الحلقة الأولى

768 20 11
                                    

عاد من مدرسته ضجرا ملللا كالعادة،خلع رابطة عنقه بعصبية و ارتمى على السرير ... كالعادة يستيقظ صباحاً.. يذهب للمدرسة...لا يفهم شيئا..يعود منهكا.. يستحم ويأكل الغداء لكي يتجهز لدرسه الخصوصي..ثم يذهب للتمرين..حياة مملة و كأنه روبوت..و ماذا أيضا؟ أصدقائه قليلون و هم يريحون أدمغتهم من المدرسة و لا يحضرون الا للامتحانات..كم هم محظوظون! ولكن هو! يالبؤسه! والدته لا تتركه يفعل أي شئ يحبه..لا غياب عن المدرسة..لا غياب عن التمرين ..لا طعام سريع...لا لا لا! إنه يكاد ينفجر غضبا وثم ماذا هي تقول إنه كبر و يجب أن يعتمد على نفسه ..و إذ بها تخطط لكل .شئ في حياته! سيجن وهذا أمر حتمي لا غبار عليه..و لكنها حجة جيدة لكي تتركه و تقضي وقتها مع صديقاتها ((الامهات المثاليات)) كما تصفهن! و إذن هو وحيد،والده ليل نهار في شركته الصغيرة و أخيه الأكبر ( نديم)- المفضل لدى والدته-سافر للدراسة و العمل في ألمانيا...ذلك الكتكوت الفصيح! لا يمل من إسداء النصائح..لا يمل من كونه مثاليا..وهو لا ينسى كلمة أخيه المشهورة كلما تمرد
" الحرية ليها تمن..هتقدر تدفعه؟" ولكنه لا يراه سوى مخادع خبيث و ما مثاليته الا قناع زائف لينال رضى والديه..أما الآن فما عساه يفعل وهو وحيد في المانيا؟! بالتأكيد لا ينام مبكرا وربما يصادق شبانا مستهترين..لماذا لا تسافر والدته لألمانيا لترى ابنها الكبير المدلل و تتركه ولو ليوم واحد ينام حتى منتصف الظهيرة؟!
خرج من أفكاره عندما رن هاتفه المحمول ليرد قائلا: آلو يا ماما؟
جآءه صوت والدته الحاد الرفيع: انت رجعت البيت يا ( نادي)؟
- ايوه يا ماما رجعت من عشر دقايق
- تمام يا حبيبي..البانيه و المكرونة في التلاجة سخنهم في المايكروويف...بس بعد ما تاخد دش..يلا باي..
- باي!
أغلقت الهاتف بسرعة ..وكأنها لا تنتظر أن يجيب أوامرها ..ابتسم ساخراً و ذهب ليحضر ملابسه للاستحمام
***
خرج ( نادي) من الحمام وقد ارتدى طقما منزليا جديدا و هو يدندن أغنيته المفضلة:
" يا ابيض يا اسود قصة حياتي و كل حكاياتي....مع اني مممم!"
توقف أمام المرآة ليمشط شعره...كان متوسط الطول.. قمحي البشرة..كستنائي الشعر..عيناه باللون البني الكاكاوي الفاتح...مع بنيه عضلية جيدة بالنسبة لفتى في السادسة عشرة من عمره بفضل السباحة و بعض التمارين..
رن هاتفه مجددا و هو يأكل ..رد وهو يمضغ المعكرونة بشكل همجي -لو رأته والدته هكذا لنهرته حتماً-: ايوه ايوه يا حماده أنا في البيت...مممم باكل...في حاجة؟.. الدرس؟ نص ساعة كده هتلاقيني معاكم...اه..سلام...
ذهب ليغسل اطباقه فهذه عادة عودته عليها والدته منذ أن كان في السادسة من عمره و ها هي تجني ثمار تعليمها بعد عشر سنوات!
***
في نفس العمارة السكنية في الطابق الأعلى...
سيدة في منتصف العقد الخامس ( تخرط) الملوخية..الطعام المفضل لكل أفراد عائلتها..حولها أطفالها يلعبون ويصرخون..نعم! لديها أطفال صغار! لنقل أنهم جاؤا متأخرين!
تسمع صوت والدهم الرجل الذي في العقد السادس من عمره وهو ينهرهم من غرفته قائلا: ايه الصوت ده؟ الواحد ميقدرش يرتاح في بيته يا عيال مشافتش تربية...يا ولاد ال....!
وبعض الشتائم اللازمة لمثل تلك المواقف،تتسع عينيها لتسكت اولادها:
اسكت منك ليه...مانتوا عارفين ابوكم خلقه ديق ولو مسكلكم الشبشب و لا العصاية مش هقدر احوشه عنكم.
يضحك اصغرهم بخبث طفولي ولكن بصوت خفيض!
تمسك والدته اذنه بطريقة درامية و هي تقول بإبتسامة تهديد:
- ايه مش عاجبك كلامي يا سي ( رامي)؟!
يقول بثقة ولامبالاة:
- لأ عاجبني ميعجبنيش ازاي؟
تضرب كف بكف..من علم هذا الصبي تلك السخرية؟
يقول الفتى الاكبرمنه بهدوء:
- تحبي اساعدك يا ماما؟
تمسكه و تقبله بفرح وتقول بسعادة:
- ابني حبيبي انت الوحيد اللي بتساعدني يا ( شادي) ..اتعلموا من اخوكم هادي وراسي كده...ده من ساعة ما اتولد ماشفش علقة!
يبتعد ( شادي) ببرود لا يناسب سنه ويمسح خفيه قبلة والدته!
رد توأم ( شادي) بشماتة:
- علشان انا بداري عليه..انما لو عرفتوا عمايله مش هيكفيكم فيه قطع رقبته...
رد ( رامي) بخبثه المعتاد:
- يا (شهاب) ..ده هو اللي بيداري عليك يا حبيبي بلاش افضح!
انهت والدتهم الجدل قائلة: طب بس لحسن انا اللي هقوملكم لو مسكتوش.
وقامت لتعد بقية الطعام و نادت:
- بت يا ( ولاء) تعالي طُشي الملوخية..
( ولاء) كانت في عالم آخر..كانت تربط شعرها بطريقة غريبة بعد ان رتدت الملابس التقليدية الصينية التي طلبتها من الانترنت ووضعت لمسات من اصابع الروج الشفافة المنتشرة في تلك البلاد...
كانت مهووسة بكل ما يمت بصلة بالصين!
ردت بخفوت:
- اه جايه..اظبط بس ال....
ولكن امها لم ترحمها و اردفت بغضب:
- يا بت بنده عليكي...عيب كده!
اردفت بتفاجؤ و كأنها تسمع الصوت للأول مرة:
- ايوه يا ماما مكنتش سامعاكي!
- بقولك روحي طُشي الملوخية..سمعتي دلوقتي؟!.. يلا
قالت بغيظ: حاضر!
تحركت بقامتها القصيرة و شعرها المهوش بملل للمطبخ لأنها تكره الاعمال المنزلية..وتفكر..اين ذلك الذي يدللها عندما يكون موجودا؟! لقد اشتاقت له بشدة!
اما ( رامي) فكان يضحك بشدة على مظهرها قائلا: الصينية جات يا ولاد!
ترد بحدة: اسكت يا ( رامي) يا متخلف بدل ما اقول لبابا على مين اللي كسّر نضارته الاسبوع اللي فات...
ابتلع ريقه برعب..تلك الفتاة تجيد تهديده جيدا..لا يستطيع السخرية منها بسهولة..
قال وهو يدعي البراءة:
- إيه بهزر..مالِك؟.. واخده على خاطرك اوي كده ليه؟
-طب روح صحي اخوك اللي نايم من الصبح ده..مش عارفة افوقه..
يبدوا انه شعر بالملل من الجلوس في الصالة ليقول: ماشي..
