الفصل التاسع

583 15 4
                                    

الفصل التاسع
جلست وهى تستند بظهرها على الحائط وعينيها تجوب الغرفه ذهابا وإيابا
تلك الحوائط المشققه ؛ الأرض الصلبه الباردة
وضعت يديها على الأرض تتحسس الأرض ذو الملمس القاسى ؛ رفعت نظرها الى السماء وكأنها تستغيث ؛ أوشكت دموعها على الهطول وهى تتذكر تلك الأيام الخاليه ، نزلت دموعها بالفعل وهى ترى نفسها قابعه فى زنزانه متهالكه ؛ محتبسه بين أربعة حوائط لا تقوى على الخروج ؛ تبدل كل شىء حتى أصبحت شخص آخر ما بين ليلة وضحاها ؛أصبحت لا تعرف نفسها "ترى يا نفس من أنت " ؛ سنوات من الدراسه... سنوات من العمل المجهد المهلك... أيام سهرتها حتى حصلت على لقب "دكتوره "
وقد خسرته وبكل بساطه ؛ أصبح اليأس يتسحب تدريجا حتى بدأ بالزياده داخل قلبها
ما تخشاه الآن أن يتملكها اليأس فيودى بها فى طريق مظلم لن تعلم عواقبه ولا نهايته
التزمت وضعيتها وهى ترى بصيص أمل ينفذ من وراء تلك النافذه ؛ شعاع ضوء صغير
أحست وكأنها الإشارة ؛ أحست وكأنه يواسيها بآية " ونحن أقرب إليه من حبل الوريد "
تحاملت على نفسها وعلى جسدها الهزيل الذى يتملكه الضعف حتى وقفت على رجليها
رفعت يديها وهى تكبر على إستعداد للقاء رب العالمين
فرغت من الصلاة لترفع بصرها قليلا فتجد شرطى ينتظرها ليقول لها وقد نفذ صبره وهو ينتظرها حتى تفرغ : عندك زيارة
خرجت خلفه وبعقلها يجول الكثير والكثير من الأفكار ؛ ترى من من الممكن أن يقدم على زيارتها ؛ ذهب عقلها فى رحلة قصيرة الأمد فسول لها عقلها أنه أخيها إسلام ؛ كم أحست بالخزى إن أصبح بالفعل هو ؛ لا ترغب بأن يراها فى حالتها الضعيفه تلك ،فهى مصدر قوته وما هى عليه الآن مجرد حطام أنثى ،أنثى حطمها الزمن وقست عليها الحياة
رفعت نظرها تستكشف من هو هذا الشخص لتذهب علامات الاستفهام ويحل مكانها ذهول و استفهام أكبر من السابق ؛ لكن ما لفت نظرها أن الشخص الجالس أمامها وإن كان ذى قبل ينظر لها نظرات التحدى والكره
ينظر اليها الآن ونظرات الكسرة تغلفه ؛ ارتدى نظارته سريعا ليمنعها من التعمق أكثر فى عينيه فتكتشف ضعفه برؤية دموعه
ابتسمت وهى تقول بدون أن تعرف لما أتى : الدنيا دواره انا عارفه
أحس وكأنها تعلم بالأمر لكن قرر تجاهل كلامها
نظر اليها من خلف نظراته وهو يقول : انتى درستى طب عشان تساعدى الناس صح؟
نظرت له وهى متعجبه من سؤاله هذا ؛ لتقول والثقه تغلفها : صح
تابع كلامه وهو ينفث سيجارته بتوتر وعصبيه لا يعلم كيف يخبرها بالأمر ليقول أخيرا : محتاجينك تساعدى أخويا أيهم عشان عمل حادث
تطلع اليها ليجد ضحكه ترتسم باحترافيه على جانب شفتيها لتقول وهى موجهه كلامها له وعلى وشك أن تهم بالذهاب : بس انا مش بساعد غير الناس ؛ أما الحيوانات دول يروحو لدكتور بيطرى أفضل لهم
صك على أسنانه بغضب وهو يقبض تلك السيجاره بيده حتى أصبحت فتات ليقول وجمرات الغضب تشتعل فى عينيه فتجعلها متلالأه كقطعه من نار تأخذك فتهوى بك فى الجحيم : الزمى حدودك كويس
أدارات له ظهرها لتقول ومازالت الثقه تعلوها رغم ما يعتريها : للأسف طلبك مش عندى
أنا دكتورة جنائيه بحلل جثث بس
وكمان معنتش دكتوره ؛ رخصتى انسحبت
أوقفها وهو يحاول أن يفهمها الأمر : بس الدكتور "محمد الهلالى " قال انك الوحيده اللى تقدرى تساعديه بحكم البحث اللى عملتيه
ضحكت هذه المرة وبشدة حتى علت صوت ضحكاتها لتقول بضع كلمات بعصبيه فقد نفذ صبرها هى الأخرى فأصبحت كأنثى الأسد على وشك الهجوم أو ربما كما الأفعى فى فحيحها : حتى الدكتور محمد مرضيش يساعدك بسبب عمايلكم ؛ وانا كمان مقدرش أساعدك
تركته وهمت بالرحيل ليحمل هو ما تبقى من كرامته المبعثره فصارت كقطع مبعثرة ملقاه على الأرض وهم بالرحيل هو الأخر
جلس فى سيارته وهو لا يعلم ماذا سيقول لأمه وكيف سيقابلها وهو لم يستطع إقناع تلك الطبيبه بمساعدتهم
قاد سيارته وانطلق عائدا الى المشفى ومازال يجول فى خاطره ماذا سيحل بوالدته الآن ؟
شرد فى الطريق والأفكار تتخبط فى عقله
حتى وصل أخيرا أمام المشفى
نزل من سيارته بقلب محطم لما حل بعائلته فوجد وسائل الإعلام ملتفون حوله وكأنهم ينتظرون وجوده
الكثير من الأسئله تدور حول سبب هذا الحادث نظر أحد رجال وسائل الاعلام الى أدم وقد قرر أن يلقى عليه قنبله حاده تصيب قلبه فتفتك به فقال وهو موجهها كلامه إلى أدم الذى انتبه إليه لمجرد ذكر إسمه : ما هو سبب الحادث ؟ هل هو مجرد حادث أم هو انتقام رب العباد من الظالم ؟
نظر إليه أدم فعلم ما يرمى إليه ؛قرر تجاهله وصعد سلم المشفى متجهها الى حيث يتواجد أخيه
وقف أمام والدته التى ما إن رأته حتى قالت مسرعه والأمل يغلفها :مجبتش الدكتوره معاك ليه ؟هى فين ؟
نظر لها ولا يعلم ماذا يقول ؟وكيف يقول أنها رفضت المجىء ؟ أزال تلك النظرات السوداء فاتضحت ظلمة عينيه والدموع المحتبسه بها
فهمت والدته الأمر فقالت وعينيها مسلطه عليها :ودينى لها يا أدم وأنا هكلمها
أصغى الى والدته فليس أمامه حل سوى هذا
ربما تستطيع المرأه أن تقنع إمرأه أخرى
وربما لا!!! بصيص أمل صغير لكنه موجود
ومادام الأمل موجوده يوجد حياه وشعور
إصطحب أدم والدته وأخته الى ذالك السجن
دخلت فيروز وندى الى الداخل وظل أدم جالس بالسياره ينفث السجائر بشراهه وتوتر
يخبط على مقود السيارة بعنف وخوف بادين عليه
جلست فيروز على كرسى متهالك تنتظر لؤلؤة
قامت من مكانها حينما رأتها قادمه
جلست فيروز مرة أخرى وجلست أمامها لؤلؤة وعلى جانبهم جلست ندى التى تنظر الى المكان يتقزز ونفور بادين عليها ابتسمت لؤلؤة ما إن رأتها هكذا فقالت بجمود يغلفها لكن الحسرة تكسرها من الداخل : طبعا مش متعوده على مكان زى ده ؛حتى انا مكنتش متعوده عليه بس اتعودت
ثم قالت وهى مسلطه نظرها على فيروز :قبل ما تقولى حاجه ؛هل تتمنى لبنتك اللى انا فيه ؟
نظرت لها فيروز بعدم فهم لكن سرعان ما فهمت مقصدها فقالت بتوسل : طبعا مرضهاش لبنتى ؛وكمان مرضاش لإبنى الموت
انتى الوحيده اللى تقدرى تساعديه ؛ أرجوك اقبلى انك تساعديه ؛ اقبلى رجاء أم جت لكى بقلب منكسر وحسره على ابنها ؛ابنى بيضيع
تلك الكلمات أثارت عاطفة لؤلؤة بشدة فالتمست فيها الأم الحنونه لتقول وهى تلوم نفسها : منذ متى وأنت هكذا يا لؤلؤه؟ أين مبادئك ؟ ربك عفو غفور رحيم بالعباد فلما انت ستقسى ؟
قطع حبل أفكارها صوت فيروز الحامل فى نبرته التوسل والرجاء : عارفه ان اللى حصل فيكى مش سهل ؛ ووعد منى انى هحرص إن إبنى ياخد عقابه
نظرت لها لؤلؤة مستفهمه لتتابع فيروز كلامها وبسمة مريره تظهر على شفتيها :أيوه!! أنا الأم اللى هتضحى بواحد عشان التانى ؛ ثم أجهشت فى بكاء مرير قائلة وسط دمعاتها :أنا الأم اللى معرفتش أربى ولادى
كنت هعمل ايه يعنى تربية الشباب محتاجه راجل يشد عليهم لكن أنا رخيت ومشدتش
نظرت لها لؤلؤة بشفقه فقامت من مكانها وجلست أمامها ؛ مدت يدها تجفف عباراتها
فقالت وهى تربت على يدها لتطمئنها : خلاص
متعطيش
نظرت لها فيروز بأمل فقالت مستفهمه : يعنى هتساعدى ابنى ؟
أومأت لها لؤلؤة برفق فقالت :هعمل اللى هقدر عليه وفى الآخر دا مش تخصصى بس هحاول أقدم كل اللى أعرفه
قالت لها فيروز وقد رقص قلبها فرحها لمجرد موافقتها على مساعدتهم : هبعت أدم يخلص إجراءات خروجك بكفاله
أومأت لها لؤلؤة ومن ثم انصرف كل منهم الى وجهته
عادت لؤلؤة الى زنزانتها وخرجت فيروز الى ابنها المنتظر بالخارج
...................
دخلت لؤلؤة زنزانتها والتزمت وضعيتها من الصمت والهدوء ؛ يدور بعقلها الكثير من الأفكار
ترى هل ما فعلته صحيح؟ ستساعد وحش على العودة الى البشريه من جديد ؛ ترى هل هذا صواب أم ستندم لاحقا على هذا القرار ؟
نظرت الى سقف زنزانتها ليذهب عقلها ويشرد فى الذكريات ؛ فتقول فى نفسها : الشىء الجيد فى الأمر أنى سأخرج ، وإن لم يكن لأجلى فلأجل إسلام!!!!!
..................
خرج أدم من السياره ما إن وجد والدته تقدم نحوه فسألها بنبره مرتجفه : ايه اللى حصل ؟
أجابته فيروز بكلمات خاليه من التعبير : جهز خروج الدكتورة لؤلؤة بكفاله ؛هى اللى هتساعد اخوك
قاد سيارته وقد فرح قليلا لموافقتها على مساعدة أخيه نظرت فيروز إليه وهو يقود السياره وعلامات السرور باديه علية فقالت معاتبه نفسها : ترى ماذا سيحدث ؟
لقد رهنت حياتك مقابل حياة أخيك ؟
ترى هل أخطأت ؟ لكنك مخطىء وتستحق العقاب ؟ فى الواقع أنا المخطئه منذ البداية!!!!
شردت فى الطريق ومازالت الأسئله تطاردها
قطع حبل تأملها وشرودها صوت أدم قائلا : هروحكو على الفيلا وانا هروح المشفى
ردت عليه قائله : لا ودينى المشفى الأول
إنصاع لها وذهبوا جميعا الى المشفى
..............
تقدمت فيروز من ابنها الملقى على السرير كما الجثه الهامده لا تقوى على الحراك ؛ لتهوى دمعاتها إثر رؤيتها هكذا ؛ ما حال هذه الدنيا ؟
أهذا إبنى ذى الطله الطاغيه على الجميع ؟
مالى أراه كما الأموات ؟
أخذت تتذكره وهو جالس ؛ وهو يسير بقوته وجبروته أخذت تتذكر كلامه حينما قال : "أيهم الكنانى لا تهزه العواصف "
"أيهم الكنانى هو أسد الغابة والغابه ملهاش الا أسد واحد "
"اللى يفكر يلعب مع الأيهم لا ينوبه الا الخساره والعذاب "
أخذت تتذكره وهو يبتسم لتطوف بها الذكريات فلا تزيدها سوى ألم
رفعت ندى نظرها تستكشف ذالك الشخص النائم على السرير ؛ أهذا أخى!؟؟
أهزمته الحياة وألقت به فى الهاوية ؟
أعصفت به الحياة فهزت كيانه ؟
أهذا هو الأسد الحصين ؟
أهذا هو الأيهم ؟
ترى أين الأيهم الحقيقى ؟
أهو متخفى خلف تلك الجثه ينتظر الموعد لينقض على أعدائه ؟
إن الأيهم أسد والأسود قد تنام لكن عند الإستيقاظ تفتك بالجميع
ننتظر رجوعك أيها الأيهم ولن تزيدك الغيبه سوى قسوة
أنا أعلم ذالك!!!!!!

رواية "شريفه فى غابة الأسود "
ندى عماد
الماسه اللامعه

شريفة فى غابة الأسود Donde viven las historias. Descúbrelo ahora