الحلقة التاسعة عشر

30 2 3
                                    

الساعة التاسعة صباحا...مستشفى خاص..الجيزة

صبحي كان يتجادل مع طبيب إبنته النفسي..يقسم أنه سيحضر تلك الجلسة والطبيب يؤكد له أن هذا لن يساعدها وأن لها خصوصيتها...جرى الحوار كالتالي:

-يا أستاذ صبحي المريض النفسي أكيد فيه حاجات ميقدرش يحكيها لأهله...ولا أهله يحبوا يعرفوها

قاطعه صبحي:
-اه..والناس الغريبة هي إللي تعرفها!

زفر الطبيب وقال بنفاد صبر:
-يعني حضرتك واخد على الكلام معاها؟..تقدر تفضفض معاك براحتها؟ قريب منها؟ لو كده يبقى حضرتك هتكون جزء من علاجها..

صمت صبحي تماما متذكرا علاقته مع إبنته..لا بل تذكر أنه لا يوجد علاقة من الأساس!

لم يجيب بل حمحم وتحدث:
-هحضر أول جلسة معاها وبعدين أعمل إللي عاوزه

هز الطبيب رأسه وقال:
-تمام..الجلسة بعد نص ساعة..

ذهب صبحي لغرفة سمر التي كانت شاحبة وهادئة على غير العادة....تنحنح وقال:
-عاملة إيه يا سمر؟

لم ترد كالعادة ولم تنظر ناحيته حتى...جلس على المقعد المجاور لها وقال بلهجة حاول أن تكون لطيفة:

-وبعدين يا سمر؟ ليكي كام مش بتتكلمي ومش بتاكلي؟ ينفع كده؟

أشار للمحاليل التي تغذيها ولجسدها الذي إزداد نحولا على نحوله...

حركت رأسها ناحيته بلامبالاة ونظرت نظرة فارغة..

إبتلع ريقه فسمر لا تنظر في العادة هكذا بل هي لا تنظر له من الأساس! دوما مطأطأة الرأس..خجولة..
هل الألم قد غيرها؟!

صمت للحظة يتأملها وكأنه أول مرة يراها..ملامحها جميلة رغم أنها متعبة...عيون رمادية واسعة تشبه عيني والدته..أنف وفم دقيقين..شعرها بدأ ينمو مجددا رغم قصره إلا أنه ناعم و جميل..تبدوا كزهرة خلابة....أهذه من كنت ستزفها لشندويللي!!!
يرى الآن قبح عمله...ويحمد الله أنه لم يستمر بحماقته...
قال بعد فترة صمت:
-جلستك مع الدكتور النفسي هتبدأ كمان شوية...

بدا التعجب عليها ولم تتكلم...لماذا يعاملها هكذا؟
هل يجب أن تقترب من الموت لتحظى بإهتمام والدها؟ ما هذا المنطق المريض!

جلس على سريرها وأمسك كفها الصغير قائلا بإهتزاز:
-سامحيني يا سمر...سامحيني يا بنتي..أنا عارف إني غلطت في حقك وإنك زعلانة مني...

كانت تنظر له بدهشة شديدة...والأكثر من ذلك أنها لمحت دموعا تلتمع في عينيه...قررت أنه يجب أن تقول شيئا فخرج صوتها مبحوحا:
-بابا...مسمحاك...متعملش في نفسك كده

تفاجئ أنها تكلمت أخيرا...وماذا! لقد سامحته!
بكلمة..بإعتذار...بهذه البساطة! أقلبها أبيض ونقي لهذه الدرجة! الان يدرك أنه أضاع أجمل اللحظات بإهماله لإبنته...إبنته التي إكتشف أنه يحبها أكثر مما يتصور...

الروح المصرية (الجيل الجديد من الفراعنة)Where stories live. Discover now