الشطرُ العاشر.

6.1K 803 381
                                    


فجأةً .. شعر بألمٍ شديدٍ يُلِمُّ بمعدتهِ و لم يدرِ ما سببه!

كان واثقًا أنه سيتعرض لبعض الضرب عندما تم اجترارهُ إلى زقاقٍ قريب، أحس بأنهم مجموعةٌ من الأشخاص الذين لا ينوون على خير!

هل يتعرض للسرقة؟ منذ متى و هم يسرقون في جماعاتٍ من الأساس؟

إلا أنه و رغم الموقف الحرج فقد تسللت ابتسامة سخريةٍ إلى شفتيه و هو يشعر بالأسى على السارقين الذين اختاروا الشخص الخطأ.

نطق محاولًا إنهاء هذا السخف قبل أن يتفاقم الأمر دون نتيجة لأي طرف : إن كنتم تبحثون عن المال فأنا لست الشخص المناسب، أنا ... لم يتمكن من إتمام جملتهِ حيث باغتتهُ ضربةُ أخرى على فكهِ أردتهُ أرضًا لشدتها!

شعر بالدم يسيل من شفتيهِ جراء تلك الضربة ثم سمع صوتًا أجشًا يتكلم : نحن نعرف ذلك .. نحن هنا فقط لتذكيرك بالدين الذي تملكه للسيد جرايدُن.

فور سماعهِ لذلك الاسم انتابتهُ لسعةٌ من الألم داخل أطرافه و هو يتذكر الرقم الهائل الذي يدين به.

حاول أن يوضح موقفه بقوله : أنا بالفعل أعمل ليل نهار من أجل جمع المبلغ، ما يزال لدي شهرٌ حتى موعد ... للمرةِ الثانية تمت مقاطعةُ جملتهِ حيث شعر بلكمةٍ أخرى قد وُجِّهَت إلى معدته.

إضاءة الشارع من حوله لا تساعده على التكهن باتجاه الضربة ليحاول تفاديها على الأقل مما زاد احتمالية حدوث ما هو أسوأ!

حاول أن يقاوم لكن ذلك لم يفده في شيء، تلقى الكثير من اللكمات في شتى أنحاء جسده دون أن يبدي مقاومة .. شعر بأن منازعة كل ذلك ستكون بلا فائدة.

بعد عددٍ لم يتمكن من حصرهِ من اللكمات سقط أرضًا و هو يسند جسده إلى جدار الزقاق الذي أدخلوهُ إليه مسبقًا.

سمع صوت أقدامهم و هم يبتعدون ثم نطق صاحب الصوت الأجش ذاته : هذا كان مجرد تحذير .. يستحسن أن تسرع!

شعر بالغضب يستولي على كل جزءٍ من عقله، أي نوعٍ من الحماقة هو هذا؟

لمَ لم يكن قويًا ليدافع عن نفسه؟ لمَ لم يتمكن من أن ينقذها؟ لمَ لم يكُن غنيًا؟ لمَ هو ضعيف؟ لمَ هذا العالم غير عادل؟

رغم أن سؤاله الأخير كان أكثر حماقةً من سابقيه .. العالم غير عادل .. لم تكن هذهِ معلومةً جديدةً بالنسبة له حيث أدركها منذ أن فقد والدهُ في الثامنةِ عشرة .. لمَ أصبح بهذا الضعف؟

لمَ جملةٌ سخيفةٌ مكتوبةٌ وسط مجموعةٍ من الورود الرديئة قد تترك أثرًا عميقًا في نفسه؟

لمَ اهتم لأمر تلك السيدة و ذلك العجوز و هذا الصبي .. لمَ حصل كل هذا؟ كيف آلت الأمور إلى هذا الحال المثير للشفقة؟

لم يجد إجاباتٍ على أسئلتهِ الجوهريةِ تلك .. لم يكن يبحث عن إجاباتٍ لها على أيةِ حال.

رغم الشتات الذي يشعر بهِ إلا أن انسياب تلك الأفكار في رأسه جعلته يعيد ترتيب حساباته و جعلها أكثر تنظيمًا .. لعقلهِ على الأقل.

عادت إلى ذهنه تلك الجملة التي خرجت عرضيًا منه البارحة ثم تمتم : أكبر المصائب تأتي بسبب المشاعر.

تحامل على الألم لينهض عائدًا إلى شقته قبل أن يراه أحد الحمقى ويستغل إصاباته بأذيته.

من حسن حظه أنه قد اقترب كثيرًا من المبنى الذي يحوي شقته حيث كان يبعد عنه شارعين فقط.

دخل إلى المبنى ثم صعد السلالم بمشقةٍ بالغة، أطرافه تصرخ ألمًا بينما هو صامتٌ يعض على شفته السفلى بكل ما أوتيَ من قوةٍ كي يُنفِّس عن الغضب الذي يشعر به إزاء نفسه و كل الوضع الذي هو فيه.

ولج إلى المنزل ثم عبر بالقرب من المطبخ و هناك لاحظ أن شيئًا ما قد تُرِك على طاولته.

ألقى نفسه على الكرسى الذي جاور الطاولة ثم جذب الكيس نحوه ليجد ملاحظةً قد تُرِكت معه، قرأها بصوتٍ مسموع :

عليك أن تتوقف عن الاعتماد على وجبات تلك الحانة، جرب أن تأكل بعض الطعام المُعد في المنزل.
أتيت إليك مساءً لكنني لم أجدك كما توقعت، سأمر عليك غدًا .. كن بخيرٍ حتى ذلك الحين.

أنزل الورقة بعد أن تسللت ابتسامةٌ هزيلةٌ إلى شفتيهِ، شعر بألمٍ مريعٍ يفلق رأسه.

نهض متجهًا نحو الثلاجة ليُحضِر منها بعض الثلج ثم وضعه وسط قطعةٍ قماشية ليتمكن من تمريرها فوق الكدمات التي غطت وجهه و يديه.

اتجه إلى غرفتهِ حيث قرر تبديل ملابسه التي اتسخت تمامًا بالإضافة إلا أنها تمزقت في بعض الأجزاء أيضًا.

تمدد على سريرهِ الذي بدا لظهرهِ المصاب كسريرٍ من المسامير حيث سبب له وجعًا لا يحتمل لعدة لحظات، أراد أن ينام و لا يستيقظ مرةً أخرى.

كرِه الحال المثير للشفقة الذي وُضِع فيه مجبرًا .. كرِه نفسه تمامًا لأنه أقدم على الاستدانةِ من شخصٍ كذلك الرجل إلا أنه لم يكن بيده حيلة .. كانت حاجته للمال أهم من أن يتحقق من هوية الشخص الذي يستدين منه، ظن للحظةٍ أنه سيكون قادرًا على تحمل ذلك إلا أن ما يحدث لم يكن ضمن مخططاته.

غمغم و هو يشعر بوهنٍ يتسرب داخل عروقه : في كل مرةٍ أسقط تكونين موجودةً لترفعيني عاليًا .. أتساءل كيف كنتِ تفعلني ذلك!

أحس بأن الألم المُلِمّ به لن يسمح له بالنوم بسهولة، سقط بقوةٍ مرةً أخرى في هُوَّةٍ لا يعلم لها قعرًا فتذكر والده الراحل.

استدار إلى الجانب الآخر من السرير و هو يهمس هازئًا : لا تبكِ عندما تسقط .. يال البساطة!

تلك الجملة الساذجة جعلت عقلهُ يعود إلى الوراء، تلك الذكرى التي كانت تظهر الفارق الشاسع بين والده و والدته!

______

انتهى، كيف كان هذا الفصل؟

آمل أنه كان مشوقًا 👤.

إذًا .. ما الفرق بين والده و والدته يا ترى؟

بعد عشرة فصول هل يمكن لكم تخمين نمط شخصيته من شخصيات الـ MBTI؟
^لدي فضول عن أفكاركم تجاهه.

شكرًا لقراءتكم 🐢💙.

تصويت 🌟.

شطرٌ من نور.Where stories live. Discover now