الحلقة التاسعة

30 2 0
                                    

"الان موعد هبوط الرحلة 911 الاتية من الخطوط البلجيكية"
كان الصوت الالي الانثوي يتردد عبر صالات المطار...في تلك اللحظة هبطت تلك الطائرة الخاصة..إستعد العمال لوضع سلالم الهبوط...فتحت أبواب الطائرة..ظهر عدة رجال منتفخي العضلات يرتدون أردية ونظارات سوداء..ويجرون اتصالات..ويتفحصون كل شبر حول الطائرة..انتهوا من تأمين المكان..ليظهر رجل طويل القامة،نحيل
..يرتدي معطفا أسود اللون ونظارة شمسية سوداء بيده حقيبة صغيرة.. شعره الفضي الناعم يتطاير من الهواء...
تنتظره سيارة ليموزين سوداء ضخمة خلفها أخرى نيسان..يتوجه إلي الليموزين بخطوات واسعة و بطيئة محاطا بمسافة بالحرس الشخصي...يفتح أحدهم له باب السيارة..لينطلق به السائق نحو وجهته
                       ***
تحدث السائق بإحترام شديد:
-مصر الجديدة يا فندم؟
هو كان يعرف لكنه سأل تأكدا  فلا مجال لأي خطأ..
جاءه صوت حاد بنبرةممطوطة مجيبا بإختصار:
-أيوة..
-تمام يا فندم...
خلع نظارته السوداء..وفتح هاتفه المحمول وأجرى مكالمة...
-آلو يا (يسري)...أيوة أنا..
-وصلت دلوقتي..إيه الأخبار؟
-إعمل حسابك على إجتماع إنهاردة..
-سلام
أغلق الهاتف..وفي رأسه الكثير من الافكار...
                        ***
وصل موكب السيارات أمام تلك الڤيلا الضخمة..نفس إجراءات التأمين...وإتصالات اللاسلكي..فتحت البوابة الضخمة..لتدخل الليموزين ثم النيسان..وليخرج ذلك الرجل صاحب المعطف الأسود من سيارته..ويصعد سلم ڤيلته..
لقد عاد أخيرا لوطنه....
ولكنه عاد شخصا آخر.....
                        ***
في إحدى قرى الجيزة..في منزل (صبحي عبد الجليل)...
ها قد تحدد موعد زفاف (سمر)...الشئ
الذي ينتظره جميع من في المنزل ماعدا واحدة هي صاحبة المناسبة..(سمر)...
وحيدة في غرفتها..تتسأل كيف يمكن أن يقرر شخصا ما مصيرك بدون الالتفات لمشاعرك...نعم سيزوجونها ذلك المدعو..(شندويللي المعداوي)..رجل في عمر والدها..لا تعرفه ولا يعرفها..ثم ما هو الزواج أصلا؟
إن والداها متزوجان لكنهما يتعاملان كالمطلقين..انها لا تعرف ما هو الوئام و ما هو الحب و ما هي السعادة! من سيحضر زفافها؟ لا أصدقاء ولا أقرباء تحبهم...(ولاء) إبنةعمها قابلتها بأسوأ ما يمكن ...لا تحب أحدا من هذه العائلة سوى رامي وشهاب كانا لطيفين معها ...ولأول مرة يرسم أحد ما البسمة على وجهها...
إن أغرب شئ أن زوجات شندويللي الثلاثة مدعوات!
لن تصبح سوى رقم بين زوجاته و ربما سيطلقها بعد مدة قصيرة...إنها مرتعبة من فكرة أنها ستعيش مع شخص لا تعرفه...إنها تتوقع القسوة..و التطاول وأكثر من ذلك!
ستعيش مهانة بالتأكيد..زوجاته لن يتركنها لحالها..لماذا يفعل بها والدها هكذا؟ لقد بدأت تشعر في الاونة الاخيرة أنه ودود معها...لماذا؟ ألا يحمل في قلبه لها أي معزة لها أو خوف عليها؟ نعم هي تعيش في قرية لكن القرية تغيرت...كل جيرانها من الفتيات يعشن بحرية وبكرامة...فجاراتها اللاتي في نفس عمرها تقريبا يدرسن ويعملن...
(جيهان)..مهندسة الكمبيوتر..
(نهى)..طالبة كلية طب..
(أميرة)...ضابط في شرطة المعلومات...
