.15.

125 6 2
                                    


كَان صوتها الناعم خافت وحُلو للغاية، ومُناسبًا لتلكَ الألحان التي يُخلّفها ذلك القرص
كُلما دار؛ ومِن شدة التناغم لوهلة ظَن أن غَزلها ما هو إلا ترتيلة منبعها ذلكَ القرص أيضًا، وكأن عقله لا يستوعب أنها هَمست له بأنها تراه نَجم يرتاد السماء!

نَقل بصره لها وما زالت فرشاته تتمايل بخطواتٍ متغنجة فوق مساحة ما مِن اللوحة،
ليجدها تسند ظهرها إلي الكُرسي وتُجاهد لِتزن رأسها، وجنتها غامت باللون الزهري

وعيناها تجاهد بألا تغمضها، تفتحها بخمول فقط وتنظر له؛ حتي أنه لاحظ
تلك الأبتسامة الخاملة ايضًا فوق شفتيها، بدت وكأنها تتأمله..بشغف!

" ألن يكون الأمر عادلًا إذا اصبحتُ سمائكَ المعتمة، حيث تكون انتَ نجمي؟ "

مالها تَعث الفساد داخله وهي لا تحركُ سوي لسانها؟، شعر بشيء خاطئ

لينزل يده عن اللوحة وتخلّي عن الفرشاة ليعتدل بجسده حيث أصبح جالسًا
مواجهًا لها، ثم مَد ذراعه ليتفقد حرارتها ولكنه وجدها عادية، وضعت هي
كفها الصغير فوق كفه الذي تموضع فوق جبينها ونَظرت له تقول: أنا لستُ

مريضة هُنا ريك، إن الوخز هُنا.

حَملت كفه لتضعها فوق قَلبها الذي كان يفتعل الأفاعيل بالداخل!،
سحب يده عنها برفق لتقول وكأنها تشكو منه إليه: أتعلم؟، أظن أن الوخز
برأسي ايضًا، كلما فكرتُ بكَ يزداد..يجعلني أتمني لو بإمكاني ألا افكر بكَ.

كانت كلماتها ثقيلة لتُقال وثقيلة لتُسمع، حتي أن لسانها لم يحملهنّ بشكل صحيح.

" ماذا شربتِ بحق الرب، هيدا! " تسائل ريكاردو وهو يفحص ذلك الكوب
الذي تركته ممتلئًا وحينما قربه مِن أنفه ابعده بصدمة، لَعن ريكاردو ونظر
إلي هيدا بدون تصديق، من بين كل الزجاجات اختارت زجاجة النبيذ!

هو لم يلحظ الرائحة منذ البداية بسبب رائحة الوانه النفاذة، أما عنها فهي منذ
أن خَطت ذلك المرسم وحواسها رهن حركاته فقط، قالت هيدا وهي ترفع كتفاها
بجهل: لا أعلم، يبدو أنه مشروب للإفصاح عن حقائق وما يحاول المرء اخفائه.

ثم قهقهت مع نفسها واستقامت عن الكُرسي مترنحة كطفل يخطو أول خطواته
نحو أبيه، التقطها ريكاردو سريعًا قبل أن تسقط بلفِ زمام ذراعيه حول خصرها.

" أنتَ تراقص الفرشاة منذ دهر ريك، ألا يمكنكَ الرقص معي؟ "
كانت تذمر في بداية حديثها ولكنها في النهاية طالبته برقصة وهي
تدفن وجهها بصدره، كان مصدومًا بشدة حد تداخل الصواب والخطأ.

Warmer| حتـي النهايـةWhere stories live. Discover now