١

1.3K 132 150
                                    


.

بخطواتي الرتيبة أمشي بهدوء وسط زخات الودق المنهمرة،
مسلط النظرات أمامي وكأني أحفظ طريقي للمرة التي نسيت تعداد رقمها، رغم أن الساعة لاتزال الثالثة مساءًا إلا أن الجو الغائم خارجا قد أضفى رهبة كبيرة على المدينة،

غيوم سوداء باكية ورياح طفيفة تلعب في أرجاء الشوارع الخاوية، صوت الرعد المدوى كالمدفع يداعب سمعي بين الفينة والأخرى، وأما عن أوراق الأشجار فهي لاتزال تتهاوى واحدة تلوى الأخرى كالقتلى في معركة طاحنة الوطيس، في حينٍ أدوس عليها بحذائي المبتل( جراء إقتحام مياه الأمطار لداخله بسبب الثقوب أسفله) دون حذر كما تدوس الحياة على قلوب البشر دون رحمة...دون شفقة!.

وإني لحُبي الشديد للمطر ها أنا لا أزال أتمشى بخطوات صغيرة غير مبال للبلل الذي وصل لسطح بشرتي المتجمدة،
فقط كي ينعم هذا الجسد بحمام طبيعي لعله بذلك يستطيع رفع ذلك الدنس المتلطخ به،
لطخات عالقة فيني لن تزال وإن رميت نفسي في قاع بئر سحيق يتآكلني رويدا رويدا دون رحمة،

سرق شرودي الواضح للعيان جسد هرة متكورة على نفسها وسط كومة من النفايات الرطبة،
تتالي الإرتجافات التي لمحتها تصدر منها قد جعلت قلبي يرق لحالها المزري فاتجهت خطواتي ناحيتها أنتشلها من الأرض البالية بين أناملي المماثلة لحالها، (إلاهي تكاد تموت بردا وإنها لن تحتمل أكثر لو تركتها هنا) خاطبت ذاتي البائسة..
وإني لا أعرف كيف ستكون الامور لو أخذتها معي للمنزل دون إذن ولكن ما أعرفه أن قلبي المكلوم لن يطاوعني على تركها هكذا وفي هاذا المكان الموحش،

لذلك قد تغلب قلبي فأخذتها ناحي فاتحا معطفي ومدخلا إياها بالقرب من صدري لعلها تستمد بعض الدفء مني وإن كنت مثيلها في الامر.

وصلت بعد مدة إلى المنزل ولاتزال الهرة بين أحضاني،
وبفعلٍ متكررٍ مسحت حذائي بالخرقة البالية الموضوعة أمام الباب المتهالك في حين راحت أناملي الرفيعة تدق الجرس معلنة وصولي لقاطنيه، هي ثواني بسيطة قد مرت ورأيت الباب يفتح بينما وصلني أبغض صوت أكره مسمعه،

وإني لو إستطعت لغيرت مكاني حينها لن يعلم أحد عني شيئا، لهجرت لآخر العالم وحيدا!.

" أولم أخبرك أيها التعس ألا ترن الجرس حين عودتك! أولا تمتلك أصابع لتطرق الباب فقط! أطرقه ياغبي فنحن بالكاد نستطيع دفع فواتير الكهرباء،"

ومن دون نقاش أعلم بأني سأكون الخاسر الوحيد فيه رحت أطأطئ رأسي صوب الأرض مخفيا ملامحي عنها، مبديا تأسفي المتكرر لها، بينما ضغطت قليلا بذراعاي على الهرة المستكينة بينهما بخفة مخافة على هشاشة عظامها المتراجفة،

عَـــــائِدٌ إليــــكَ...Where stories live. Discover now