"الجـرح الـنـازف"

177 10 7
                                    

قد بات الجرح ينزف، قد بات الألم قائم، لن يكّن ولن يسكن، لم يكن مجرد صفعة تُعلمنا بها الحياة درس جديد، كان جرح عميق قد لا يكفِ الزمن لـيلتئم!
بداية ليـل لا نعلم متى سيحل نوره، وكيف سيزول، وهل سيزول حقًا أم أنه باقِ؟ لنترك تلك الأسئلة للزمن هو أحق من يُجب عليها.

_ يقتل مين يا هانم أنا ابن مسعود!!
لم تكن مجرد كلمة مرّت كانت سنوات وعثرات، كان ماضي جريح، ذكريات تميت الروح في كل مرة يتذكرها، ومن فعل كل هذا؟ أخته الصغرى!!
أما "مـي" فكانت مثل الذي سُكب عليه دلو من الماء البارد في الشتاء القارص.
أغلق الخط، وألقى الهاتف بعيدًا وعلى غير توقع نزلت صفعة "حازم" تدوي وجه آيـة، لتقع على الأرض مع صوته المرتفع يردف: ابن مسعود يا آيـة؟؟ ملقتيش غير ابن مسعود؟ فاكرة عمل اي في أمك ولا أفكرك؟ روحتي سلمتيه نفسك بإيدك؟ وأنتِ بتعملي كده مفتكرتيش بابا؟ مشفتيش ماما واللي حصل فيها؟ مفكرتيش لثواني في أخوكِ اللي عمل كل ده عشانك؟ طب مش فاكرة لما سافرت واتمرمطت مش فاكرة أي حاجة؟؟؟ أنتِ لا يمكن تكونِ أختي، أنا أختي متكسرنيش الكسرة دي.
في جملته الأخيرة لم يكن غاضب فقط، كان صوته محترق ببكاء عنيف، مليء بالضعف والخزي.
و"مـي" تتمسك بذراعه حتى لا يصفع "آيـة" مرة أخرى، أما "آيـة" ملقاة على الأرض أمامه، وثلاثتهم يبكون.
خرج "حازم" من الشرفة إلى الغرفة، يده على وجهه يمسح دموعه، يردد: هعمل ايه؟ هعمل ايه؟
أحرقه الغضب فـكسر كل شيء كان بالغرفة، مع صوته المرتفع: هعمل اي؟؟؟؟
عاد إلى الشرفة، أمسكها من شعرها يجرها على الأرض جرًا، يخرج بها من الغرفة.
"مـي" بذعر: حازم! حازم لأ يا حازم لأ، بالله عليك سيبها.
قال غاضبًا: مش هسيبها إلا أما تقولي الحقيقة كلها ومين فيهم اللي عمل العملة السوده دي.
_ طب سيبها وهي هتحكيلك والله، عشان خاطري يا حازم، كده غلط عليها.
صعد بها درجات السلم وهو ممسكها بنفس الوضع.
أردفت "آيـة": أبوس إيدك يا حازم بالراحة، سيبني وأنا هطلع معاك، بطني بتوجعني يا حازم، آه.
_ ايه! خايفة عليه؟ ما هو قالك نزليه عايزاه في اي بقى؟
"مـي" باكية: بالراحة عشان خاطري.
_ دي مينفعش معاها بالراحة دي تستاهل الدبح.
وصلوا أمام ذاك الباب الصغير، وأوقفها يمسك ذراعها بقوة، وينزل بها، ألقاها أمام تلك الصور الصغيرة قائلًا: اي الصور دي مش بتفكرك بحاجة؟! بأمك اللي فقدت النطق مثلًا، أبوكِ اللي مات مقهور عليها، آه صح بتفكرك بحبيب القلب، هو أنتِ مقتنعة بكلامه مثلًا اللي هو هتجوزك وكده ؟؟؟ تؤتؤتؤ دي خطة مدروسة ومحبوكة.
بدأ بالتصفيق بيديه وهو يقول: بس براڤو عليهم، عرفوا ينفذوا خطتهم بالظبط، ووقعتي في الفخ بكل سهولة، براڤو يا آيـة، بصي كده للصور بقى وقوليلي مين فيهم؟ أحمد ولا صابر؟
