلوقتي، أهم حاجة خلي بالك من نفسك، ولو حصل أي حاجة اتصلي بيا وأنا أجيلك على طول.
_ حاضر.
تركها "الحُسيني"، وذهب يُسلم على حازم، قال وهو يحتضنه: أبوس إيدك يا ابني، خلي بالك منها كام يوم بس لحد ما أرجعها.
_ حاضر.
ودعت "مي" والديها، وهمت بالخروج؛ لكنها وجدت والدة عمر أمامها، سلمت عليها أيضًا، وأعطتها خاتم خطبتها من عمر، حيث كانت تحتفظ به داخل يدها، وارتدت خاتم آخر كان والدها قد اشتراه لها.
_ الله يبارك فيكي يا طنط.
قالت جملتها ورحلت من أمامها بل من القاعة كلها، تركتها حزينة، فبعد أن كانت تقول لها "ماما" عادت غريبة كما كانت.
ركب نادر والمحامي السيارة، وركب حازم سيارته، همت "مي" بالركوب جانبه؛ لكن أوقفتها "منار" قائلة: مي شنطتك.
= هاتيها يا نورا.
أخذتها "مي" ووضعتها في المقعد الخلفي للسيارة، ثم صعدت بجانب "حازم" تشير لوالديها بيدها، تودعهم.
وأخيرًا مرت تلك الساعات التي لم يفهمها أحد، ورحل الجميع.

"لم يعد قلبـي سجيـنًا"Where stories live. Discover now