٢

602 102 84
                                    

.

.

.

في ثاني يوم من المهلة التي وهبها لي السيد روبنز، بعد مشاجرة كبيرة بينه وبين زوجته ليزا كما جرت العادة،
وبعد ما أخذ جسدي القدر الكافي من التعنيف الفظيع ليلة أمس، تعنيف كان قد أفرغ فيه جل الكره والسخط الذي يعتريه اتجاه كل شيء!،

وبعد إنتهائي من الدوام المدرسي ها أنا ذا في طريقي إلى العمل الذي وجدته قبل سنة ربما... قد نسيت حقا، كان الجو صحوا والسماء قد كفكفت بنات سحابها منذ الليلة الماضية تاركة خلفها صقيعا ينخر العظام نخرا لن تستطيع المعاطف الثقال الوقوف في وجهه،

أمشي كعادتي بتؤدة أضع يداي داخل جيوب معطفي الخفيف محاولا بذلك سرقة ولو القليل من الدفء الذي يزيل عنهما لونهما الذي استحال إلى أزرق مسود، كانت الساعة حينئذ تشير إلى الثانية إلا ربع زوالا،

عندها طرقت باب المكتب لإخبار السيد لوثر بقدومي اليوم وتبرير غيابي يوم أمس، دخلت بعد سماعي الاذن ووقفت منكِس الرأس أمام ذلك الكهل أشيب الرأس صاحب البطن الكبير،
رفعت أناملي الرفيعة ورحت أحيك بها كلماتي البكماء التي تعتذر نيابة عن صوتي وسط صفحة دفتري العتيق:

"عمت مساءا سيد لوثر...لقد وصلت لتوي وإني لأعتذر عن غيابي يوم أمس فلا مبرر لي؛ ومنك أرجو الصفح عني هذه المرة!"

أسقطت يداي بجانب جسدي الهزيل وراحت عيناي تبحث عن أمارات العفو في صفحة وجهه المجعد وللأسف لم ألمح ولو ربع ماأردته..
يا لبؤسك يا لوكاس!

"أي مساءا تتحدث عنه يا هذا! وأي صفح!... أنت بالذات لا تعمل ربع مايعمله البقية...تتغيب كما يحلو لك وكأن المعمل ملك لأبيك يا بغيض! ثم تأتيني في كل مرة طالبا الصفح، هل تراني ساذجا أم ماذا؟، لتباشر العمل أسرع!. وسنرى فيما بعد كيف سنسوي الامر.“

هجم علي بكلماته الشنيعة بينما تكاد مقلتاه تخرج من محاجرها من شدة الغضب الذي ولَّدتهُ كلماتي داخله، كنت سأغادر وفقط دون أي نقاش آخر،
فأنا في غنى عن أذى آخر سواءا جسديا كان أو حتى نفسيا،
لكنني تذكرت أمرا ما فرحت أزرع باقي الكلمات على الدفتر و التي جاهدت على كتابتها بكل ذرة أمل متبقية لدي...

"سيد لوثر!... هل بامكانك إقراضي القليل من المال بالاضافة إلى راتبي لهذا الاسبوع! ...وإني أعدك بأني سأعمل أكثر مما أفعل عادة حتى أسدد ديني لك...إني أتوسلك!“

رفعت دفتري أمام ناظريه بينما رحت أغمض عيناي بشدة آلمتهما، في حين أبعدت رأسي إلى اليمين خوفا من ردة فعله التي أكاد أجزم بأني أعرفها تمام المعرفة،
تغلغلت لمسامعي ضحكته الساخرة في حين شعرت بقبضته الكبيرة تقبض على خصلاتي الرمادية بكل قوة يمتلكها،

عَـــــائِدٌ إليــــكَ...Where stories live. Discover now