[ الفصل الثاني ]

6.4K 380 51
                                    




انتهى رولند من حزمِ حقيبته الصغيرة المهترئة , قامَ بحملها إلى الخارج فلا بد من أن يأتي أحدٌ ليقومَ بأخذِهم هنا .
أخذَ يجولُ بعينه باحثاً عن الطفليين فعليهما أن يستعدا للرحيل .
شاهدهما من بعيد يمرحان معاً في حديقة القصر فجلسَ على الأرض ليرتاح قليلاً ,
وضعِ يديه على العشبِ الرطب النديّ وأخَذ يتأملُ ملامح القصر التي تحيطُ به , كانت أياماً هادئة بالنسبة له عندما كان يعملُ لخدمة العجوز ليبريت ..
شعرَ بالملل وهو يتذكرُ ذلك فأدخل يده داخل سترته التي تحمل اللون السكري وأخرجَ سلسلة مزخرفة بألوان داكنة متعددة كانتْ دائماً ما تكونُ حولَ عنقه نظرَ إليها فمرت على مخيلته صورتها وهي تبتسمُ له أغمضَ عينيه وابتسم ثمّ تساءل في قرارة نفسه عمّا تفعله الآن ! , وهل أمورها على ما يرام فهو لم يزورها منذُ مدة , أدخلها لتبقى محفوظة فهي أثمنُ شيء عندها فهي من أمرته أن يحتفظَ بها وستحطمه لو أضاعها .
تذكر شخصاً آخر فطأطأ رأسه بابتسامة حزينة وخاطبه وكأنما يريدُ أن يسمعه .
ـ .... ايفان أينَ أنتَ الآن ؟! .... هل أنتَ بخير ! ... لم أشاهدك منذُ آخر مرة افترقنا .
رفعَ رأسه للسماء وابتسمَ بطيبة ليجعل التفاؤل يدخل إلى نفسه .
ـ لا بد من أنّك كبرتَ الآن وأصبحت شخصاً رائعاً .. .
مرت بعض الرياح الخفيفة وكأنها تقولُ له أنها ستحملُ هذه الحروف إلى من يقصده وربما هبت لأنّها لم تتحمل رؤية شخصِ كسير يتذكر رفاقه و يتساءل عنهم .
شعرَ بأحدهم فالتفت ليرى من يقفُ بجانبه فوجدَ شخصاً ينظرُ له ببلاهة رفعَ نفسه ووقف بتهذيب ووجه الخطاب له.
ـ أعتذر .. يبدوا أنني لم أسمعك ؟! هل كنتَ تناديني ! .
ابتسمَ من أمامه فقد أُعجب بشخصية من أمامه وطريقته المهذبة , ارتبك قليلاً وقال له وهو يطأطأ رأسه باحترام .
ـ أدعى شيمون كبيرُ خدم قصر ماليان , وقد كلفت بأن أُحضر من يعمل عند السيد الراحل ليبريت .
ابتسمَ رولند ووضعَ يده على كتفه فهو لا يريدُ لأحد أن ينزل من شأنه أو أن يخاطبه بهذه الرسمية خاصة من شخصِ أكبر منه .
رفعَ العجوز رأسه ليرى ابتسامه الشاب الصافية التي تدخل الراحة على قلبِ كل من يراها .
ـ لا داعي لهذه الرسمية فأنا أيضاَ خادمٌ مثلك , لا بأس سأقوم بإحضارهم .
أومأ شيمون موافقاً وأخذَ ينظرُ إليه وهو يبتعد فمن خاطبه الآن شخصية مبهمة فرغمَ لطفه وابتسامته الصافية إلا أنّه كمن يحمل شيئاً ثقيلاً فوق عاتقه كما أنه لا يزال شابا صغيرا مثلَ سيده .
أسرعَ رولند ليصل إلى الطفلين اللذين لا يزالان يمرحان معاً وقفَ أمام الحديقة ونادهما بصوتِ عال .
