"مـيثـاقًـا غـليـظًا"

187 10 4
                                    

قد يكون هذا جرحك الأخير، لتتسلم عوضك بالشكل الذي يليق لضمادة جرحك، وقد تعرف قيمة أحدهم عندما تُبتلى، وإن وُلد الحب من الألم، فـسيكون رباطًا غليظًا وثيقًا، يعقد القلوب، ولا شيء يستطيع قطعه سوى الموت.

بعد أن ألقى كلمته دون أي بداية أو تمهيد، ومع نظرة الغضب المشتعلة في أعين "حماده" الواقف أمامه، ابتلع ريقه يشعر بالتوتر.
طلب "حماده" من السكرتيرة أن تُغلق الباب وترحل، ثم أردف بقوة: نعم!
رد "يوسف"بخوف: أنا قلت لحضرتك أنا طالب إيد منار.
أردف الآخر مُسرعًا: وأنا مش موافق.
صاعقة نارية نزلت عليه، كيف هذا؟ كان معه دائمًا لما يرفض؟ لا لن يسمح لنفسه بالاستسلام، ولن يسمح لأحد يضيع منه حبيبته للمرة الثانية.
_:لي يا عمي؟
=: من غير لي، وبعدين أنت ازاي ليك عين تيجي تطلبها مني أصلًا؟
_:عمي أنا بحب منار وهي......
قاطعه يقول: مش طايقة تشوف وشك، ولو سمحت اتفضل أنا مش فاضي.
مثل السكين البارد الذي سُحب من قلبه بلا رحمة.
أردف: لأ مش همشي، ممكن أعرف اي اللي حصل خلا حضرتك تغير رأيك، أنت دايمًا معايا، وموافق على حبنا من أول لحظة اي اللي حصل؟
أردف "حماده" غاضبًا: أنت عارف اي اللي حصل كويس أوي.
_: والله ما أعرف، قولي أنت.
=: جوازك يا أستاذ، جوازك وأنت عارف ومتأكد إن فيه انسانة موقفة حياتها عليك، جوازك وأنت عارف إنك عايش جوا حد تاني، مستني رجوعك، منار شافتك يا بيه وأنت مع مراتك في المطار، وأظن هي متستحقش الكسرة دي.
_: أنا عارف إنها شافتني، وأنا حاولت أوصلها، والدليل إني مبطلتش محاولة لحد ما عرفت مكان شغل حضرتك.
=: وعايزها تكون زوجة تانية؟؟!
_: يا عمي اسمعني هي فهمت كل حاجة غلط.
=: غلط ازاي هو الجواز كمان بقى بيتفهم غلط؟
_: لأ بس عندي مبررات.
=: واي هي المبررات دي بقى.
_: ممكن أشوف منار لو سمحت وهحكي لكم كل حاجة.
=: صدقني مش عاوزة تشوفك.
_: معلش عاوز أجرب حظي.
=: زي ما تحب.
فتح "حماده" هاتفه يتصل على ابنته، ثم فتح مكبر الصوت.
_: أيوا يا بابا!
=: حبيبتي فيه حد عاوز يشوفك.
_: مين؟
=: جاهزة تسمعي؟
_: هو حد مهم ولا اي؟
=: مش عارف على حسب.
_: مين يا بابا؟
=: يوسف راشد.
قلبها الذي ينبض بشدة، تسمع صوت تحطيمه.
قالت بألم كبير: لأ مش عايزة أشوف حد.
أردف مُسرعًا: منار اسمعيني بس....
أغلقت الخط قبل أن يُكمل كلامه.
قال "حماده": سمعت بودنك، مش محتاج أي اثبات.
=: تمام يا عمي عن إذنك.
رحل من أمامه، يبدو أنه حطمها والآن حطمته، فعلت نفس الشيء بنفس القوة، وردت الجرح أضعافًا.
______________________________________________________

مال حازم قليلًا على أذنها ثم قال بهمس حتى لا تسمعه "ريم": خِتان.
توسعت حدقتي "مـي" ذهولًا، تعتلي ملامحها الصدمة، كيف يُسمح بهذا؟ ومن الذي يسمح؟
بعد قليل من السير وصلوا إلى مبنى صغير عبارة عن طابق واحد، ثم شرعوا في الدخول لكن أوقفتهم تلك الصغيرة وهي تقول: لا مش عايزة أدخل لو دخلت ماما هتموتني وهتخلي الدكتورة الوحشة دي تعذبني.
مال حازم عليها ثم قال: متخافيش يا ريم محدش هياخدك مننا ولا حتى مامتك.
_بجد يا حازم؟
=اه بجد، وعشان تكوني مطمنة تعالي.
حملها حازم على ذراعيه ودخل بها.
دلفوا إلى هذا المكان العجيب، وبمجرد ما وطأت أقدامهم، ظهرت أمامهم إمرأة وجهها لا يُبشر بالخير أبدًا، صرخت بوجههم قائلة: ريم!! روحتي فين يا بت انتي من غير ما تقوليلي، ومين دول، تعالي هنا.
مدت يدها تُحاول أن تأخذ الصغيرة من يد "حازم"؛ فـرأتها "مـي" خائفة تتشبث بـ"حازم" بقوة، فوقفت أمام حازم والصغيرة تقول بتحدي: مش هتاخديها.
=ومين بقى اللي هيمنعني يا ادلعدي.
_أنا اللي همنعك.
=دي بنتي وأنا ممكن أرفع عليكي قضية.
ضحكت "مـي" باستفزاز ثم نظرت لها بشر قائلة: ما هو البوليس هييجي بس عشان ياخدك أنتِ وأمثالك، أنتِ مش خايفة وأنتِ بتعملي في بنتك جريمة ممكن تموتها؟، باباها موافق على اللي انتي بتعمليه دا؟.
=والله يا حبيبتي أنا حرة أعمل في بنتي اللي أنا عايزاه.
_دا لما تبقى سايبة، ومفيهاش قانون تبقي تعملي اللي انتي عايزاه.
=بقولك اي يا ست انتي هاتي البت انا مش فاضية لمحاضراتك.
_هديهالك بس لو هي عايزة تيجي معاكِ.
وقفت "مـي" بجانب "حازم"، تسأل "ريم": ريم عايزة تروحي مع ماما؟
أجابت الصغيرة وهي على وضعها وتزيد من قبضة يدها على حازم: لا يا مـي لا، ماما هتوديني للدكتورة الوحشة.
نظرت لتلك القاسية تقول: بنتك خايفة منك وأنتِ مش خايفة عليها حتى.
بينما تتحدث "مـي" مع هذه المرأة، كان حازم يتفحص المكان بعينيه، وجد الكثير من الفتيات الصغيرات، منهن من تبكي ومنهن من تحاول الهرب، ومنهن من تجلس صامتة، والمؤلم حقًا أن أمهاتهن بجانبهن، كيف لكل أولئك أن يكن بهذا الجهل.
قطع كل هذا صرخة مدوية من فتاة صغيرة، من داخل الغرفة، ألزمت الجميع الصمت، وبدأت كل الفتيات في البكاء.
أما "مـي" فكانت في حالة من الذهول والخوف في آن واحد، و"حازم" مصدوم، كيف لتلك المتوحشة أن تفعل هذا في الفتيات دون أن يرف لها جفن؟ وكيف ستخاف إذ بأمهاتهن لا يسألن، هن فقط يقولن: سمعًا وطاعة.

"لم يعد قلبـي سجيـنًا"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن