الشطرُ السابع و الستون.

2.2K 361 296
                                    


انقطعت نوبة السعال الشنيعة تلك بعد دقيقةٍ على الأقل تحت أنظارها التي تلألأ الدمع فيها بينما هي عاجزةٌ عن فعل ما هو مفيد.

آلمها قلبها لما حلّ برفيق دربها و مؤنِس وحشتها، تمنّت لو أنها كانت قادرةً على امتصاص كل ذلك الألم بأي طريقةٍ ممكنة لكن ذلك زادها حسرةً و وجعًا.

رفع رأسه لينظر إليها حاملًا ابتسامةً ضئيلةً ليطمئنها بها بينما يحاول حشد بعض القوة لينطق : لا حاجة لذلك، أنا بخير؛ لكن سعلةً أخرى قد هربت من جوفهِ لتدل على قِصَر حبل الكذب الذي ما كاد يتشبث به حتى انقطع.

استثار غضبها لقلةِ مبالاته بصحتهِ و انهالت عليهِ بكلامها معاتبةً إياه بصوتها الذي علا بشكلٍ لا إرادي : كلا لست بخير .. أخبرتك أن العمل في تلك المناجم سيدمر صحتك و حسب .. عليك أن تترك هذا العمل المقرف.

تنهد للحظةٍ و هو يحافظ على تلك الابتسامة الضئيلة و الساخرة في الوقت نفسه، تماشى مع رغبتها في الحديث عن هذا الأمر الذي يزعجه على الدوام فازدرد ريقهُ و أجاب : لكنكِ تعلمين أنني لا أستطيع فعل ذلك، كيف سألبي احتياجاتكما إذًا؟ أنا لا أريد لكما أن تشعرا بأي نقصٍ مهما كان .. أيجب أن أن أصوغ الأمر هكذا كي تفهمي سبب إصراري على هذا العمل؟

لم ترَ ذلك كمبررٍ كافٍ لاستمراره في تعذيب نفسه بذلك العمل الشاق، و لذلك ردت عليه بعنفٍ بعد أن خدش النحيب حلقها : لكن ما فائدة كل تلك الأشياء إن كنت تخسر صحتك؟ أخبرتك آلاف المرات ريموند، أنا لا أهتم .. لستُ بحاجةٍ لأمور مبهرجةٍ تنفق عليها عافيتك ثمنًا لها .. أيجب أن أذكرك بأنني لستُ مثلهم؟

تعمدت صياغة السؤال بالطريقة ذاتها التي أدلى بها قبل قليل ثم انزلقت دمعةٌ شريدةٌ على خدها و كأنها النقطة التي أنهت جُملَها السابقة.

نعم هي ليست مثلهم، هو يعلم ذلك جيدًا لكنه يفعل كل ذلك لإرضاء نفسه في المقام الأول .. تزوُّجُ شخصٍ من عائلةٍ مرموقة ليس بالأمر السهل، و بالأخص عندما يهجر هذا الزوج عائلته بأسرها .. هو من عائلة غنية لكنهما يعيشان حياة عادية بالكاد بعد أن رمى كل ما تملكه عائلته وراء ظهره .. ألن يكون مزعجًا أن لا تمتلك المال الكافي لتفعل ما تريد؟

على الجانب الآخر لطالما كانت تغضب من فرطِ خوفها أو عندما تخرج الأمور عن سيطرتها، لم يفهم يومًا سبب هذا الترابط الغامض إلا أن رؤيتها على حافةِ الانهيار لم يكن ما رغبَ في أن يحصل عند لقائهما بعد غيابٍ دام لثلاثة أيام.

رفع يدهُ ليمسح آثار تلك الدمعة التي بدت كصخرةٍ قُذِفت على قلبه، مررَ إبهامهُ على خدها عدة مراتٍ و هو يرد بصورةٍ تهكميةٍ مريرة : إذًا ما الذي يجب أن أعمل بهِ؟ هل يمكنكِ أن تخبريني؟

هطل الدمعُ من عينيها الزمردية المتعبة دون إذنٍ منها عندما عجزت عن إجابة سؤاله البسيط ذاك، هسهست باستسلامٍ راجيةً إياه : نستطيع استخدام ذلك المال و حسب .. لكن لا تؤذِ نفسك من فضلك .. من فضلك.

شطرٌ من نور.Where stories live. Discover now