٥

590 80 64
                                    

.

.

عندما كنت صغيرا ساذجا لا أفقه للحياة ومعتركاتها معنى! كنت قد كونت مجموعة من الافكار السخيفة والتي إن دلت على شيء ستدل على بساطة تفكير أي طفل لم تصفعه الحياة بطريقة مؤلمة!

بل وإني رحت أعمّمُ هذه الافكار على كل آدمي حي متغافلا عن أن هذه الحياة التي نعيشها ليست سوى رقعة شطرنج كبيرة ونحن لسنا سوى بيادق فيها تحركنا كيفما تشاء ووقت ما تشاء،

كنت أعتقد في صغري أن الحياة بسيطة!...بسيطة جدا ولا يوجد ماهو أبسط منها حتى!..ظننت وكما قال كاتب ما كنت قد نسيت إسمه حتى!.. أن جميع الأصدقاء أوفياء، و أن البيت الذي كنت أرسمه بالألوان بطريقة طفولية هزلية على أوراقي ثمنه بخس، و أن القلب ذو السهم الأحمر هو الحب، و أن أكبر الأوجاع هي محض وخزة إبرة طبية،
و أن الألم هو الذهاب للمدرسة صباح شتاء قارص يجمد اطراف أناملي الصغيرة،

كنت أعتقد أن أقصى ما يمكنني فقدانه هو أحد أسناني اللبنية، و أن أسوء إنتظار هو انتظار موعد كرتوني المفضل، و أن الخيانة هي سرقة أحدهم لألعابي دون علمي، و أن الخوف هو اختبائي وراء ظهر أمي هروبا من صفعة والدي القاسي، و أن الثروة هي امتلاك ما يكفي من المال لشراء قطعة حلوى بطعم الفراولة التي أحب، و أنه لا وجود للنهايات الحزينة،

كنت أظن أنني حين أكبر ستصبح متعتي و سعادتي أكبر!...أكبر من هذا العالم و لا تكاد تسعه حتى!، وإنني لأسفي الشديد وجدت نفسي أكبر فجأة، كلما كبرت عاما كلما فقدت طعم الحياة أكثر...أكاد لا أستسيغه حتى! بل وإنني وجدت بأن سعادتي كلما زاد عمري تقلصت فتصبح أصغر فأصغر هذا إن لم تكن قد تلاشت حتى!،

لأني كنت أكبر بعقل صغير و بسيط مثل فهمي، و قد إحتاج مني الأمر تلقي الكثير من الضربات الموجعة التي جعلتني منحني الظهر كشيخ طاعن في السن وذلك فقط كي أفهم أن الحياة معقدة...حتى وإن حاولت فهمها بكل الزوايا سأجد نتيجة واحدة...الحياة بغيضة!

وكعادتي التي أكرهْ! وجدت نفسي أغور نحو قاع أفكاري السوداوية غورانا ما يزيدني سوى بؤسا و كرها للحياة التي فُرضت عليّ، كنت جالسا وكما جرت العادة وحيدا في منتصف الصف، أتابع شرح معلم الأحياء لدرس المناعة و إن كان عقلي الباطني لا يكاد يفقه شيئا مما تتفوه به شفاهه،

كان جميع من بالصف متفاعلين كالعادة!... يشاركون المعلم أفكارهم جاعلين الدرس حيويا بينما أنا أتوارى عن الانظار قدر إستطاعتي، منخفص الكتفين منكس الرأس لعلي بذلك أستطيع إخفائي...إخفاء النقص الذي يتملّكُ روحي بل يتلبسها كجني مارد مهيب!...

فاني وإن وددتُ مشاركة مايفعلون لن يكون سهلا على شخص مثلي بسبب ذكرى قد أكل الدهر عليها وشرب، ذكرى لا تود خلايا عقلي الباطني تذكرها حفاظا على سلامة باقي قلبي الموحش،
لذلك أنا فقط أحاول الاندثار كحبات الطلع في يوم ربيعي دافء حتى لا يبقى لي أثر بهذا الوجود...حتى لاتتذكر البشرية جمعاء أخرسا كان هنا ذات يوم...لا معنى لحياته حتى،

عَـــــائِدٌ إليــــكَ...Where stories live. Discover now