لكن هي لم تحمل أي قسط من التعليم...ولولا (سليم) لما عرفت القراءة والكتابة..لذا كانت حجتهم في زواجها أنها لا تدرس وأنها كبرت بما فيه الكفاية للزواج ولما لم يتقدم لخطبتها أي شاب من قريتهم حتى أولئك الذين لم يتلقوا تعليما...
قدموها كالذبيحة لذلك الرجل القذر..
عند هذه النقطة أجهشت ببكاء شديد يحمل المرارة و الحزن و تمتمت من بين شهقاتها:
-حرام...و الله العظيم حرام...
                         ***
في نفس المنزل في غرفة والدها...كان (صبحي) يتحدث مع (إحسان)...كان (صبحي) يتحدث ويقول:
-أهو كلها ست شهور..وتروح بيت جوزها
-تلاقيها شغالة عياط العبيطة..دي هتعيش برنسيسة..
شعر (صبحي) بقلبه ينقبض..ضميره يوخذه..لا شك بهذا..يشعر أنه يظلم إبنته...لكنه يريد لها الأصلح..يعلم إنها لن تتزوج..هي بشكل أو باخر غير مقبولة...لايعرف لماذا...توقف هنا وقال لزوجته بحدة:
-طب تبقي تزوقيها..و تحضريها
-طبعا انت لسه هتقولي..المهم إنت رايح على فين دلوقتي..؟
-في أي داهية
-مالك يا أخويا..ما انت لسه كنت كويس..؟
-بس..بس يا (إحسان)..
حلي عني دلوقتي...
خرج من الغرفة فتمتمت بكره:
-داهية لما تاخد باقي أجلك!
                        ***
ذهبت لغرفة إبنتها سمعتها وهي تبكي بهيستيرية..فتحت باب الغرفة وقالت:
-بتبكي ليه يا عبيطة؟ ده راجل تتمناه كل الستات..مال و جاه..هيعيشك أحسن عيشة...
لم يزيدها كلام والدتها إلا إنهيارا وبكاء
قالت بحدةو بأعين يقطر منها الشك:
-مالك يا بت؟ تكونيش عملالك عملة؟
صرخت (سمر):
-عملة ايه؟ سيبيني في حالي..
اتسعت عينا (إحسان) وشدت شعرها بقوة وقالت بقسوة بالغة:
-لا..عوج وقلة أدب مش عاوزة..اتكلمي عدل أحسن أعدلك..أديني بقولك أهو..
لم تجب فقط شهقات الالم والبكاء هي جوابها الوحيد...
نظرت لها (إحسان) بإزدراء..وقالت:
- طب ياختي..قومي شوفي هدومك إللي إشترتهالك..ياكش تتعدل خلقتك دي..
لم تجب ولم تتحرك من مكانها..فأغلقت والدتها الباب بعنف وذهبت وهي تلعنها وتلعن زوجها وتلعن جميع البشر...
                       ***
في صباح اليوم التالي...
إستيقظت (سمر) و أكتشفت أنها نامت وهي تبكي على أرضية غرفتها....
ليست حزينة اليوم..لكنها تشعر بإنقباض شديد..كالعادة قامت لمساعدة والدتها في الاعمال المنزلية...لم تأكل فطورها تقريبا إلا بضعة لقيمات لكي لا تلفت الانتباه..
صامتة طوال اليوم الى أن ناداها والدها لتحادث سليم...أخذت الهاتف و أبتعدت عن غرفة والدها...جاءها صوت (سليم) يقول بمرح:
-وحشتيني يا (سمر)
ردت ببهجة:
-وانت كمان يا (سليم) انت إمتى جاي؟
-على كتب كتابك
عبست فجاءة وازداد قلبها إنقباضا وقالت بصوت باكي:
-إنت عارف هيجوزوني مين؟
رد آسفا:
-أيوة يا (سمر)..أنا حاولت أقنع بابا ان ده غلط وانه لازم ياخد رأيك...بس مفيش فايدة...
رددت بهيستيرية:
-أرجوك..أرجوك يا (سليم) خدني معاك..أنا مش حاسة بالأمان هنا..
-مقدرش يا (سمر)...مقدرش...اي خطوة زي كدة هتخسرني بابا وماما..
