"حصن آمن"

191 11 10
                                    

_ ايـه! حصل ازاي ده؟؟!!!!!!
أجابها "محمود" قائلًا: اهدي اهدي يا مـي، هي معايا متخافيش أنا بس بقولك عشان متروحيش البيت على الفاضي.
= خوفتني يا محمود، وانتو سبتوا البيت لي؟
_ منار مش عايزة تقابل العريس؛ فأنا خدتها ونزلت.
= طب كويس اوي، انتو فين؟
أعطاها "محمود" عنوان الكافيه الذي يجلسون به، وأغلقت معه.
سأل حازم: اي في اي؟
_ مفيش منار سابت البيت، محمود كان بيقولي بس.
= أقل حاجة تعملها، ودلوقتي هتتقابلوا فين؟
_ هو قالي على كافيه على طريقنا هقابلهم هناك.
= هتقابليهم؟
_ اه منار ومحمود.
= هتقعدي مع محمود عادي كده؟
ضحكت بخفة ثم قالت: محمود في تانية ثانوي.
ضحك هو الآخر لكن بشدة قائلًا: تانية ثانوى؟ اللي بيدبر ويخطط ويعمل كل ده في تانية ثانوي؟
_ أيوا والله.
بعد قليل من الوقت أشارت "مـي" لـ"حازم" أن يتوقف أمام كافيه على الطريق؛ فتوقف، التفتت هي له تُخبره: هنزل هنا، تقدر تمشي أنت تروح شغلك، وأنا هخلص وأروح لماما.
= لا لا هستناكِ هنا وأوصلك.
_ مش عايزة أعملك مشاكل لو حد شافنا.
= مفيش مشاكل ولا حاجه يلا روحي زمان صاحبتك مستنية.
_ ماشي.
نزلت من السيارة ثم مرت من الطريق إلى صديقتها، كانت جالسة في مقدمة المقهى تبكي لا تصدق أنها اضطرت إلى ترك بيتها، وأخذت كل ما يخصها ورحلت.
رأت "مـي" تقترب منها وقفت سريعًا تُلقِ بنفسها داخل أحضانها تنهمر في البُكاء، مع صوت شهقاتها المدوي، و"مـي" تُربت على رأسها قائلة: بس يا روحي بس خلاص أنا معاكي اهدي.
_ أنا تعبانة أوي يا مـي! خلتني أتمنى الموت!
= بس بس بعد الشر عنك، اهدي.
جلست "منار" على كرسيها تضع يدها على وجهها؛ لتخبئ بكائها، وجانبها "مـي" تأخذها بين ذراعيها تربت على ظهرها، تود لو تستطيع أن تربت على قلبها بدلًا منه.
= خلاص يا نورا خلاص يا حبيبتي، كفاية بطلي عياط.
لم يستطع أحد إيقافها، كانت مثل الدلو الذي امتلأ لآخره ولم يعد يسع أكثر فقرر سكب ما به.
حاول "محمود" أن يقول لها بعض الكلمات لتهدأ؛ لكن أوقفته "مـي" وتركتها تبكي لتُخرج كل ما بصدرها.
كان يجلس في السيارة يراقب كل ما يحدث، كيف أنها بالفعل لديها سحر داخل هاتين الذراعين عندما تحتضن أحد وكأن الهموم تزهق عند رؤياها، كيف مرّ كل هذا الوقت ولم يأتِ لخاطره أن لديه جوهرة حية، ابتسم بحب قد تذكر لتوه أنها زوجته حقًا له هو فقط، طبيبة لم تدرس الطب، دواء دون كيمياء.

بعد قليل من الوقت هدأت "منار"؛ فخرجت من أحضان "مـي" تمسح دموعها بكلتا يديها.
أردفت "مـي": بقيتي أحسن؟
_ مش هكون أحسن غير وانا راكبة الطيارة.
هاتف "محمود" أعلن عن اتصال، أمسكه ليجد والده، نظر إلى "منار" يقول: بـابـا!
أخذت الهاتف من يديه بعنف فتحت الخط تُردف غاضبة: مش هاجي يا بابا، مش هيشوفني ولا عشانها ولا عشان اي حد خلاص طفح الكيل، مبقتش عارفه اعملها اي عشان اقولها مش قادرة انساه مش قادره مش بإيدي، عايش جوايا أعمل اي؟ هي مش عايزة تفهم حتى، بس براحتها، بس أنا مش داخلة البيت ده تاني.
صدح صوت والدتها غاضبة: والله لو ما كُنتي قدامي كمان نص ساعة ما فيه سفر، وهتتجوزيه غصب عنك.
_ أنا آسفة يا بابا مش هاجي، أظن أنا كلامي واضح، هستناك في المطار قبل ميعاد الطيارة، وإلا همشي ومحدش هيعرف لي طريق.
قبل أن يتحدث أحدهم أغلقت الخط دون انتظار إجابة، تنظر بغضب أمامها.
أردفت "مـي": صح كده، متعمليش حاجة غصب عنك، ولو هي مش قادره تفهم بالحُسنى فهي اللي اختارت.
أجابت "منار": أنا تعبت من كتر ما فهمتها إني بحبه، تعبت من كتر ما قولت لها كفاية، تعبت من عمايلها فيا، دي اكيد مش مامتي، مفيش أم بتعمل في بنتها كده، ماشي انا عارفه إني غلطانة ومكنش ينفع أحضنه بس العقاب ده كتير اوي عليا، وهي ما صدقت تمسك لي غلطة، عشان تعرف تسود أيامي وضميرها مرتاح.
= خلاص متفكريش كل حاجة هتبقى كويسة، اول ما تسافري وتبدئي حياتك اللي بتحلمي بيها هتنسي كل ده، وهتبقي مشغولة بس تحققي حلمك.
نعم كانت تتألم وهي تقول هذا، إلى الآن لا تتخيل الحياة دونها، لا تعي أنها لن تراها مرة أخرى، ستذهب وبالطبع لن تعد إلى هنا، فلا يوجد عاقل يعود إلى منطقة الشوك بعد الهرب منها.
أردفت "منار" بألم صامت، لكنه ظاهر مع كل حرف تنطق به: أنسى؟ هو الألم ده ليه نسيان؟ إلا اي هو شعور الفرحة يا مـي؟ يعني الناس بتحس بإيه لما تكون فرحانة؟ تعرفي أنا واحشني اوي احساس الفرحة، مفتقداه، هي السبب سرقت أيامي وفرحتي بقالي ٢٠ سنة عايشة في عذاب، ويوم ما قلت هتجوز واعيش مع حبيبي جات هي وخطفت فرحة عيني بكل أريحية، بس تمام أنا مش هسمح لها تسرق اللي باقي من عمري، اللي جاي كله هيترسم بخط ايدي، ايدي أنا وبس مفيش مخلوق هيكتب فيه نقطة.
= أيوا كده يا منورة عايزاكي قوية ومتخافيش من حاجة، عشان القوي بيعملوا له ألف حساب، ومش عايزة أشوف دموعك تاني، قاومي وواجهي وخاطري واعملي كل اللي يناسبك أنتي وبس، شوفي هتبقى مبسوطة ازاي واعملي الحاجة دي من غير تفكير، أنتِ تعبتي كتير وعيطتي كتير وبقالنا سنين عايشين العذاب ده سوا، بس دلوقتي هنتفرق فـ آن الأوان بقى منار تقوى، وتشد حيلها.
نظرت إلى "مـي" تردف بدموع: أنا آسفة عارفة إنك زعلانة عشان همشي بس...
قاطعتها "مـي" قائلة: مش مهم المهم إنك تكوني بخير، وطالما بعدك من هنا هيكون كويس ليكي فـ أنا هساعدك تبعدي، لما تكوني مبسوطة أنا كمان هكون مبسوطة.
ضمتها "منار" إليها قائلة: هتوحشيني أوي.
= وأنتِ كمان يا نور عيني، بس متخافيش أنا معاكِ حتى لو كنتي بعيد عمر المسافات ما تبعدنا طول ما قلوبنا مع بعض.
أدمعت عيناها وهي تحتضن صديقتها، والأخرى تبكِ، تشدد على عناقها.
حمحم "محمود" يقول: أنا آسف ع المقاطعة بس لازم نمشي عشان نلحق نروح الفندق، نظبط الدنيا قبل السفر وبعدين تنزل المطار.
تساءلت "مـي": فندق اي، هتيجي هتقعد عندي لحد ميعاد الطيارة.
أجابتها "منار": معلش يا مـي، هي أكيد هتدور عليا وأول مكانه هتفكر فيه بيت مامتك.
= لأ بيتي أنا مش بيت ماما.
_ لأ لأ مش عايزة أعملك مشاكل مع حازم.
= مشاكل اي يا بنتي حازم برا.
تفاجأت "منار" تردف: برا ازاي يعني؟
= هو اللي جابني وواقف مستنيني.
_ لأ أكيد بتهزري.
= مش بهزر والله، يلا قومي.
_ معلش يا مـي خليني اروح الفندق، أساسا لسه قدامنا مشوار على ما نوصل الفندق، وكمان الڤيلا بعيد أوي، هي هي هنمشي نروح الفندق نستنى بابا كمان عايزة أنام شوية منمتش من امبارح، ولسه طريق السفر طويل.

"لم يعد قلبـي سجيـنًا"Where stories live. Discover now