"خنـجر قاس"

161 12 5
                                    

قد أتت الطعنة ممن آمنتُ له، أتت بيد من صدقت ووثقت، من راهنتُ أنه لا يخون، لكنه خان!
خنجر حاد اخترق قلبك بلا شفقة، حتى أنك من شدة الألم لا تستطيع استيعاب ما يحدث، كأنك مغيب، تحاول الهروب من الواقع، لكن ليس لهذا هرب، بل مواجهة، ستكون مؤلمة نعم، لكن لا خيار سواها.

أردف "الطبيب" متوترًا: حازم باشا آية هانم حامل!
شيء ما دخل بقلبه آلمه بشدة، يحاول استيعاب ما يُقال، آية طعنت آخاها بقسوة.
ظل صامت ينظر لهم بعدم تصديق، "مي" عيناها عليه تنظر له بحزن لا تعلم ماذا تقول.
بعد قليل من الوقت الذي لم يشعر به بشيء، نطق لسانه بدهشة كأن عقله يرفض ما يحدث قائلًا: ايه! ايه اللي انتو بتقولوه ده؟ لأ طبعًا أكيد فيه حاجة غلط، أكيد، أنا...أنا هوديها مستشفى أكيد حصل لها كده من قلة الأكل بس، هي كويسة أنا عارف هي كويسة.
أردف "الطبيب" بحسرة: صدقني مفيش أي داعي لأي مستشفى، كلهم هيقولولك نفس الكلام، الأعراض واضحة جدًا مش محتاجة دكتور حتى، مرات حضرتك أهي ممكن تسألها.
نظر ل"مي" وعيناه تترجاها أن تُكذب هذا، قال: مي! قوليلي الحقيقة، مي! قوليلي آية مالها، اي اللي حصلها؟ هو....هو بيكدب صح؟ آية أختي آنسة!
أردفت "مي" بحزن: ممكن تهدى؟ أهدى يا حازم أهدى وفكر بالراحة!
ارتفع صوته وأردف غاضبًا: أفكر؟ أفكر في اي؟ أفكر في اي؟ آية مالها يا مـي؟
أردفت بنفس النبرة الحزينة: أنا آسفة كان نفسي أقولك إنه كدب بس دي الحقيقة للأسف.
صمت بضع لحظات أخرى، يبدو أنه يحاول استيعاب هذه المصيبة، وفجأة اختل توازنه، وخانته أقدامه، وكاد يسقط على الأرض، أسندته "مـي" سريعًا تقول بخوف: حازم!
جعلته يجلس على الأرض وهي تمسك ذراعه.
أردف "الطبيب": حازم باشا حضرتك كويس؟
لا يرد.
قامت "مي" من جانب "حازم" تتحدث مع الطبيب: دكتور أنا أكيد مش محتاجة أقول لحضرتك أن كل اللي حصل هنا ده ممنوع يطلع برا، وهيفضل بينا احنا التلاتة.
أردف "الطبيب" أكيد طبعًا يا هانم مش محتاجة تقوليلي.
قالت "مي": شكرًا لحضرتك يا دكتور، تقدر تتفضل.
رحل "الطبيب" وعادت "مـي" تجلس بجانب "حازم" الذي ينظر للفراغ، هربت من عينيه دمعة رأتها، لأول مرة تراه يبكي، لأول مرة ترى حازم الطفل، وليس حازم الصقر الذي يجتاح العالم بكبريائه.
مرّ بعض الوقت ولا زال الصمت يعم المكان، هي تنظر له حزينة لا تعلم ماذا عليها أن تفعل، أما هو فأخيرًا سمح لعينيه تهطل مطرها، أغمض عينيه يبكي دون نحيب، دون شجن، يبكي صامتًا، وكأنه سلّم للحقائق، وصدقها.
حاولت "مـي" أن تجعله يتحدث قائلة: حازم! حازم! أتكلم يا حازم بلاش تسكت، اتعصب، زعق، اضرب، كسر، اعمل اللي تحبه بس بلاش تسكت.
لم يُجب عليها، ظل صامتًا ينظر لأسفل، يتجسد أمامه والده، ووالدته التي لم يثبت براءتها بعد، دون أي حديث وقف فجأة، وصعد إلى غرفته، قامت هي الأخرى وصعدت خلفه سريعًا.
ظهر صوته وأخيرًا قال بألم: اي اللي جابك ورايا اطلعي برا.
ردت هي: لأ مش هطلع.
= أبوس إيدك اطلعي برا دلوقتي يا مي.
_ مش هسيبك يا حازم.
أردف غاضبًا: اسمعي الكلام يا...
قاطعته تقول بتحد: مش هطلع يا حازم أنسى.
بنفس النبرة الغاضبة: مبسوطة صح؟ اتخذلت وعيشت نفس اللي عشتيه، حسيت بيكِ، بس أنا أختي اللي كسرت ضهري مش حبيبتي! يمكن لو كانت حبيبتي مكنتش هتوجع كده!
_ أنا أكيد مش مبسوطة وأنا شيفاك كده، اللهم لا شماتة، اللي أنت فيه ده محبش أشوف أعدائي حتى فيه، وأنت جوزي، ومفيش بنت تحب تشوف جوزها مكسور يا حازم حتى لو العلاقة بينهم مش أحسن حاجة، أساسًا ده الفرق بينا وبينكم.
جلس على فراشه متهاويًا، يضع رأسه بين كفيه يفكر.
جلست على طرف الفراش بالقرب منه، أردفت بهدوء: هتعمل اي؟
بعد قليل من الوقت رفع رأسه وعيناه لا تبشر بالخير أبدًا يردف: هقولك!
قام سريعًا يذهب إلى غرفة "آيـة"، فأسرعت تهرول خلفه على الدرج تردد: حازم!
حازم! استنى بس، حازم اللي أنت رايح تعمله ده غلط، حازم اسمعني بس.
وقف أمام الغرفة وهمّ بفتح الباب، فوقفت هي أمامه تمنعه مما سيفعل.
أردف غاضبًا: أوعي من وشي.
_ عايزني أسيبك تموتها؟
= وهو الموت شوية عليها؟ بس لأ مش هموتها، أنا هوريها العذاب ألوان.
_ حازم ممكن تهدى لو سمحت، اهدي وفكر بالراحة، ومتنساش إن فيه جنين في بطنها.
= كل شوية أهدى أهدى، أهدى ازاي؟؟
أمسكها من يدها بقوة وأزاحها من أمام الباب قائلًا بتحذير: أنا داخل إياكِ تيجي ورايا، ولا تفكري بس تخبطي ع الباب!
دخل وأغلق الباب خلفه بعنف، عيناه جمرة نار، ستنفجر غضبًا، رآها تحاول الاعتدال على الفراش جالسة تأن بألم: آه!
اي اللي حصل يا حازم؟
أردف بغضب جامح: أنتِ اللي هتقوليلي حصل ازاي، وامتى ومن مين؟ بدل ما هقتلك يا آيـة!
قالت بخوف وتعجب:هو أي ده اللي من مين؟؟
أردف ساخرًا: اللي في بطنك يا...يا مدام آيـة!
ابتلعت ريقها بخوف تردف بتعثلم: اللي في بطني اي ده؟ أنت بتقول اي؟
أكمل بنفس النبرة الساخرة: لا بجد بتستعبطي كمان؟ ماشي أنا هفهمك بقول اي.
خلع حزام بنطاله ولفه على يده عدة لفات على يده.
أردفت بفزع: حازم! أنت هتعمل اي؟
رد غاضبًا: هربي أختي أصلي أنشغلت عنها ونسيت أربيها.
قالت متوترة: استنى بس يا حازم فهمني....
قاطعها بغضب وصوت مرتفع: أفهمك اي؟ قوليلي أفهمك اي؟ أنا اللي عايز أفهم أنتِ حامل ازاي؟ انطقي!!
كانت "مـي" في الخارج تفكر ما الذي عليها فعله حتى لا يتأذى أحد، تريد حل لتلك المشكلة، كانت تفكر أمام الغرفة، وهي تغدو ذهابًا وإيابًا، لكنها فزعت حين نطق كلمته الأخيرة، صوته مرتفع لدرجة لا توصف، فتحت الباب سريعًا ودلفت إلى الداخل تقف أمامه تردف بصدمة من هيأته الغاضبة: أنت هتعمل اي يا مجنون؟!
نظر لها بغضب وصوته يرتفع أكثر فأكثر يردف: اطلعي من هنا يا مي مش عايز أأذيكِ.
أردفت بغضب هي الأخرى: مش هسيبك تموت أختك بإيدك.
أردف الآخر: مش هسيبها إلا أما تقولي اللي حصل ده حصل ازاي؟
تحركت "مـي" من أمامه إلى فراش "آيـة" تقول: اخلصي قوليله مش شايفاه عامل ازاي؟
أردفت "آيـة" باكية: مش هينفع أقول مش هينفع.
أردف "حازم": قولي مين وأوعدك هقتله هو.
"مـي" غاضبة: اي هقتله دي؟ عايز تقتله وتدخل السجن؟ وبعدين أنت مش عارف أن قتل النفس حرام، اتقِ الله بقى!
ارتفع صوته لأقصاه يردف: وأنا؟ أنا كان مين اتقى ربنا فيا ها؟ كان مين أخدني في حضنه، وطبطب عليا؟ كان مين احترمني بعد ما....
صمت فجأة وكأنه وَعَى لما يقول توًا.
سألت بشك: بعد اي يا حازم؟
تركهم ورحل سريعًا من الغرفة، وقفت تفكر قليلًا تُرى ماذا يُخفي؟
رحلت خلفه تريد معرفة كل شيء، سمعت صوت أقدامه تصعد إلى الطابق العلوي، صعدت خلفه سريعًا تبحث عنه بعيناها ولم تجده، أين ذهب هذا؟ فجأة جاء صوت مرتفع لأشياء تتحطم، الصوت قريب جدًا، لكن من أين يأتي لا تعلم!
في الأسفل دق جرس الحرس نتيجة لقوة الصوت، فنادت "أمينة" من أسفل لـمي: مي هانم! مي هانم!
ذعرت "مـي" من الأصوات ونزلت سريعًا إليها قائلة: في اي يا أمينة؟
_ جرس الحرس اشتغل يا هانم، هو أي اللي حصل؟
= مفيش حاجة يا أمينة هاتي تليفون الحرس.
أحضرت أمينة الهاتف إلى "مـي" لتتحدث مع "اسماعيل".
أردف هو أولًا: حازم باشا اي صوت التكسير ده؟
ردت عليه تقول: مفيش حاجة يا اسماعيل، مشكلة بسيطة بينا، بس عايزة منك حاجة.
_ أؤمري يا هانم.
= يا ترى فيه مكان في آخر دور مش واضح، أو سري يعني؟
_ مش سري ولا حاجه دي أوضة صغيرة فيها شوية خشب وحاجات ملهاش لازمة.
= طب لو سمحت قولي هي فين؟
_ آخر السلم وأنتِ طالعة على التراس هتلاقي باب رصاصي صغير، افتحيه وانزلي تحت هتلاقيها.
= تمام يا اسماعيل شكرًا.
أغلقت الهاتف مع "اسماعيل" وصعدت سريعًا لأعلى، تبحث عن هذا الباب، لم يكن إيجاده صعب لكن لونه  نفس لون الحائط فإن لم تكن تعرف أن هناك باب لن تراه، فتحته، فقابلتها الكثير من الأتربة، كأنه مهجور منذ زمن طويل، وطالما يعرف الحرس بهذا المكان إذن هو ليس سري أو خاص، نزلت لأسفل بحذر وجدته هنا داخل الغرفة الصغيرة، حوله الكثير من الأشياء المحطمة، والزجاج المنكسر، وهو يقف في آخر الغرفة ينظر للحائط، مرت بحذر على هذه الأشياء ثم وقفت جانبه تنظر إلامَ ينظر؟ وجدت بعض الصور الصغيرة لأشخاص لا تعلم عن أحدهم شيء، ولم تراهم هنا من قبل أبدًا.
نظرت له وجدت عينيه تلمع بالشر والغيظ وسط الدموع التي تملأ مقلتيه وهو لا يسمح لها بالهطول، غضب حارق احتل ملامحه، تشعر وكأنه على وشك حرق الجميع بغضبه.
سألته مستفسرة بهدوء تريد أن تجعله يتحدث: مين دول يا حازم؟ وليه عامل على صورهم إكس كده؟ الله مين القمورة دي، دي حلوة أوي وفيها شبه منك، دي مامتك؟
وكأنها عرفت كيف تجعله يخضع ويتحدث، ابتسم بضعف وبدأت عينيه بالمطر يقول: أه مامتي، أغلى وأحن شخص ممكن تقابليه في حياتك.
أشار إلى الصورة المجاورة لها قائلًا: وده بابا قدوتي، وبير أسراري وسر نجاحي وأي حاجة حلوة فيا.
= عيلتك جميلة يا حازم.
قال بصوت مليء بالشجن: ياريتهم سابونا عيلة جميلة زي ما احنا، ياريتهم ما دخلوا حياتنا ولا عرفناهم.
= قصدك دول اللي عامل على صورهم إكس؟ مين دول؟
أشار بيديه ومعه تحول لغضب: ده مسعود صاحب والدي الله يرحمه، صداقتهم كان بيضرب بيها المثل، بس طبعًا كل واحد وشيطانه، وشيطان مسعود خلاه حط عينه على أمي، وقهر أبويا.
شهقت مذعورة تقول: ازاي؟
_ الحيوان ده كان عايز أمي في الحرام، وطبعًا رفضته وطردته من بيتنا، كان جاي على أساس هيوصل حاجة بابا باعتها من الشغل، أنا شفت كل حاجه للأسف، وقلت لها تقول لبابا، بس هي قالت لي تلاقيه بيهزر بس، ده مسعود وكلنا عارفينه، أنا مكنتش مطمن، كنت بشوفها وهي بتعيط كل يوم بليل عشان محدش فينا ياخد باله، ومش راضية تقول لبابا، لحد ما في يوم لاقينا بابا جاي من الشغل وشه أصفر ودايخ ومش عارفين في اي؟؟
Flash back.

"لم يعد قلبـي سجيـنًا"Where stories live. Discover now