الشطرُ الواحد و التسعون.

2K 324 268
                                    


- انظروا من أتى لزيارتنا!

صرّح لاڨار بصوتٍ جهوريٍ ملأ أركان ذلك المكان المهجور الذي اتخذوا منه وكرًا لهم.

قبل خروج كلماته السابقة من بين شفتيه كان بعضهم مشغولًا بلعب الورق، و آخران يدخنان سويًا و هما يقهقان على أمرٍ ما، بينما يعبث أحدهم ببعض الملابس التي سرقها.

و بعدما دوى صوته المُرحِّب قبلًا علا صوت وقع أقدامٍ لكن بشكلٍ رزين، ليس بسرعةٍ أو ببطء .. لكن بثقةٍ كبيرةٍ بالنسبة لشخصٍ يدخل عرين أسدٍ بقدميهِ الملعونتين.

ولَج إلى المكان من خلال ذلك الباب المتهالك بينما كانت أعين الجميع تتطلع نحو الصوت منتظرين ضيفهم غير المتوقع، استلّ كل واحدٍ منهم شيئًا كان بالقرب منه استعدادًا لما هو قادم، منهم من سحب سكينًا أو مسدسًا بل و حتى أنبوبة حديدية .. تأهب الجميع منتظرين أوامر رئيسهم.

تحدث ضيفهم الغامض أخيرًا بنبرةٍ ماكرةٍ : أنا هنا للتحدث لاڨار .. آمل أنك لم تفتقدني كثيرًا.

عرَف رئيسهم تلك النبرة و هذا المظهر الأنيق و تلك التسريحة المألوفة، فما كان ذلك الضيف إلا جرايدُن بشحمه و لحمه .. من قد يعرف مكانهم غيره على أية حال؟

أشار لهم لاڨار ليُخفضوا أسلحتهم حتى يرى ما يريده هذا المزعج، مشيتهُ الواثقة و هو يضع يديهِ في جيوب بنطاله زادته حنقًا إلا أنه حافظ على النظرةِ اللا مبالية التي يحتاجها في الوقت الحاضر.

رغم أن لاڨار يُعتبر أضخم من جرايدُن نسبيًا إلا أن هذا الأخير لم يغير من مستوى نظره للحظة، أما الأول فقد ظل جالسًا على عرشه المهترئ لوهلةٍ ثم نهض ليقف أمامه.

سكنت لحظاتٌ من الصمت في الأجواء حتى جاء صوت عيارٍ ناريٍ مُفرقًا سُحُب الصمت تلك و ممطرًا عليهم بفزعٍ لم يدرِ أحدهم من أين أتى.

و على إثر الطلقة التي أتت من اللا مكان تهاوى لاڨار حتى كاد يقع أرضًا بعد أن استقرت تلك الرصالةُ في فخذهِ الأيسر، ساعدته يده اليسرى على تعديل جلسته لتُخفف من شماتةِ هذا الواقف أمامه.

فرقَع جرايدُن بأصابعه بعد ذلك السقوط المسرحي ليخرج رجالهُ من نوافذ ذلك المصنع المهجور، ثم انقضوا على رجال لاڨار الذين باتوا يحاربون بضراوةٍ كانتقامٍ لما حل بسيدهم.

تأمُّل ملامح الوجع و هي تحاول التسلل إلى لاڨار كان أمرًا ممتعًا رغم أن الأخير قد منعها بقدر استطاعته، لكنه بشري في نهاية المطاف .. لعنه مراتٍ عدة قبل أن يصيح فيه بغضب : كان يجب أن أجعلهم يمزقونك إربًا أيها الخسيس!

قهقهَ جرايدُن على أفكاره السخيفة تلك ثم انحنى نحوه حتى جلس على إحدى ركبتيه بينما استند على الأخرى، أخرج سكينًا من جيب بدلته الرسميةِ تلك ثم راح يتأمل انعكاس النور عليها بينما يجيبه : لكُنتَ رأيتَ حفلة جثثٍ إن حاولت، مسرورٌ أنك تراجعت عن ذلك لأن تنظيف كل هذا سيكون متعبًا.

شطرٌ من نور.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن