مأساة

1.5K 35 21
                                    

وسط غابة مليئة برائحة التراب الرطب وأصوات النساء الباكيات، تقف الطيور على أغصان الأشجار بصمت، تراقب التجمع المهيب لقطيع بوفارديا من ذكور وإناث حول تابوت أسود متوسط.

جو خانق يحيط بالأشخاص الموجودين والحزن يعلو وجوههم. الرجال يقفون بهدوء على الجانب الأيمن من التابوت والنساء مقابلهم يرثون بحرقة الطفلة الراقدة بداخله. تترأسهم امرأة في الثلاثينيات تصرخ بقلة حيلة من الرحيل المبكر لفتاتها الصغيرة.

تناشد بين الحين والآخر ألفا القطيع أن يسمح لها برؤية طفلتها لآخر مرة قبل دفنها في مثواها الأخير.

المطر يهطل بغزارة على أفراد القطيع الحزانى على المصير البائس الذي لاقته طفلتهم النقية وحيوانات الغابة من الأسود، الدببة، الغزلان وغيرهم يقفون حولهم بهدوء وكأنهم يشاركونهم مشاعرهم الفائضة. 

من بين الجميع، ألفا القطيع الوحيد الذي لم يُظهر أي مشاعر تُذكر. ملامحه بقت حادة وباردة كما عهده قطيعه دائمًا. واقفًا بجانب عدد من الأسود والدببة يناظر التابوت ببرود متجاهلًا توسلات المرأة المنهارة بين أيدي النسوة في توديع جثمان ابنتها! 

موقفٌ قاسٍ تجاه أمٍ كانت تضحك مع قرة عينها في الأمس والآن تذرف الدموع دون توقف بالقرب من جُثمانها. الأوميغا الحاضرين تمنوا لو أن قلب الألفا الخاص بهم يرق على حال المرأة المسكينة عكس الألفا والبيتا الذين بقوا يدعون سرًا أن يستمر قائدهم بالرفض! 

فما الذي ستراه؟ جسدٌ أنهكه الاغتصاب الوحشي و تمزقه لـ أشلاء؟ وهل هناك أساسًا وجهٌ يُمكن رؤيته؟ تقبيله وتوديع معالمه الجميلة؟ 

«احملوها إلى مقبرة القطيع!» صرخ القائد في رجاله بصوتٍ جهوري، وللحظة شعروا بالحزن يكسو نبرته العميقة لكنهم تجاهلوا الأمر برمته.

ازداد الصراخ والعويل من النسوة وخاصةً الأم لكن لم يهتم الرجال بذلك، توجه ستة منهم إلى التابوت، كل ثلاثة على جهة ليرفعوه بعدها ويبدأو بالسير إلى المقبرة. 

إشتد المطر ورافقه العديد من البُرقان فوق رؤوس الناس التي بدأت تمشي في الجنازة. استغل الرجال الموقف ليسمحوا لأعينهم بسكب مائها فيختلط بين دموع السماء الهائجة! 

راقب الألفا بعض الرجال وهم يجهزون القبر بينما بقي آخرون ليمنعوا اقتراب النساء من التابوت وفتحه. أشار بعينه لشقيق الطفلة ليذهب لأمه ويخفِف عنها قليلًا، فالصدمة القادمة ستكون أقوى بكثير! 

ما هو الوصف المناسب للشعور الذي يراوده الآن؟ الغضب؟ أو ربما المُقت تجاه كل من كان له يد في أخذ الطفلة 'توفانا' من أحضان والدتها ورميها داخل حفرةٍ مظلمة في جوف الأرض! 

ناظر السماء المضاءة بين الفينة والأخرى. ذبُلت ملامح القائد عندما تذكر أن توفانا كانت دائمًا تكره فصل الشتاء، لطالما كانت تبقى داخل المنزل حتى لا تتبلل بقطرات المطر، وعندما تبرق السماء تسارع إلى الاختباء تحت لحافها خوفًا من صوته! 

الكمد | JKWhere stories live. Discover now