ردت بعدم تصديق:
-و أنا تخسرني عادي يا (سليم)؟
-الموضوع مش كده والله..بس أنا عملت اللي أقدر عليه..
صمتت تماما..يناديها..
- آلو ...(سمر) انتي سمعاني؟
لم تجيب..فقط توجهت نحو غرفة والدها وأعطته الهاتف كانت تتهاوى..والدها رمقها بعدم فهم..سمع صوت (سليم) على الهاتف ينادي:
-سمر..آلو!
-أيوة يا سليم...اه باين عليها تعبانة..
                       ***
تشعر أن الارض تدور بها..لا منقذ لها من ما هي فيه...صوت والدتها يقول:
-سمر فيه ضيوف...جيراننا جايين يبركولك
رددت و قد تلونت شفتاها باللون الازرق:
-تعبانة
عقدت والدتها حاجبيها بإنزعاج وقالت:
-اكيد شوية برد يلا البنات مستنينك
دخلت غرفة الصالون ومازالت تتهاوى..هذه (جيهان)وهذه (نهى) وهذه (أميرة)...وقفت جيهان وكانت فتاة جميلة وقالت بإبتسامة:
-الف مبروك يا (سمر)
تمتمت وهي تقول:
-شكرا..
(أميرة) أضافت:
-جبنالك شوية هدايا..يا رب يعجبوكي...
حاولت الابتسام لم تستطع...
(نهى)تمتمت بسخرية في أذن (جيهان):
-مالها..مش على بعضها ليه؟
-مش عارفة يمكن متوترة
الاغبياء! لقد سمعتهم ماذا يظنون؟ انها فقدت السمع؟
اتت والدتها بالعصير لهن وقالت بإصطناع كعادتها:
-جيتكوا دي على راسي..عقبال عندكوا
يتمتمون بكلمات مجاملة ردا عليها...
بينما سمر في عالم آخر...
شعرت احداهن أنه يجب المغادرة فهذا ليس استقبالا!
وقالت :
-طيب إحنا نمشي دلوقتي..اتأخرنا على ميعاد مهم
تنظر لها زميلاتها..فتأخذ حقيبتها وتمشي..يتبعانها..ومازالت (سمر) متصلبة لا تتحرك...
لقد تعرضت توا للخذلان...
ويبدوا أن هذا اليوم لن يمحى من ذاكرتها..
                        ***
تطلب منها والدتها أن تصعد للسطح لكي تأتي بأحد الطيور التي يربونها على سطح منزلهم...تذهب لتفعل..لكنها فجأة تدرك أنها في مكان وحدها يلفحها الهواء..كيف ل(سليم) ألا يساعدها؟ لم تتوقع منه ذلك..
ليست مهمة عند أي أحد..تذكرت طفولتها فجأة.... كانت عنيدة ...
كانت تسأل كثيرا لماذا (سليم) هو من يذهب للمدرسة و هي لا...أجابوها مرارا وتكرارا أنها فتاة..لم تقتنع بالاجابة..فتسأل مرة بعد الاخرى وتبكي بحرقة كلما رأت (سليم) يذهب للمدرسة في الصباح الباكر..لكنهم كانوا في غاية العنف..والدها قال ذات مرة أنه يجب أن تكسر الفتاة لتصبح مطيعة!
هذا ما فعله بالضبط وهذا ماتفننت به والدتها...من بقي لها..لا أحد..من يهتم بوجودها من عدمه..لا أحد...اذن لماذا تعيش الى الان؟
كانت في غاية الانهيار وكانت دموعها تهطل كالشلال..كانت تقول:
-ليه بيعملوا كده فيا؟
ليه؟ أنا عملتلهم إيه؟
تبكي بحرقة وبألم حقيقي...قلبها يحترق من الداخل...قالت وسط شهقاتها:
-يا ربي أنا عايزة اموت...
انفجرت أكثر وتحول بكائها الى صريخ...
تشعر بالدوار...ترى ما تريد فعله...تشعر أنها على وشك السقوط في غيبوبةمن كثرة البكاء...نعم هذا ما ستفعله..نظرت من أعلى السطح وفجأة.........
رمت بنفسها من أعلى............
ليسمع صوت دوي إرتطام........
دماءها في كل مكان........
جسد محطم..........
جثة هامدة......
                        ***
يتبع.........

الروح المصرية (الجيل الجديد من الفراعنة)Where stories live. Discover now