لم ترد عليه، هي فقط تنظر له بأعين خائفة.
ارتفع صوته جعل كل ذرة بهما ترتجف: انطقي بقولك!
خافت كثيرًا ثم أشارت لصورة صابر.
قد توقع هذا هو يعرفهم جيدًا، لكنها ذهبت للأسوء، ذهبت للجحيم وظنته جنة.
_ صابر يا آيـة؟! روحتي لجهنم برجلك؟! عرفتيه ازاي؟ حبتيه ازاي؟ كنتو بتتقابلوا فين؟ واشمعنا صابر؟ يعني من وسط شباب الدنيا تروحي لصابر مسعود؟
أحسنتي الاختيار يا أختي، يا اللي المفروض أختي، براڤو عليكِ، سبتيهم يكسروا ضهر أخوكِ عن طريقك، لا ومش كده وبس ده أنتِ رحبتي جداا بالفكرة، وكنتي الأداة بتاعتهم، عايزين يشوفوا حازم الصقر مكسور وأنتِ ادتيهم المفتاح، براڤو يا آيـة!
كل تلك الكلمات كانت مدوية بصوت محترق من البكاء، مصحوبة بخذلان وعدم وعي، كأن قلبه الذي يتحدث ليس لسانه.
أغلق عينيه يبكي بقلة حيلة، ثم أردف غاضبًا وهو يكسر الأشياء حوله: لي؟؟ لي يا آيـة؟؟ لي لما الدنيا تكسرني تكوني أنتِ الأداة؟؟؟ لي؟؟
"مـي" تبكي مشفقة على حالته، تريد أن تجعله يهدأ، ولكن كيف؟
ذهبت إليه أوقفته وأمسكت وجهه بين يدها تقول بهدوء من بين دموعها: حازم كل حاجة هتتصلح والله كل حاجة هتتصلح، ربنا هيصلح كل حاجة وهترجع زي ما كانت.
أردف بصوته المحترق من البكاء: مفيش حاجة هتتصلح يا مي، مفيش حاجه أصلًا ينفع تتصلح، عمر الكسر اللي جوايا ما هيطيب.
أخذت رأسه بين أحضانها تربت عليها، تردد في قلبها: يارب! يارب!
بعض مرور بعض الوقت، و"حازم" يبكي بكاء الضعيف الذي خُذل من أقرب ما له، البريء الذي طُعن بلا شفقة وكانت صغيرته الطاعنة، و "مـي" تربت على رأسه كم تريد أن تربت على قلبه بدلًا من رأسه! تبكي هي الأخرى بصمت لا تريده أن يستمع إلى بكائها، أما " آيـة" فهي في آخر الغرفة جالسة تضم ركبتيها إلى صدرها تنظر لأخيها بكسر، نعم هي سبب هذا الألم، كانت تعلم أن هذا سوف يحدث لكنها لم تكترث له، وقد حان وقت العذاب.
خرج حازم من أحضان "مـي" يمسح دموعه بعنف، لتمسح هي الأخرى دموعها.
نظر لتلك الجالسة ثم أردف: أنا نازل يا مـي أشوف حل في المصيبة دي، خلي بالك منها على ما أرجع واوعي تخرج من البيت.
أردفت هي: حاضر.
خرج هو فتذكرت شيء، وصعدت خلفه تنادي عليه: حازم! حازم!
وقف على أمام ذلك الباب الرصاصي يردف: نعم يا مـي!
= متخرجش كده روح اغسل وشك كويس، والبس نضارتك، وظبط نفسك، واوعى يا حازم يبان عليك حاجة، اوعى حد يعصبك لسانك يفلت، خليك فاكر إن دي سمعة أختك أوعى تغلط، ومتحكيش لحد حاجة تمام؟
ابتسم بوهن ثم قال: شكرًا يا مـي! شكرًا بجد.
ابتسمت هي الأخرى تقول له: يلا روح أنت، أنا معاها.
أومأ برأسه موافقًا ثم ذهب.
______________________________________________________

"لم يعد قلبـي سجيـنًا"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن