"ألم ممزوج بالأمان"

195 8 10
                                    

أحيانًا بعض الآلآم رغم قوتها إلا أنها تمحِ آلام أخرى، نعم الألم شعور أنانيّ يطغى على كل المشاعر حوله، إن تألمت فلا شيء يضاهي الألم.
في الڤيلا.
وصلوا إلى غرفة "آيـة" وجدوها تصرخ من الألم، تضع يدها على بطنها بقوة، وأسفلها دماء، أسرعت إليها "مـي" في حين أن "حازم" متجمد هناك لا يعي ما الذي يحدث، وكيف عليه التصرف؟
أردفت "مـي" بخوف: آيـة! اي اللي حصل؟
صرخت بقوة تردف: بطني هموت من الوجع.
نظرت إلى "حازم" لترى حالته المتحجرة، صرخت تقول: حازم! حازم! لازم نروح المستشفى بسرعة.
صراخها أخرجه، جعله يفهم ما الذي يحدث، و أومأ برأسه عدة مرات، ذهبت "مـي" سريعًا إلى غرفتها ارتدت إسدال الصلاة، وأتت إليهم، كان "حازم" أمر بخروج السيارة، كل هذا لم يأخذ ثوان، حملها "حازم" بين ذراعيه ونزل به سريعًا وخلفه "مـي"، وضعها في السيارة و"مـي" جانبها، وقاد هو إلى المشفى، كل هذا وسط صراخها التي لا يقف.
وصلوا إلى المشفى، وأدخلها "حازم" إلى الطوارئ، وأخذها الأطباء.
كان يقف، ويداه ترتجف، ملطخة بدماء شقيقته، ينظر إليها كأنه ليس في وعيه، مثل الحلم، كانت "مـي" معه تقف أمامه تنظر لنظرته ليده بخوف، تخشى أن يُصاب بصدمة.
أمسكت يده ترفع رأسه إليها تقول: هتبقى كويسة إن شاء الله.
لم يبدِ ردة فعل سوى أنه أومأ برأسه موافقًا، ثم أخرج هاتفه يتصل يتحدث إلى "نادر".
صوته ليس طبيعي أردف برجفة واضحة: نـادر! هات فلوس وتعالى أنا في المستشفى.
كان "نادر" نائمًا، وعندما سمع كلماته هب واقفًا يقول بخوف: مستشفى؟ مالك يا حازم؟ مستشفى اي؟
_ آيـة....صمت قليلًا ثم قال:تعالى بسرعة يا نـادر وهات فلوس معاك.
= طيب حاضر حاضر مسافة السكة، ابعت اللوكيشن.
أخذ "نادر" نقود كثيرة معه، ومفتاح سيارته، ونزل بملابس البيت، صعد بالسيارة ثم إلى حازم مسرعًا.
بعد دقائق كان "نادر" وصل إلى المشفى، وفور وصوله خرج الطبيب يقول: مين فيكم جوزها؟
أردف "نادر" مسرعًا: أنا جوزها يا دكتور؟ حصلها حاجة؟
نظرت له "مـي" بصدمة بعض الشيء، أما "حازم" فكأنه بعالم آخر.
_ للأسف البيبي مات، ولازم تدخل العمليات فورًا.
أغمض "حازم" عينيه متألمًا يود الصراخ في الأفق.
أكمل "نادر": هتكون كويسة صح؟
_ دي عملية بسيطة مفيهاش اي خطر.
= تمام يا دكتور اعمل اللي تقدر عليه، ومتقلقش من الفلوس حسابك عندي، المهم تطلع بالسلامة.
_ تمام.
أخرجوا "آيـة" على السرير الناقل إلى غرفة الجراحة أمامهم.
كان ينظر لها بوهن، تائه، هادئ بهدوء ما قبل العاصفة، ظلت أعينه عليها حتى أُغلق الباب.
أردف "نادر": حازم! أنت كويس؟
شارد لا يرد.
_ حازم!
عندما وجدته لا ينطق، وقفت مقابلة له تمامًا، تنظر في عينيه تقول: حازم! أنت كويس؟ رد عليا! حازم!
فجأة انهار أرضًا، لم تستطع قدميه حمله أكثر، خانته وتركته يسقط.
أردفت "مـي" بصدمة: حازم!
أردف "نادر" بنبرة خائفة: حازم!
جلس أمامه يربت عليه قائلًا: بالراحة على نفسك يا حازم، هتكون كويسة والله اهدى، يلا قوم أقف! قوم!
أردف بضعف: مش قادر.
تقف تكتم دموعها بقوة خارقة، جلست أمامه على ركبتيها تمسك وجهه بين كفيها تقول بهدوء: أهدى متخافش هتكون كويسة والله، أهدى.
ظل ينظر لها دون صوت.
قالت خائفة: اتكلم، قول أي حاجة، بلاش السكوت اللي يخوف ده، متقلقنيش عليك.
نظر لها بأعين دامية، ثم ارتمى بنفسه داخل أحضانها وشلال دموعه هابط دون توقف، يدفن عينيه في رقبتها حتى لا يراها أحد، وهي تربت على ظهره تبكي هي الأخرى دون صوت، توقفت مكابح دموعها عند صوت نحيبه.
حتى "نادر" يقف يستند إلى الجدار أمامهم، ينظر لحال رفيق، فـهربت من عيناه دمعه عليه، كم قاسية تلك الدنيا! كم قاسي هذا الاختبار!
أردف "حازم" من بين شهقاته: أنا خايف أوي عليها، لو حصلها حاجة مش هسامح نفسي.
أخرجته من أحضانها تمسك وجهه بين كفيها تردف: هتكون كويسة مش هيحصلها حاجة، أنت لازم تبقى قوي، لازم تقاوم يا حازم.
أردف وهو يبكي: مش قادر أقاوم، مش قادر أكون قوي، أقاوم ازاي حاجة مش قادر أصدقها يا مـي قوليلي!، مـي أنا بحلم صح؟ ردي عليا قوليلي إنه حلم، فوقيني منه، قوليلي إن كل ده وهم مش حقيقي، قولي أي حاجة تطمني أنا خايف!
أخذته بين ذراعيها مرة أخرى، تربت على ظهره، تحتضنه بكل ما أوتيت من قوة، وبعد قليل لم تسمع لنحيبه صوت، ماذا حدث؟
أخرجته من بين ذراعيها، وجدته فاقد الوعي، ربتت على وجهه بخفة تقول: حازم! حازم!
عندما رآها "نادر" أتى ناحيتها يردف خائفًا: في اي؟
قالت بخوف: دكتور بسرعة حازم أغمى عليه.
ذهب "نادر" سريعًا وأحضر طبيبًا ليراه.
كانت "مـي" جانبه، تحتضنه، تجعله يستند عليها.
أتى الطبيب ورآه، ثم حقنه في ذراعه يقول: متخافوش هو أغمى عليه بس تقريبا خاف من حاجة أو يمكن ضغط نفسي، هيفوق بعد شوية، ممكن ندخله الأوضة لو تحبوا يرتاح شوية.
أردفت "مـي": ياريت يا دكتور.
نادى الطبيب للممرضين، فحملوا "حازم" على ناقلة ثم وضعوه بالغرفة، ومـي تجلس جانبه، خائفة تتمسك بيده، تنتظر أن يفيق.
عندما رآها "نادر" خائفة أردف: متقلقيش حازم قوي وهيعدي المحنة دي، خليكِ جنبه بس.
أومأت برأسها عدة مرات، ليُردف هو: أنا هطلع لآيـة عشان لو خرجت.
_ ممكن تقولي أول ما تخرج؟
= حاضر.
صعد "نادر" الطابق العلوي وظل واقفًا أمام غرفة العمليات.
في غرفة "حازم"
سمعته يتمتم وهو نائم: آيـة! آيـة!
ربتت على وجهه تقول: هشش هتكون كويسة.
امتعض وجهه يقول: أنا خايف! خايف!
استندت إلى مضجع الفراش، ثم مالت بجذعها قليلًا حتى أصبحت أمامه مباشرة، لكن تعلوه قليلًا، ومن ثم أخذته في أحضانها، تقرأ بعض آيات الله؛ حتى هدأ.
دق "نادر" الباب عليهم، فاعتدلت في جلستها تقول: ادخل.
دلف "نادر" يقول لها: آيـة خرجت.
_ كويسة؟
= الدكتور بيقولي كويسة، شوية وهتفوق.
_ طيب أنا هطلع أشوفها، هي اوضتها فين؟
= تعالي أوصلك.
_ طب وحازم؟
= هوصلك وأنزله على طول.
دثرته بالغطاء جيدًا، ثم رحلت وأغلقت الباب خلفها.
صعدت إلى الغرفة التي بها "آيـة"، ثم طلبت من "نادر" النزول إلى حازم.
دلفت إلى الغرفة، وجلست جوارها قليلًا؛ حتى وجدتها تفتح عيناها، ويدها على رأسها تقول بضعف: آه دماغي، إي اللي حصل؟
وقفت "مـي" جانب فراشها، فـأدركت "آيـة" ما حدث عندما رأت "مـي".
صرخت خائفة تقول: البيبي؟ البيبي حصله حاجة؟
_ اهدي يا آيـة، واحمدي ربنا إنك بخير.
صرخت بوجهها تقول: يعني اي؟ يعني اي؟ ردي عليا ابني حصله اي؟
_ حصل اللي كان لازم يحصل، من لُطف ربنا بيكِ وبأخوكِ يا آيـة إن البيبي يموت.
ثارت كالبركان تصرخ: يموت ازاي؟ يموت ازاي؟ والدكاترة المتخلفين اللي هنا كانوا بيعملوا اي؟ ازاي يسمحوا لإبني يموت؟
غضبت "مـي" فأردفت: ده قدر الله، أنتِ متخلفة ازاي تقولي كده؟
_ بس اخرسي مش عايزة أسمع صوتك.
فُتح الباب ودلف "حازم"، سارت إليه "مـي" سريعًا تمسك وجهه بين كفيها تقول: حازم! قمت لي؟ أنت كويس؟ فيه حاجة وجعاك؟
رد بصوت ضعيف: أنا كويس الحمد لله.
= اي اللي قومك يا حازم؟ كنت ارتحت شوية؟
صوته الضعيف قال: أنا كويس صدقيني.
أسندته وأجلسته على الكرسي جانب فراش "آيـة" التي لا تنظر له.
نظر لها بحزن ثم قال: أنتِ كويسة؟
أردفت: كويسة؟ ده اللي ربنا قدرك عليه؟ بدل ما تواسيني.
_ أواسيكِ؟ الحمد لله إنها جات على قد كده، وربنا حلها من عنده.
بدأت بالبكاء وهي تقول: محدش فيكم حاسس بيا، محدش حاسس بقلبي اللي واجعني على ابني، اطلعوا برا كلكو عايزة أقعد لوحدي.
أردفت "مـي": بطلي مكابرة يا آية، المفروض تكوني مبسوطة إنك خلصتي منه من غير فضايح.
= انتو اي؟ اي الأنانية دي؟ أنا أم خسرت ابنها، اي مفيش احساس خالص؟
قال "حازم" غاضبًا: والله أنا شايف إن أنتِ اللي معندكيش احساس، حسي بيا، حسي بالوجع والقهر اللي أنا عايش فيه بسببك، أنتِ خونتيني، الدنيا ضربتني بيكِ، حسي إني موجوع.
أردفت غاضبة: أنتو اللي عُمي، أنا معملتش حاجة غلط.
بنفس النبرة الغاضبة الممزوجة ببعض الضعف: مـي! أنا ماشي قبل ما يجرالي حاجة.
وقف متأهبًا بسرعة؛ لكنه أحس بدوار قوي، فأغلق عينيه، وأستند بيديه إلى المقعد، ووضع يده الأخرى على رأسه.
أردف "مـي"، وهي تمسك يده: في اي؟ أنت كويس؟
أردف بصوت ضعيف واهن: دايخ أوي.
أجلسته على المقعد تقول: ارتاح، وأنا هنادي الدكتور.
خرجت سريعًا، وبعد قليل عادت مع الطبيب.
فحصه الطبيب قائلًا: ضغطه واطي جدا لازم نعلق له محلول فورًا.
خرج الطبيب يُنادي الممرضين؛ ليأتوا بالناقلة إليه.
في هذا الحين، جاء طبيب "آيـة" يطمئن على حالها، وكانت "مـي" بجانب "حازم" متمسك بيدها، مستند عليها كأن سند لا يميل.
_ عاملة اي دلوقتي يا آيـة؟
لم تُجب.
أردف الطبيب: أنا عارف إنك زعلانة بس الحمد لله إنك بخير، أمال فين جوزك؟
نظرت له متسائلة تقول: جوزي؟
دلف "نادر" في الوقت المُناسب تمامًا قبل أن تُخرب كل شيء قائلًا: أنا هنا أهو يا دكتور.
ذهب سريعًا وقف جوار آيـة، يُمسك رسغ يدها؛ قائلًا: عاملة اي دلوقتي؟ أحسن؟
ليردف الطبيب: البقاء لله، وحمد الله على سلامة المدام.
حاول أن يظهر صوته حزينًا فقال: الله يسلمك يا دكتور، شكرًا لحضرتك.
أوقفتهم تقول غاضبة: مدام اي؟ ومرات مين؟ ده مش جوزي.
هُنا أغلقت "مـي" عيناها بغضب أما "نادر" فضغط بقوة على يدها يؤلمها قصدًا، ينظر للطبيب قائلًا: معلش يا دكتور أعصابها تعبانة شوية، اصل احنا كنا متخانقين قبل ما تحصل الحادثة.
_ مفيش مشاكل، أنا همشي دلوقتي وهاجي اطمن عليها الصبح، عن إذنكم.
= اتفضل يا دكتور إذنك معاك.
خرج الطبيب، فنظر لها "نادر" مشنئزًا قائلًا: كان لازم نتصرف ونحمي سمعتنا منك يا هانم، كنتِ عايزة تيجي المستشفى حامل ولما يسألونا نقولهم، أصلها حامل من غير جواز؟
ذهب ناحية "حازم" ثم جلس على ركبتيه سريعًا أمام "حازم" يردف قلقًا: حازم أنت كويس؟ حاسس بإيه؟
لم يُجب، فأردفت "مـي" بنفس النبرة الخائفة: مش عارفه ماله والدكتور اتأخر، روح بسرعة معلش خليه يستعجل.
= ماشي ماشي حاضر .
أردف بها "نادر" سريعًا وهو يذهب للخارج.
نظرت "مـي" للجالسة أمامها على الفراش لا تعيرها أي انتباه تقول معاتبة: اي رأيك في حال أخوكِ يا آيـة؟ عرفتي هو تعبان قد اي بسببك؟
لم تُجب.
دخل "نادر" مع الطبيب وبعض الممرضين، وحملوا "حازم" ووضعوه على الناقلة، ويده لازالت تتمسك بيد "مـي"، حتى دلفوا لغرفته، وأعطوه العقاقير، والمحاليل، ونام "حازم" بجسد هامد، متعب.
جلست "مـي" جانبه تمسك يده بين يديها، و "نادر" يقف أمام الفراش ينظر لصديقه بحزن كبير.
صدق من قال أن الحزن هو المرض الأكبر، وأن نفسية الإنسان هي التي تتحكم به، فقد توازنه، واختلت به الأرض، ذهب لعالم غير هذا العالم لما؟ فقط لأنه حزن، آكل الهم قلبه؛ فلم يعد يحتمل؛ فسقط!
___________________________________________________

"لم يعد قلبـي سجيـنًا"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن