الحلقة الثالثة

67 6 1
                                    

كان يمشي في الممر المؤدي لمكتب رئيسه بقامته الطويلة ومشيته العسكرية الواثقة..
طرق الباب و سمع الاذن بالدخول..دلف للحجرة و أدى التحية العسكرية طلب منه رئيسه الجلوس فجلس بهدوء...نظر له وابتسم وقال:
-دي أنجح مهمة أسندتها لحد..توصلك للجاسوس إنجاز كبير يا(حافظ) رغم إنه مش مهمتك أصلا...بس كان عامل حاسم في نجاح المهمة..ونجاح مهمات تانية كانت معتمدة على كشفه...
قال (حافظ) بثبات:
-كل حاجة في صالح المهمة من واجبي يا فندم
رد رئيسه:
-ده اللي انا متوقعه منك...عموما انت اكيد عارف ان موضوع الجواسيس و الجاسوسية شغل المخابرات الحربية و المخابرات العامة و من ساعة ما القادة هناك عرفوا اللي عملته و هم بيكلموني علشان اوافق على نقلك هناك... احنا شايفين ان خدمتك في المخابرات مناسبة لإمكانياتك الكبيرة...
رد (حافظ) بنفس الثبات وكأنه لم يسمع مديح رئيسه للتو:
-أنا في الخدمة يا فندم أيا كان المكان...
-تمام..يبقى استعد...هتتنقل للمخابرات الحربية و هتكون ضمن فرق الاستطلاع الخاصة..
-تمام يا فندم..
ابتسم مديره بود وقال:
-يلا مش عايز أأخرك عن اجازتك..اتفضل..
نهض (حافظ) بهدوء و أدى التحية العسكرية و غادر المكتب...
                        ***
كان منزل (كمال عبد الجليل) في ترقب للقادم..كل شئ تم تحضيره..تم تنظيف المنزل بأكمله..و تلميع الاثاث و المرايا..و تنظيم الغرف..و تم طهي الطعام ..بقي شئ واحد وهو وصول ذلك الذي ينتظرونه..كان (رامي) يعبث بهاتف (ولاء) عندما اقترب منه (شهاب) وقال:
-ايه يا عم اللي امك عاملاه فينا ده..ده ولا (عزت) ابن طنط (عديلة)...
ابتسم (رامي) وهو يكاد ينفجر من الضحك...وهو يتذكر (عزت) هذا..بشعره المقسوم من جانبه و المسرح بعناية ب(الفازلين) وملابسه موحدة اللون و مشيته المتخشبة..رد بهمس ضاحك:
-يخربيتك..ملقتش غير عزت ده اللي تفكرني بيه...
-يلا والله انا مش مستحمل المهزلة دي غير علشان امك الغلبانة...
كتم (رامي) ضحكته في حين جاء (شادي) ليجلس بجانبهم ويستمع لحوارهم بإستمتاع..
اما (ولاء) فكانت في غرفتها تصفف شعرها و تدندن اغنية كورية!ولكن سرعان ما خرجت للصالة لإنتظار أخيها...(رأفت) استيقظ توا من النوم و يبدوا عليه الانزعاج...كان ينفخ بغيظ وهو يقول:
-معقول؟! كل دي تحضيرات...ده ولا كأنه عريس هنزفه!
ضحك (شهاب) و(رامي) فهما يفهمان ما به جيدا!
توقفوا عن الكلام عندما سمعوا المفاتيح وهي تدور في الباب ..ليفتح ويظهر شقيقهم بقامتهم الطويلة والذي ما ان رآهم حتى ابتسم قائلا:كلكم مستنيني يعني؟...وحشتوني اوي...
جروا بسرعة نحوه و هم يصرخون من السعادة ماعدا (رأفت)...تعلق (رامي) بعنقه وهو يقول بحماسة:وحشتني اوي يا (حافظ)
ضحك (حافظ) وقال: وانت اكتر يا (رامي)
اما (ولاء) فأبعدت (رامي) قائلة: ابعد بقى يا اخي خليني اسلم عليه!
ارتمت في حضن اخيها وقالت:
-حبيبي يا (حافظ) متعرفش وحشتني ازاي
ابتسم لها وقال:
-ده انت اللي حبيبتي يا (ولاء)...وايه اللي عملاه في نفسك ده؟
اشار للملابس الصينية وتسريحة الشعر الغريبة!
ابتسمت بفخر و همست بأذنه: هبقى أرسيك على الموضوع بعدين
هز رأسه قائلا:ماشي!
اما (شهاب) فقال: وسع منك ليه..ازاي الباشا عامل ايه؟
هذا الشقي الصغير!
رد وهو يمسكه من اذنه: عملت ايه في غيابي..يا صايع انت؟
رد ضاحكا:ولا حاجة...هكون بعمل ايه يعني؟وبعدين البيت اللي مفيهوش صايع حقه ضايع..
ضحك (حافظ) بشدة.. (شهاب) هو الوحيد الذي يضحكه هكذا..
اما (شادي) فتقدم مادا يده بهدوء شديد وقال:البيت وحش من غيرك على فكرة..
سلم عليه بيده وقال بهدوء: شكرا يا شادي..
يعلم طبع (شادي) البارد جيدا هو لا يستطيع ان يعبر عن مشاعره كالباقين لذلك هو يعامله بما يريحه..
دخلت والدته الصالة واتسعت عينيها قائلة:(حافظ)!....
وقف (حافظ) واتجه نحو والدته بسرعة وقال: ازيك يا ماما عاملة ايه؟
امسكته من كتفه ونظرت في عينيه فدمعت عيناها وقالت:انا كويسة..انت عامل ايه يا حبيبي..وحشتني اوي يا (حافظ)..كل ده غياب برده؟
احتضنها وقبل رأسها وقال:
-انتي وحشتيني اكتر...متزعليش مني..
رفعت رأسها تتأمله بلهفة..كانت عيناه باللون الاسود... هادئتان ورزينتان..ووجهه طويل ونحيل الي حد ما..اما شعره كان مصفف بعناية بنفس لون عينيه مع بعض الشعيرات الفضية البسيطة لتناسب شخصا بلغ منتصف الثلاثين مع جبهة عريضة وانف مستقيم...كان وسيما في المجمل ...قالت بألم وحنين:أنا مش هسيبك تسافر تاني..انت كنت فين ده كله؟
رد بهدوء:معلش يا ماما...المهمات كترت اوي..ولازم كل شوية أسافر..
ثم اردف مبتسما:بس انا خدت شهر اجازة..شهر كامل هقعدلكوا في البيت لحد ما تزهقوا مني..
ردت بحب: وهو احنا نزهق منك برده..ده احنا ما بنصدق وجودك وسطينا..
ثم اردفت بعتاب للاطفال:برده كدة تستقبلوا حافظ الاول ومتندهونيش؟ والتليفزيون عالي..ولا انا سامعة حاجة!
ردت (ولاء):معلش...اديكي خدتيه مني ولسة مش هعرف اقعد معاه...هو ليه حبايب غيرك؟!
ردت(مديحة):شايف..شايف يا (حافظ) البت الغلبوية أم نص لسان دي..محدش مطلع عيني قدها...
قال (حافظ) بابتسامة مرهقة:
-لأ يا (ولاء)...عند امي حبيبتي و هزعلك...انتي عارفاني..
ضحكوا جميعا..انتبهت (مديحة) الى ان رأفت ليس في الصالة و نادت: تعالى يا (رأفت) سلم على (حافظ)!
ثم تمتمت:الواد مش كان هنا من شوية!
رد (شادي) مبررا: اه ما هو كان تعبان..
قال (حافظ): سيبوه على راحته..
ثم اردف: اه صحيح فين بابا؟
ردت والدته:في اوضته كان مستنيك بس تعب من القعدة..ابقى ادخله سلم عليه بعد ما تاخد دش و تغير هدومك...
وقف و قال: تمام..هروح اجهز للغدا...
وذهب للحمام الذي -بالمناسبة- كان معدا و مجهزا بثيابه!
                        ***
جلس الجميع على مائدة الطعام..كان حافظ يتحدث مع والده عن شتى الامور..عن امور البيت وعن عمله و عن اشياء اخرى كثيرة...
كان والده يقول:انا عايز ازور عمك (صبحي)...لسة طالع من عيا و عايز اطمن عليه...
رد (حافظ) بجدية: بس حضرتك تعبان برده يا بابا..ياريت تأجل الزيارة لحد ما تتحسن...
-انا بقيت كويس..عايزك بعد كام يوم تودينا انا وامك واخواتك عند عمك...
-حاضر يا بابا اللي تشوفه...
كان يكره عائلة عمه (صبحي)و يشعر انهم غريبوا اطوار..ماعدا (سليم) ابن عمه فهو يحترمه ويتحدث معه في الهاتف من حين الى اخر..لكنه لم يحدثه منذ فترة لأنه سافر للدراسة بكندا...
جاء رأفت متأخرا لطاولة الطعام وقال: معلش مسلمتش عليك يا (حافظ)..اصلي كنت تعبان..
قال ذلك بعينين ناعستين و اسلوب لزج!
رد (حافظ) بهدوء:عادي..الف سلامة عليك يا (رأفت)...
اردف: ايه اخبار المدرسة و المذاكرة؟
(رأفت) بلامبالاة:كويسة...
هز رأسه متفهما.. حضر بقية اخوته..محدثين ضجيجهم المعتاد..جلست (ولاء) بجانبه وهمست: عملتلك زلابية صيني!
رد ضاحكا: انا عمري ما تصورت ان حبك للصين يوصل لكده..زلابيةصينية! وماما وافقت تقفي في المطبخ وتعمليها؟
ردت بفخر:طبعا وافقت..
- طيب اما نشوف عمايل ايديكي..
وصلت والدتهم بسلاطين الشربة وجلست توزع الطعام...بالطبع (حافظ) تعجب من كميات الطعام المهولة التي امامه فقال: ليه تعبتي نفسك وعملتي ده كله يا ماما؟
-بقولك ايه يا (حافظ)..انت هتاكل الاكل ده كله وانت ساكت..ده انت يا عيني عليك خاسس
و وشك مصفر و شكلك لا يسر عدو ولا حبيب ..
رد بتعجب: وشي مصفر!
-ايوه..انا امك وادرى بيك..يلا كل..
- تمام يا فندم!
اردف مبتسما: انا حاسس ان فيه لواء تاني في البيت يا جماعة..
ضحكوا جميعا...ثم قال (شهاب): حبيبي يا (حافظ) يا اخويا... ممكن طلب...
-اه طبعا ما هي الدخلة دي لازم يكون معاها طلب..
تحدث وكأنه جزء من عصابة:
- عايز متين جنيه كاش يتسلموا بكرة الصبح..و يتبدلوا بالبضاعة...
كتم انفاسه (شادي) وهمس:يا بني ابوك اقدامنا!
- يا عم مش واخد باله...
اما (حافظ): وعايز متين جنية ليه يا بتاع الكاش والبضاعة انت...؟
- يا عم اروق على نفسي..اشتري كاوتش..اعزم العيال اصحابي..كده يعني..
- كل ده بالميتين جنيه؟!
ضحك وقال بخبث: انت وكرمك بقى...
- مممم...مش مرتاحلك بس وماله...
- حبيبي يا ابو الحفافيظ..
امه بغضب: يا واد قلتلك مادلعهوش بالاسم ده...مش بيعجبنى...
ضحك و هو يكرر ما قاله بغناء: يا ابو الحفافيظ..ياابو الحفافيظ...
نظر له وهو يشرب الحساء نظرة توعد فصمت وقال: علشان انا بس مؤدب وبطيع الوالدين!
ابتسموا له بسخرية في حين قام والده بتعب وقال موجها كلامه ل(حافظ): بعد ما تخلص يا (حافظ) تعالى في اوضة المكتب عايز اتكلم معاك في حاجة مهمة...
                                    ***
بعد ان انهى طعامه طلب من والدته ان تعد له الشاي و ذهب لغرفة المكتب...وجد والده ينتظره...اغلق وراءه الباب و قال: نعم يا بابا قولتلي عاوزني في حاجة مهمة...
نظر له والده نظرة تفحص..كم يشبهه في شبابه!
قال بصوته المتعب الاجش: لحد امتى هتفضل من غير جواز؟ اديك ظابط كبير في الجيش و تقدر تفتح بدل البيت اربعة...ايه اللي مأخرك؟
رد:انا طبعا عايز اتجوز..بس الفكرة اني شايل مسؤليات اخواتي...
رد والده بحدة:ليه؟كنت خلفتهم ونسيتهم؟ شوف مستقبلك يا (حافظ)...انا عايز اشوفك في بيتك واشوف عيالك قبل ما اموت...
رد (حافظ): متقولش كده يا بابا..ان شاء الله قريب جدا...بس حضرتك بتتكلم كأنك لقيتلي عروسة...
شوح والده بيده وقال: ماقلنالك اتجوز (وفاء) بنت خالتك..ادب واخلاق..ومفيهاش غلطة..وانت اللي رفضت تخطبها..اجيبلك عروسة تاني منين أنا؟!
رد حافظ بهدوء فهو يعرف طبع والده الحاد: يبقى زي ما قولت لحضرتك..ان شاء الله قريب...
استأذن حافظ وترك والده الذي لا يعجبه حاله..
                                     ***
في الحلقات القادمة...
                                     ***
- الاعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية قرب ولازم نحط راجلنا في الواجهة...
                                     ***
- دي نتيجة بعدك عنها وحبستك ليها...وكمان عايز تجوزها غصب عنها...!

الروح المصرية (الجيل الجديد من الفراعنة)Where stories live. Discover now