ـ ليــر , ليــن .. لقد حانَ موعد الرحيل .
ما إن سمعا صوته حتى تسابقا إليه بحماسة وكلُ منهما يتحدّىَ الآخر في من يصلُ أولاً وسطَ ضحكاتهما .
أسرعا باتجاهه وكلٌ منهما ينظرُ للآخر وكأنما التحدي لا زالَ قائماً .
شعرَ رولند بالقلق وهو يراهما يتجهان بسرعة شديدة نحوه مما يجعله يقول بابتسامة وكأنما يتوقع النهاية التي ستحصل له .
ـ لا تركضا سوفَ تقعان إذا استمريتما على ذلك .
لم يستمعا له بل فردا ذراعيهما باتجاه ودفعاه بحماسة طفولية ليسقطَ رولند على الارض بطريقةِ قوية ويحلّ الصمت لبعض الوقت .
.. نهضَ بثقل منهما وأخذَ يتحسس ظهره وهو يشعرُ بالألم فيه بينما الصغيران لم يكفا من الضحك مما جرى مما جعله يضربُ جبهتهما بأصبعه في وقت واحد .
ـ استمعا لكلامي في المرة القادمة .
نفضَ ملابسه وتحدثَ لهما .
ـ لقد جاء الشخص الذي سيأخذنا من هنا , هل قمتم بتوديع المكان ؟! .
أومأ برأسيهما بحزن ونهضا من حجر الشاب الذي لم يشعرا بألمِ سقطته تلك .
نظرت لين إلى السماء فوجدتها قد بدأت تتدرج نحو اللون البرتقالي فركت عيناها بتعب وأمسكت ببنطال رولند الأسود وبصوتِ متعب قالت له .
ـ أخي ,, احملني .. لا أستطيع المشي أكثر فقدمايّ متعبة .
ابتسمَ لجملتها فهو كانَ يعلم أنّ هذا ما سيحصل حملها بخفه ووضعها على إحدى ذراعيه لتَسعد بذلك وتشعر بفرحة غامرة مما جعلها تتشبث برقبته , نظرَ الشاب نحو توأمها ورأى ملامح التعب من كثرة اللعب قد ظهرت عليه هو الآخر فيكفي أنهما توأمان ليعلم بحالة كليهما .
ضحكَ بخفة وهو يراه يحاول تجنب النظرِ إليه فلا بد أنّه يريد هو الآخر ولكنه خجل من ذلك .
نزلّ للأرض ببطء وحمله هو الآخر بذراعه الأخرى دون أن يعلم مما جعله يخاف ويتشبث بملابسه .
همسَ الشاب بلطف في أذنه وقال له .
ـ إذا أردتَ ذلك فلا تتردد في أن تخبرني فقد تعاهدنا ألا نخفي شيئاً أليسَ كذلك ؟! .
ظهرت علامات الخجل على لير ولكنه في نفس الوقت سعيد فها هوَ يحمله مع أخته .
هدأ الطفلان ما إن بدأ من يحملهما بالمشي .... لاحَ لـ رولند شيمون الذي ينتظره من بعيد فنظرَ إلى الطفلين فوجدهما قد أغمضا أعينهما ليأخذا غفوة على كتفه , ظهرت تقاسيم الألم على وجهه وتوقفَ قليلاً ليأخذَ بعضَ أنفاسه ففي بعضِ اللحظات يشعرُ بألم ينتشر في جسده بطريقةِ مفاجئة .
فتحتْ لين عيناها لتتفاجأ من نظره الألم على وجه من تعتبره أخاها , وضعت يدها الصغيرة على خدّه وهمست بصوتها الطفولي :
ـ هل أنتَ بخير أخي !؟
أبعد تقاسيم الألم من وجهه بسرعة ونظرَ لها بلطف مع ابتسامة رسمها على شفتيه .
ـ أجل أنا بخير , أعتذر إن كنتُ أيقظتك .
اقتربت لين منه وطبعت قبلة صغيرة على خدّه توردت وجنتيها عندما ابتعدت عنه وقالت بصوتِ أشبه بالباكي .
ـ لا تنسى وعدك أنت لن تتركنا .
أومأ رولند لها مما أدخل الطمأنينة لقلبها وعادت لتغمض عينيها , علم أنها خائفة من المصير الذي ينتظرهم في المكان الذي سينتقلون له فهو لن يخفي ذلك ولكنّه قد أقسم على حمايتهما ولن يكسر هذا الوعد أبداً فلا قلقَ عليه هوَ فما يهمه هو حياة هذان الطفلان , فهو من قرر بإرادته أخذهما معه .
اعتذر الشاب من العجوز الذي جعله ينتظر , بينما أخذَ شيمون ينظرُ بتعجب للطفلين النائمين على ذراعيه فدفعه ذلك ليقول.
ـ هل ستحضرهما معك !؟ .
ـ أجل , فنحن فقط هم من يعملٌ هنا .
لم يصدق شيمون ذلك فكيف بقصرِ بهذا الحجم لا يوجد فيه إلا شابٌ وطفلان فقط ؟! .
علم رولند بما يفكر فيه فأخبره بالحقيقة .
ـ لقد علم سيدي الراحل أنه سيغادر هذه الحياة فطلب من الجميع التخلي عن خدمته في الفترة الأخيرة فهو لن يستطيع أن يدفع لهم بسبب الديون الضخمة التي تحيط به خاصة من آل ماليان لذا جعل القرار لهم فاختاروا الرحيل .
استمعَ له بإمعان ثمّ اتجه نحو باب العربة وأدخل حقيبة الشاب المهترئة وهو يفكر في نفسه عن السبب الذي جعلهم يبقونَ معم ولم يختاروا الرحيل بل فضلوا البقاء , لم يرد الخوضَ أكثر فليس من الأدب إكثار الأسئلة على شخصِ لا يعلم عنه الكثير .
صعد رولند العربة المتصلة بخيولِ أصيلةِ بنية اللون وجلسَ على الأريكة التي فيها ثمّ وضع الطفلان في حجره ليدعهما ينامان تأمل تصاميم الحجرة الفخمة نقوشٌ ذهبية على السقف وستائر من الحرير الاحمر على نوافذها فقد كانت بحق مثلَ تلكَ التي توجد في الأساطير القديمة كما أنّ هذا الأمر غير مستغرب فصاحب قصر أل مليان يمتلكُ اسطبلاً من الخيول الاصيلة بالإضافة إلى مجموعات فارهة من السيارات الفخمة .
ثواني هي حتى انطلقت العربة مسرعة وحل صمتٌ مطبق على الجميع .
بدأت الشمس تدنو من الأرض وكأنما أرادت أن تودعَ من فيها بألوانها الخلابة التي رسمتها في السماء مرور بعض من الوقت جعلَ العجوز يختلسَ النظر للشاب التي بدأت تقاسيم الإرهاق بدايةً على وجهه وهو مغمضٌ عينيه وكأنما لم ينعم ببعض الراحة أبعدَ نظره عنه ليتأملَ الطفلان النائمان بطمأنينة واللذان يتنفسان ببطء وعلى وجهيها الراحة فعلى ما يبدوا أن يديّ الشاب التي تربت على رأسيهما دافئة وكأنما دفعَ إليهما راحته بدلَ نفسه كما أنّهما يتمتعانِ بجمالِ آخذ فتلك الخصلات الذهبية والبشرة البيضاء الناصعة يشبهانِ بحدِ كبير جمال النبلاء .
ابتسمَ عندما تذكر أنّه لا يعرف اسمَ الشاب و نسي أن يسأله فأمسكَ زمام الخيل ليبطئ من سيرها فلا زالً هناكَ وقتٌ على غروب الشمس كما أنّه قلق فهو بالتأكيد لن يسلم من سيده وهوَ يقاربُ عمره .
ـــــــ

خادمي كانَ صديقي !!Where stories live. Discover now