دخل لغرفته و قال بصوت جهوري:
-إصحى يا ( رأفت)...البوليس جاي يقبض عليك والمطافي جاية تطفي شعرك اللي اتحرق..والاسعاف جاية ت....
استيقظ منزعجا من المسرحية المكررة و هو يقول:
- بس بقى يا اخي...انا لو حصلي مصيبة يبقى انت السبب..بتفول عليا كل يوم يا فقري! شرطة ومطافي واسعاف!
(رامي) وهو يرتمي على السرير و يشده:
- بقولك اصحى...الجمهورية مقلوبة عليك!
- انت عيل في خامسة ابتدائي انت؟!
- ايوه يا اخويا سابق سني..مالك زعلان ليه؟ تكونش غيران منى؟!
امسكه ( رأفت) من ملابسه وقال:
- لو مطلعتش من الاوضة دلوقتى حالا...انا هسلمك للإصلاحية ..يمكن حالك يتعدل...
- لا انت فاكرني مليش ضهر في البلد دي ولا ايه ده انا اخويا ي...
- طب بس.. بس بلا اخوك بلا ابن عمك...
نظر له ( رامي) بخبث شخص يعرف سرا:
- بتكره سيرته إنت..صح؟ بكره يجي واقوله انك بتضربني و بتبهدلني علشان انا صغير وساعتها شوف هيحصلك ايه يا معلم..
رد بحدة: طب غور من وشي كده..
اخرج (رامي) لسانه له بسخرية وذهب مسرعا وهو يضحك
***
خرج ( نادي) من منزله كانت الساعة الثانية ظهرا تقريبا..رراى صديقيه المقربين ( محمد) او ( حمادة) و( مايكل) او ( مايك) والاسماء الاخيرة هي ما يناديهم بها غالبا اما( نادي) فقد اتفقوا ان اسمه بحد ذاته "دلع" ومثار للسخرية..
قال( محمد) بجدية: اتأخرت على فكرة
اما ( مايكل) فقال بسخريته المعهودة:
- مش عارف انا شاغل بالك بإيه انت يا ( نادي) ..مفيش اهم من العلام يا اخويا!
( نادي) بلامبالاة معتادة:
- خمس دقايق مأخرتش تقدم الكوكب يعني يا جدعان!
( محمد) مغيرا الحديث:شوفتوا الافلام الوثائقية اللي بتتعرض الايام دي؟ بيقولك فيه احفاد للملوك المصريين او حاجة زي كده ...محتفظين بالثقافة المصرية و العلوم وكده يعني..شوفت الفيلم على النت بصراحة كان مشوق...
( مايكل) بسخرية:
- يعني احنا مش محتفظين يعني بعاداتهم؟ اومال ايه شم النسيم و كحك العيد.. مش ده برضه شغل فرعوني و لا انا غلطان...
( نادي) بعدم تأكد:
- يمكن هما شايلين حاجات اكتر من دي...اسرار و كده يعني...
(مايكل):يعني هيقولولنا ازاي اتبنى الهرم الاكبر؟
( محمد) بإهتمام: ممكن جدا لو النظرية دي صح..بس هما فين؟ اكيد خايفين على نفسهم..ممكن اي حد يكون عايز يستخدم علومهم في الشر ولو كده يبقى اكيد مستخبيين..
( نادي) مفكرا: بس هيستخبوا فين؟ اكيد هما وسطينا بس مش قايلين عن اللي مخبيينه..
( محمد): انت صح..كلامك منطقي..
( مايكل): طب فضوها سيرة لحسن شبح اخناتون ولا رمسيس يطلعلنا..
ضحكوا جميعا على تعليقه و اكملوا طريقهم....
***
في الحلقات القادمة...
***
-خلاص زهقت وهعمل اللي انا عاوزه..!
***
-المرحلة الاولانية من التمهيد للخطة كملت..فاضل بس الاعلان...
***
-مش هسيبك تسافر تاني..كنت فين ده كله؟

الروح المصرية (الجيل الجديد من الفراعنة)Where stories live. Discover now