البارت السادس عشر

466 63 6
                                    

إلياس...

الحياة لا تفتح أبوابها لمعدومين الظهر، لكنها فعلت معي.
فعلت معي ذلك عندما تغيرت حياتي بعُمر صغير جدًا من طفل ملجأ مجهول الهوية، لطفل تحت رعاية عملاق قوي بمثابة العائلة والسند.
هنا فقط شعرت أن الحياة قد أرضت عني، و وضعتني بمكان يتمناه الكثير من ملاك العائلات والمناصب.
وذلك ما كنت أراه دومًا بنظرات أطفال السياح لجزيرتنا البسيطة، حقًا هم يمتلكون العائلة والمال والحياة السوية، لكننا نمتلك ما هو أعظم، نمتلك الامان، والدفء والاطمئنان.
ما كنت اتمنى أكثر من ذلك بحياتي، واعتقد جميع أفراد الجزيرة مثلي، فذلك العملاق بث بقلوبنا الحياة بعد موتها، واهدانا ما لم يفعله المال.
استقرت الحياة معى إلى أن أتممت العاشرة من عمري، وهنا كان من المفترض أن يُطبق علىّ قانون الجزيرة مثل الجميع، وهو تولي مسؤولية طفل.
بداخلي تمنيت أن يأتي حظي مع طفل ولد وليست بنت، وذلك لأنني أعلم أن البنات بجزيرتنا يحتاجون لمراعاة واهتمام أكبر من الولد، واعتقد أن ذلك يعود لفطرتهم بالأساس، فتقلباتهم المزاجية أكثر من عشب الجزيرة تقريبًا.
ولسوء حظي وكأن الحياة تنتظر مخاوفك لتحققها، قد جاء دوري لرعاية الطفلة "نور".
لا أنكر أنها كانت الطفلة الاكثر ذكاءً التي رأيتها بحياتي، لكن عُقدتي لازمتني وجعلتني اعاملها معاملة الصبي، حتى أنني بت أناديها أنور بدلًا من نور، خوفًا من تدليلها بشكل مفرط فينقلب السحر على الساحر كما يقولون.
فتتبعت معها اسلوب قاسي بعض الشيء عن عمد، خصوصًا أنها كانت دومًا تشعرني بأنها ليست طفلة وتفهم ما يسبق عمرها بسهولة، مما جعلتني أشعر بأنني الطفل في تلك العلاقة وليست هي.
توالت السنين وأصبحت هي أقرب الاقربين بالنسبة لي بعيد عن رعايتها.
تسمعني، تنصحني، تهون وتيسر أفكاري السوداوية.
كانت الملجأ السري وصندوق أسراري، واعتراف بسيط..كانت تسمعني وتحفظني بشكل يفوق استماعي واهتمامي بها.
اكبر مشاكلنا بالحياة كانت مشاكل مصطنعة، وكأننا لا نجد ما نكشوه ف نصنعه لكي نجد محتوى جديد بيومنا، حتى جاء المحتوى الحقيقي.
بدأت نور تحكي أشياء غريبة تحدث معها، بالبداية كنت اعتقد أنها تصنع ذلك من فراغها، لكن تطورت الأحداث يوم عن يوم
وبدأت تسرد لي ما سمعته أنا من تقى بغرفة "ليا" قبل سنوات، تقريبًا نفس الأحداث باختلاف الزمن.
بداخلي قلقت وظننت أنها لعنة بالجزيرة تصيب الفتيات، وخوفي عليها جعلني اقسو أكثر.
مرة اكذبها، ومرة اغير مجرى الحديث لعلني اجعلها تنسى الأمر وتنشغل بغيره.
ولكن كل حساباتي كانت مخطئة، بدأت تتهرب من لقائي بها، وترفض الحديث معي بشكل كلي، وقتها علمت أن تصرفي معها كان خطأ، ولكني أردت تصحيح ذلك.
حتى جاءت الليلة التي تتبعها هي وصديقتها "نيرة" ووجدتهم متجهين للغابة، وتلك الليلة هي الاسوء بعمري كله.
حيث أكمل على خطئي صديقي "ما" وقسى عليها أكثر مما فعلت أنا، وازداد الأمر سوءًا واختفت هي.
اختفت قبل أن ارمم ما فعلته بها كل السنوات الماضية.
اختفت قبل أن أعتذر واعتذر واعتذر عن كُل مرة خيبت ظنها بي كراعي لها وكصديق.
لم اتحمل غيابها، وبدت الدقيقة جبل يمر من فوقي يهشمني كما هشمتها من قبل.
أيقنت أن بالجزيرة لعنة تريد أذية الجميع، وذهبت للبحيرة وكلي ثقة أن هناك ما يريد المزيد من الضحايا، ذهبت له بإرادتي متعمد اختياري كضحية جديدة لهم، لكن يجعلوني أراها، اراها فقط ولو لمرة أخيرة ويحدث ما يحدث.
وعندما جاءت اللحظة والفرصة الوحيدة لم أتردد وذهبت لقاربي بدون ذرة تفكير ووجدت ما يحركني ويذهب بي نحو الظلام، سمعت أصوات اصدقائي من خلفي، ولكن لا شئ يمكننه ايقافي عن لقائي بها.
ظل القارب يتحرك بسرعة جنونية بالظلام حتى توقف بعد وقت طويل عند شاطئ مجهول ساكن تمامًا.
اعتقدت أنني سأجد "نور" به وظللت أنادي بأعلى صوتي، ولكني لم أجد أي أشخاص، وكأنه شاطئ مهجور بلا سكان.
ظللت مكاني حتى شق نور الصباح سماء الشاطئ وبدت معالمه تظهر أكثر، فظهرت جزيرة مثل غيرها لكن بلا سكان
جلست على أحد الصخور بالشاطئ أنادي وأحدث نفسى كالمجنون، لماذا أنا هنا، واين نور؟ ولماذا كل هذه الألغاز!
حتى وجدت صوت يصدر بالماء، وذيل يتحرك ويطفو على سطح الماء، ذيل حورية باللون الذهبي!
جاءت نحوي وكأنها تُلبي ندائي، حورية بحر حقيقية مبهرة، تسارعت دقات قلبي وأنا أراها تنظر لي وتجلس على صخرة بجانبي وهي تدندن وتفعل صوت صفير كأنها تغني!
بالبداية استعجبت كثيرًا ما تفعله، فكل ذلك قد أطفأ رهبتي من ظهورها ووجدتها تقول موجهة حديثها للبحر:-
_هيا تساءل، لا يوجد وقت كبير.

وجدتني أقول لها بتلعثم:-
_اين نور؟

فرفعت يدها مشاورة على صخرة كبيرة بمنتصف البحر يكسوها العشب قائلة:-
_هناك، خلف تلك الصخرة.

كان حديثها يشبه السخرية فليس هناك أي شيء يظهر خلف الصخرة وتساءلت بعدما أثارت غضبي:-
_انا لا امزح معكِ، أين صديقتي؟ وكيف خلف الصخرة وهي تحيطها البحر من كل مكان!

فقالت كلماتها الأخيرة وكأنها مُكلفة بإرسال هذه الكلمات فقط:-
_وانا لا امزح ايضًا، صديقتك خلف تلك الصخرة، لكن لا يمكنك الذهاب بمفردك، لابد من وجود صاحب اللعنه لتجد صديقتك، وإن أردت أن تعرف مَن هو صاحب اللعنه، فعليك بمراجعة الأحجار.

ثم هربت رغم تساءلي لها، فلم تجيب وابحرت حتى اختفت من أمامي، لكن كلامها ظل عالق بعقلي
"صاحب اللعنة، مراجعة الصخور"

لم أجد حل إلا إنني اعود لجزيرة العملاق من جديد، وافتش عن الأحجار التي قالت عنها الحورية...
اخذت من الأشجار ما يكفيني من ثمار، فأنا لا اعلم اي وقت سأخذه فى طريق العودة، فأنا بالأساس لم أرى الطريق ليلًا وكان هناك ما يحركني.
اعتمدت على قوة ملاحظتي وضللت الطريق أكثر من مرة، وأخذت أبحر هنا وهناك حتى مر ليل وصباح وصباح وليل ولا اعرف ما المدة التي اخذتها بالتحديد حتى عُدت....

............
قربت تخلص والباقي هينزل ف أقرب وقت بإذن الله 🦋متنسوش الڤوت على كل بارت🦋


ٱشري ما _ الجزء الثاني من العملاق أديل ما Where stories live. Discover now