" بعضنا لبعض وطـن"

350 14 7
                                    

نُواجه الكثير من الأشياء في حياتنا ونرتب للكثير ولكن لا نعلم إن كان القدر معنا أم تلك مجرد أوهام، وواقعنا مختلف.

نزل عمر متضايقًا من مكتب حازم، ينظر للصور في هاتفه، قد حذرها الكثير من المرات ألا تترك مجالًا للشك بها، ولكن تلك العنيدة لا تستمع لأحد.
أخرج رقمها من هاتفه يحادثها.
_ألو أيوة يا مي انتي فين.
ردت عليه بصوت نائم قليلًا: أنا نايمة يا عمر في البيت.
_ طيب ماشي كملي نومك.
= في اي يا عمر؟ أنت كويس؟
_ آه تمام، هقابلك بليل لما أخلص شغل.
= طيب ماشي.
أغلقت الهاتف معه، تقول باستغراب: يا ترى اي اللي حصل يا عمر؟ صوتك مش مطمني.
تنهدت بنفاذ صبر ثم قامت تغتسل وتتوضأ لتؤدي صلاة المغرب.
_____________________________________________

في شقة منار، استيقظت هي الأخرى تُرتب كُتبها كي تشرع في المذاكرة؛ ولكنها تشعر أنها ليست بخير، ذلك السجن الذي تحيا به كالمذنبة يميتها شيئًا فشيء، وما ذلك الذنب الذي ارتكبته هي حتى تُعاملها والدتها هكذا، تشعر بالاختناق كلما تفكر في هذا، يبدو أنها لم تتحمل كثيرًا حتى هربت دموعها إلى وجنتيها تزينها، قررت الخروج قليلًا فقامت وشرعت في تغيير ملابسها ثم هاتفت صديقتها.
_ ألو أيوة يا مي، أنا مخنوقة أوي ونازلة.
= اي يا نورا مالك.
_ مفيش أنا بس عايزة أخرج شوية.
قالت مي متفهمة حالتها: طيب يا قلبي أنا هلبس أهو وجيالك.
_ تمام هتلاقيني في نفس مكان كل مرة.
أومأت لها مي قائلة: ماشي.

ارتدت مي ثيابها، تجهز نفسها لاستقبال وجع صديقتها بصدر رحب، يجب أن تكون هادئة كي تحتويها وتجعلها تشعر بالأمان.
أخذت حقيبتها وخرجت.
_ماما! ماما!
جاء صوت والدتها من المطبخ خلفها.
= انتي خارجة ولا اي يا مي؟
_ آه يا حبيبتي رايحة أشوف منار.
= لي مالها.
= الله أعلم طنط صفاء هببت اي تاني؟، أنا تعبت لها سلف والله من طنط دي.
_ ربنا يهديها ويحنن قلبها عليها يا بنتي.
= يارب يا ماما، يلا سلام.
مشت عدة خطوات ثم عادت تقول: آه صحيح يا ماما هخلص مع منار، وهشوف عمر مش عارفة ماله هو كمان، لو اتأخرت متقلقيش هو هيرجعني.
_ ماشي يا حبيبتي خدي بالك من نفسك.

خرجت مي وذهبت إلى صديقتها، وجدتها تجلس أمام النيل عينيها شاردة، جلست جوارها ولكن منار لم تشعر بها أبدًا.
_ منار.
نظرت لها منار مندهشة وكأن أصابها الذعر.
=مي!
_اي يا بنتي مالك اتخضيتي كدا لي؟
= معلش يا مي كنت سرحانة شوية.
_ امم سرحانة في أي بقى.
= في الدنيا الغريبة دي.
_ طب احكيلي.
= مي تخيلي كدا كان هيحصل اي لو بابا كان عايش معانا هنا؟، مش يمكن كان يدافع عني قدامها؟، مش يمكن كنت اتطمنت شوية بوجوده؟، لي لازم يسافر ويسيبني؟
_ يا نورا ما انتِ عارفة أن باباكي بيعمل كل ده عشانك أنتِ وأخوكِ.
ضحكت بألم وأدمعت عينيها و هي تقول: أخويا! هو فين الأخ دا؟، أخويا بيخاف يحضني يا مي، بيخاف تقلب عليه وتعامله زيي، بس برضو عنده حق، مين يستحمل حد يعامله كدا على أنه وصمة عار، مي هو أنا وحشة؟
_ لا طبعًا يا منار مين اللي قال كدا؟، أنتِ أطيب خلق الله ومفيش في نقاء قلبك، كفاية أن بعد كل اللي عشتيه دا لسه نضيفة، وقلبك قادر يحب.
= أمال هي بتعاملني كدا لي؟، أنا غلطت في أي؟
_ معلش يا حبيبتي أنتِ عارفة طنط مامتها ربتها تربية قاسية شوية.
تعالت صوت شهقات منار وهي تهمس محترقة من الداخل: وأنا كان ذنبي اي أن مامتها كانت بتكره البنات؟، وطلعت عقدها عليها، تقوم هي تطلع كل اللي مامتها عملته عليا أنا؟
أخذتها مي داخل أحضانها تُربت على رأسها برفق تُحاول أن تجعلها تهدأ؛ ولكن أي هدوء هذا وبالقلب حريق مشتعل.
_ خلاص يا قلبي اهدي اهدي كفاية.
خرجت منار من حضن مي، تضع يدها على وجهها تُحاول مسح دمعاها الجاري.
= تفتكري يا مي لو كان يوسف هنا كان حصل كل دا؟
أغمضت مي عيناها بألم، لم تنسَ صديقتها ما عايشت، وما يبدو أنها لن تنسى أبدًا.
_ يا منار انسي يا منار، يوسف مش هيرجع تاني، انسي يا حبيبتي وعيشي حياتك وحبي تاني.
ضحكت عاليًا بسخرية ثم قالت: أحب تاني؟، عشان تخليه يبعد عني تاني؟
_ منار من الآخر انتي لازم يكون عندك شخصية وتقول لأ مينفعش تسيبي مامتك هي اللي تاخد قرارات عنك.
= شخصية؟ وأقول لأ؟ عشان تقتلني خالص صح؟
_ عمرها ما تقدر تقتلك، مش هتهوني عليها، أقولك كلمي باباكِ.
= بابا! صح أنا هقوم أروح عشان أكلمه براحتي.
_ ماشي يلا روحي وخلي بالك من نفسك.
= انتي مش هتيجي؟
_ لا أنا رايحة أشوف عمر.
= طيب ماشي سلام.
_____________________________________________

"لم يعد قلبـي سجيـنًا"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن