١٠

604 73 224
                                    

ستيفان:

...

و أما بعدُ يا خليلَ الروحِ فإني لازلتُ أنظر إلى السماء بنفس الطريقة التي كنا نَنظر بها في طفولتِنا...بنفسِ لمعةِ الأعينِ البرّاقة و إتّساع الحدقات اللّماعة!...بنفس الفضول و الإنبهار!...بنفسِ ترديد الأمنيات، إيماننا التام بأنّ السّماء هي أصل الصفاء و إنْ هاجمتها الغيومُ البكّاءة! بأنها تهِب جزءًا من صفاءها في قلبِ كل من يتأملها..

و أمّا عنك يا صفيَّ الرُّوح أتُراك لا تزالُ تفعل!

عني؟ والرّب أنّني لا أكاد أنفكُّ عن فعلها بكلّ ذرّة حبّ حملها خافقي إتُّجاهك، بكلّ لهفة و لوعة تنصبُّ بين ثناياي كـ إنصِبابِ الشلّال المنبثق! فانّك حتى لو قطعت حبل الوصال فيما بيننا سأتمسّكُ بضلالكَ و لو جُرحَت يداي... سأخِيط حِبالا بدل الواحِد...حتى لو فنى العالم و فنيتُ أنا....

مضطجعا كنتُ! واضِعا ثِقل رأسي بأفكارهِ المتلاحِمة كسلسلةٍ صدئةٍ حلقاتها على ذراعيِ الأيسر، أُناظر كآبة السّماء بغيومها المُدلهمّةِ عندما  هربت ذرّات أفكاري إلى زَمكَانٍ حاولتُ طيّه كما تُطوى الصّحف الرثّة... تقليِبه كصفحَة مُسودّة حروفها و النّزوح إلى صفحَة أخرى بيضاءَ لا غبارَ عليها،

لعلّي أستطيعُ نثر حاضرٍ و مستقبلٍ لا تشوبهما شائبةُ الفقدِ المريِرِ فَتتلطّخُ مرّة أخرى صفائحها، أحاول إقناعي بأنّ اليوم هو مجرّد يوم آخر سأعيشُه بكلّ تفاصِيله و بكلّ رضى... جديدٍ لا مكانَ لرائحةِ الماضي فيهِ كي تُغبِّش عنّي شَفافِية حاضِري..

يومًا مشرقةٌ ساعاتهُ..دقائقه!! حتى ثوانيهِ برغْم كمِّ الكآبة التي إنبعثَت رائحتُها من الجوِّ خارجا، أحاوِل زَرع ما تَبقّى لِي من أمل علىَ حاضِري هذا ثمّ أطفِق أسقيِه بتَصديِقي الكاذِب على أن كلّ شيء سيغدو بخير على عكس ما مضى،

صوتُ طرقاتٍ خفيفةٍ تكادُ تُسمع حلّت دخيلاً على بابِ الغرفة عندما وجدتُني أهشُّ جيوش كسَلي كي تحل عني، ثواني فقط و قد أطلّ بهيئتِه الضّئيلة كما رأيتُه أول مرة! يوم أمسٍ!.. مذ أن لمَحَتهُ مقلتاي هناك...جالسًا بشرودهِ الذي إلتحَفهُ كرداءٍ منيعٍ أمام البحر يُناجِيه! و قد جسّد لوحةً عجز عقلي مَنحها عنوانا منَاسبا،

فانّني عندها سأكون أكبر ظالم للفنّ و لعظمة الخالق في بديع خلقه! فأنى لأعتى فناني هذا العالم التّجرء و  نثر مثل هذه اللوحة على صفحات أوراقه البيضاء الشاحبة دون خدشٍ قد يمُسُّ بكل هذه التفاصيل المتجسّدة أمامي!...

كان بشروده المبعثر ذاك مزيجا من الهدُوء الصّاخب! مزيجا سيسحبُك رغما عنك لتأمُّل لمعةِ رماديتاه الخاملة التي شاركت خصلاته لونا بهيّ المنظرِ، فتنزلقُ هناك أكثر حتى تكادُ تتيه بين لآلئها المختبئةِ خلف رموشِه الطويلة،
و إني كلما أبْصَرَتْهُ بَحريتاي سبحتُ بين أمواج تفاصيله الصّغيرة فأغرقُ رغما عنّي و كأني أُمِيٌّ في السباحة!، شيء ما بهذا الصغير راح يجذبني ناحه ببطئ يروقُ لي و من أول نظرة!

عَـــــائِدٌ إليــــكَ...Où les histoires vivent. Découvrez maintenant