★المقدمة★

22.4K 392 7
                                    

نسخة معدلة ... 

*المقدمة*

سبحان الخالق في إبداعه في اختلاف خلقه، ألسنتهم، أشكالهم، ألوانهم وطبائعهم وسبحانه كيف يسوق الخلق للخلق سخريا لينفع بعضهم بعضا وقد تجمع صدفة بين غريبين لم يكونا ليلتقيا ولو سعيا لذلك لكن العالم بكل ذرة من كونه أين تستقر، له تصاريف لا يفقهها سوى الحكيم الخبير، ألم يقل جل جلاله في كتابه العزيز ( و من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا )....فليسأل العبد ربه الحكمة إذا وهذا ما تفعله هذه الفتاة القابعة على سجادة الصلاة، بعباءتها الفضفاضة وحجابها الساتر، ترفع يديها إلى ربها تسأله الرحمة لوالديها ثم الستر والحكمة لنفسها ولم تنس الدعاء لرحمها، فمهما ادعت جفاءهم ما زال قلبها ينبض بذكراهم، كيف لا إنهم رحمها، فتدعو بالرحمة لمن واراه التراب بينهم، والهداية وحسن الخاتمة لمن ينتظر دوره دون أن تنس من قدم لها المأوى و استقبلها وتحمل مسؤوليتها كأنها ابنة له "جليلة" أخلاقها كاسمها فتاة بسيطة، تزوجت بعامل بسيط يعمل بمنجم وسكنت معه في بيت بسيط ورثه عن والديه، كان ذلك البيت الوحيد وسط أمثاله الذي سُقِّف بالإسمنت بينما باقي البيوت لم يسعفها الحظ إلا بأسقف من القصدير لتشكل حيا من أحياء ما زالت تمثل معضلة بالنسبة للمسؤولين، الذين يحاولون جهدهم للقضاء عليها، فيحصلون على ميزانيات من الدولة و يشيدون بها سكنا اقتصاديا، يقومون ببيعها لهم بثمن زهيد لكي يغادروا تلك الأحياء المسماة بأحياء الصفيح لكنها لا تنقضي أبدا و ما زال أمامهم عمل عظيم بانتظارهم ليقضوا عليها كلها.

أضافت دعوة أخرى لجليلة فهي لن توفيها حقها مهما دعت لها ولا لشقيقها العم سعيد الذي اعتبرتها كابنتها التي توفيت من زوجها رحمة الله عليهما و لم تتزوج بعد ذلك وكل من خطبوها في الحي لا يناسبها حسب الضوابط الشرعية التي تتبعها في اختيار الزوج كما أن أغلبهم كان طامعا في بيتها لا أكثر .

_بنفسج!

التفتت على إثر صوت شاغلة بالها تبتسم بوجهها السمح الذي يذكرها بابنة شقيقها الكبرى فاتن، تجيبها

_نعم أختي.

بادلتها بسمتها الدافئة بينما تجيبها

_تقبل الله منك حبيبتي ....الفتيات مجتمعات على عتبة الباب كالحمام ينتظرنك.

هزت رأسها و قامت من مكانها، تبدو طويلة نوعا ما طويلة لا نحيفة ولا سمينة حتى لون بشرتها بين القمحي والأبيض ليست بذلك الجمال الصارخ، عينين سوداوين وتقاسيم وجه بارزة، أسنان كبيرة بيضاء متراصة تخفيهم شفتين بارزتين بنيتي اللون خلقة، ما يميزها صفاء قلبها وضحكتها التي لا تفارق شفتيها مهما كان مزاجها *ألم يقل لها يوما "كيف تبتسمين طوال الوقت حتى وأنت تتكلمين؟ كيف تفعلينها ؟"*.

طوت السجادة ووضعتها على الأريكة المهترئة ثم تناولت من على الأرض حصيرة صغيرة وخرجت إليهن تبسط الحصيرة لتجلس معهن. تقليدا لا تفهمه بنفسج ليومها ذاك، تتذكر أول يوم جاءت به إلى الحي، لاحظت الفتيات من نفس العمر يتجمعن على عتبة دار إحداهن ، يتسامرن ويضحكن إلى أن يدنو المغرب فتنصرف كل واحدة منهن إلى بيتها وحين علمن قريناتها بوجود فتاة جديدة، تجمعن على عتبة بيت جليلة وطلبن منها السماح لهن ليتعرفن عليها، ظنت بنفسج بأنه مجرد فضول سيبلى، لكنه لم يفعل إلى اليوم والأدهى أنهن تركن عادة المناوبة على باب كل واحدة واعتكفن على باب بيت جليلة. انتبهت من أفكارها على الفتاة التي فتحت موضوعا للثرثرة، تقول وهي تبسط نحوها راحة يدها حيث بعض حبات بذور اليقطين.

سلسلة الأزهار و الزمن *رياح♥بنفسج* ج2 ..للكاتبة المبدعة..منى لطيفي...Where stories live. Discover now