الفصل الرابع عشر

514 14 0
                                    

الفصل الرابع عشر
ذهلت حينما رأت نفسها أمام فيلا ضخمه لأول
مرة تراها فى حياتها ،ربما رأت مثلها من قبل لكن على شاشة تليفزيونها الصغير ،شردت بالمكان وجمال الحديقه المحيطه به التى تسلب قلب من يراها فكأنها جنه تفرح العين برؤيتها
وكأنها كنزا لايعثر عليه الكثيرين
أفاقت على صوت باب السيارة وهو ينفتح على  مصرعيه ليقول لها آدم : اتفضلى
نزلت من السيارة بهدوء وتبعته حتى وصلت أمام أعتاب الباب الداخلى للفيلا
تردد آدم قليلا وماذا سيجاوب أمه إن سألته من هذه الفتاه ؟ ارتدى قناع الشجاعه ودخل الفيلا وخلفه أسماء تمشى بخطوات متوترة حرجه ؛ وجد والدته تجلس فى الصالون كالعاده ومعها ندى يتحدثون فى شىء ما
صمتت حينما رأت المقبل أمامها ومعه فتاه أول مرة تراها ؛ علامات استفهام خيمت على المكان فشحنت الأجواء بالإستفهام
ألقى التحيه على والدته ومن ثم التفت لتلك التى على وشك الإنصهار من حرجها المفرط وتوترها المحلوظ
ساد الصمت قليلا فأصبح المكان خالى من الكلمات سوى صوت الأنفاس التى تلفح فى الهواء فتزيد الأجواء توترا
قطع حبل الصمت صوت آدم قائلا وعينيه مصوبه على من تفرك فى يديها بعنف : أعرفك يا ماما ؛ دى الدكتورة أسماء ، دكتورة تحاليل
ابتسمت فيروز كعادتها لتقول : شرفتينا يا بنتى
أهلا وسهلا بيكى
رفعت نظرها قليلا مستغربه من كلامها فكيف تقول هذا لشخص لا تعرفه
تابع آدم حديثه : هتقعد معانا فتره هنا عشان عندها مشاكل فى السكن بتاعها
تفهمت فيروز الأمر لتقول بنبرة حانيه : تنورينا طبعا ؛ الفيلا ماشاء الله كبيرة
نظرت لها أسماء وقد أدمعت عينيها من كلامها الذى لامس قلبها فجعل الحنين والإشتياق لوالدتها يعود من جديد ؛ شوق يأخذها ويلقى بها فى بحور الذكريات التى لا تجلب لها سوى بضع دمعات وللأسف الدموع لا تعيد الماضى ولا تصحح الحاضر ولا حتى تغير المستقبل
تركهم آدم وانصرف الى غرفة أخيه ليطمئن عليه فهذا هو الهدف من رجوعه
بينما فيروز طلبت من ندى أن تأخذ أسماء وتريها غرفتها ؛ أخذتها ندى وصعدت للأعلى وبالتالي لك يخلو الجو من حديث الفتيات المعتاد لتحصل ندى على أخت ثانيه
أختان لم تلدهم أمها ؛ من الصعب أن نعثر على أصدقاء لكن عند الفراق يصبح من السهل تفتيت أقوى السلاسل حتى وإن كانت سلاسل من حديد
انتهى اليوم بسلام دون أحداث مهمه تذكر ؛ البعض نام نوم هنيئا ناعمين بالدفء
والبعض الآخر أخذه الفكر فقذفه فى بحر من بحور التشتيت ؛ بخلاف آخرين الذين مازالو قلقين من المستقبل لكن تطفو فوقهم عبارة "سيستجيب " ثقه تجعلك تعيش دون خوف
فلو علمت ما أعده الله لك يا ابن آدم لبكيت فرحا
.........ٌ....
حسنا أيها الليل الطويل فلتترك الجميع ينعم بالهدوء قليلا علهم يستشعرون دفء وجمال الليل الخالى من الضوضأ
انقضى الليل سريعا فالهدوء لا يدوم كثيرا لتعلن الشمس عن سطوع آشعتها الذهبيه فيستيقظ النائمون ويذهب كلا إلى معاشهم
استيقظت لؤلؤة واستعدت للخروج والذهاب إلى الفيلا
أعدت الفطار وتركت أخيها ينعم بمزيد من النوم
بعد وقت قضته فى المواصلات وصلت أخيرا إلى الفيلا
التقت بندى فألقت عليها التحيه وفيروز التى هنئتها على عودة أخيها
دخلت إلى غرفة أيهم الذى ما إن رآها حتى تحولت عينيه إلى جمرتين تحرقين من يقع تحتهما ، انتابها شعور الخوف فتلك النظرات أعادت لها ذكريات تلك الأيام وكأنها ترى أمامها أيهم بنظراته التى اعتادت أن ينظر إليها بها فتصيبها قشعريره تسرى بجسدها وكأن أحد سكب عليها دلو ماء بارد هل عاد الوحش إلى حياته من جديد ؟ هل ساعدت فى إيقاظ أسد يتخذ الجميع فريسه له ؟
تركت هذه الأفكار على جنب وباشرت عملها المعتاد وكأنها لم ترى شىء ؛ وضعت تلك النظرات فى خانة " التهيؤات " فعادت لها البسمه من جديد
أتت فيروز وجلست معها داخل الغرفه شعرت وكأن لديها حديث تريد أن تحكيه لتقطع حبل التوتر والخجل قائله : قولى يا لؤلؤة اللى انتى عايزه تقوليه
استغربت منها فكيف علمت ما يجول بداخلها فقالت : أنا مبقتش أنفع ؛ أنا دكتورة لكن غير متخصصه والأستاذ أيهم محتاج دكتورة متخصصه خاصه بالعلاج الطبيعي عشان يقدر يتعافى
صمتت قليلا لننظر لها قائله : انتى مش موجوده هنا عشان تكونى متخصصه انتى موجوده عشان تساعدينا وصدقينى أيهم ابنى مش محتاج حد غيرك ؛ مفيش دكتور هيعمل اللى بتعمليه وكفايه انه فتح بفضلك بعد ربنا سبحانه وتعالى
شردت لؤلؤة فى كلامها تفكر به لتقطع فيروز حبل أفكارها قائله : مفيش داعى للتفكير كتير
تابعى حالته شهر كمان ولو مفيش تحسن تقدرى تمشى ومش همنعك
راقت لها فكرتها لكن لا تعلم بأن ما يدور بعقلها أكبر من ذالك ،لا تعلم بأنها لا تخطط لمجرد شهر
بل تخطط لفتره لا يعلم أجلها سوى من أعد لها
...............
مر أسبوع من الشهر دون أحداث جديده
أصبحت الثلاث فتيات كما الإخوه ؛ يجمعهم الضحك ، تقربهم الصلاه ، يجتمعون على حفظ كتاب الله ؛ يفرقهم النوم وكلمة " إلى اللقاء "
بدأ  أيهم التعود على وجود لؤلؤة فى حياته
لكن كلما تذكر "إسلام " يعود لحالة الغضب وكأنه وحش سائر تعدى أحد على إحدى ممتلكاته
ممتلكاته!!!! هل حقا هى كذالك أم أن حبه للتملك يسيطر عليه ؟
أما عن إسلام فقد التحق للعمل مع إحدى الشركات ليصبح مهندسا ضمن فريق المهندسين لديهم ؛ أخذت الطموح كل وقته ، فالحلم سهل لكن تحقيقه أصعب بكثير
فالذهاب إلى إحدى الطرق يأخذ طريق الذهاب وقت لكن عند العودة لن تشعر بالوقت
قد يأخد طريق العودة دقيقه او اثنتين بينما طريق الذهاب قد يأخذ منك عاما أو إثنين
وآدم الذى أقتصر وقته على متابعة أعمال الشركه فابتعد عن السهر والملاهى لكن هل حقا هو كذالك أم أنه يسير فى طريق أخطر؟
ندى.... أسماء
أخذتهم الأحلام فألقت بهم فى عالم الخيال بعيد كل البعد عن هذا الواقع المرير
الجميع تتخبط بعقولهم الأفكار بخلاف فيروز الذى يدور عقلها فى مكان آخر تماما ؛ تعد الترتيبات لتنفذ شىء بعقلها لكن ما هو رأى القدر فيما تعد له ؟
ترى هل ينصفها القدر ويؤيد ترتيباتها أم أن له ترتيبات أخرى ؟
........
كسر الأسبوع الثانى بأولى أيامه ليسطر هذا اليوم بقلم مختلف ذو حبر ساطع يشع ضوءا معلنا عن تميزه بما يحمله من مفاجآت
شعر أيهم بكم الشفقه التى يراها من حوله ؛ فقد ذاته بما يراه فى عيونهم ، ضاع غروره وأصبح كبريائه عرضه للحائط فلم يعد الشخص الذى كان عليه ، نظر لصورته على الحائط وكم العظمه التى تبدو عليه
إختلاف شديد بين الماضى والحاضر
ظن بأن له تحدى القدر والظروف ؛ حاول القيام من على ذالك الكرسى ؛ ضعف يعتريه فلم تقوى ساقه على حمله
سقط على الأرض ليهوى وجهه أرضا فيشعر بذل رهيب يخيم عليه ؛ لا يقدر على الوقوف ولا يقدر على العودة لذالك الكرسى
حتى أنه لايقوى على الصراخ طالبا المساعده
فى تلك الأثناء أتت لؤلؤة لتلقى حقيبتها أرضا وتذهب فى محاولة لمساعدته ؛ اتضح فرق الجثمان بينهما فلم تقوى على تحريكه
ذهبت سريعا تبحث عن أحد يساعدها فى أرجاء هذه الفيلا ولحسن حظه وحظها وجدت آدم ، ذهب هو الآخر مسرعا ليعلم ماذا يجرى
ذهل حين وجد أخاه بهذا الوضع كان من الصعب رؤيته هكذا
ساعده على الجلوس على كرسيه بقلب قلق من أن يكون حدث له مكروه بخلاف الأيهم الذى يشعر بالذل والمهانه فهذا هو آخر ما يتمناه المرء بل لا يتمنى المرء أن يحدث له هذا
استأذن آدم بالخروج واستأذن لؤلؤة بأن تخرج أيضا فهو يعلم بما يعانيه أخيه ففضل جعل الجو هادىء من حوله عله ينسى ما حدث
خرج الجميع وبقى وحده فى الغرفه ومازال يتطلع إلى الصورة القديمه متمنيا رجوع تلك الأيام ؛ شخصيته تأبى الإستسلام.... يرفض التمنى بل عليه أن يجلب لنفسه ما يتمناه
قرر وضع تلك المحاوله الفاشله على جنب
والمحاوله من جديد ، ترى هل تغلب الإرادة الطب ؟ وهل يقف القدر عاجزا أمام قلب ينزاع لأجل الرجوع ، عازما على الصمود ومبتعدا عن الإنحناء.
تكررت المحاولات وفى كل مرة يفشل فهل يأخذه فشله إلى اليأس ويودى به فى طريق الإستسلام ؟
مخطىء من ظن أن الفشل يجعل المرء يائسا
لا يتسلل اليأس إلى قلبك إلا سمحت له بذالك
لن يغلبك الفشل إلا إذا سمحت لذاتك بأن تقف عاجزة أمامه ، فخلف كل سقوط بداية وسقوط المطر خير بداية
علم أنه سينجح فهذا أول سقوط له خلال حياته فتذكر قول لؤلؤة حينما قالت له ' هناك مرة أولى لكل شىء " فقال محدثا نفسه : وهذا هو سقوطى الأول
ضيق عينيه ليتابع : السقوط الأول والأخير
إنها الإرادة والعزيمه ، الرغبه والإصرار
إذا تواجدوا جميعا يصبح من السهل الحصول على ما تريد
.............
جلسوا جميعا فى الصالون بقلق منتظرين الدخول إلى غرفة أيهم لتقول فيروز : الوضع ده مش هينفع يستمر كده أيهم هيأذى نفسه
ردت عليها أسماء بثقه ونبرة جديه تماما : طب ما تجربوا تسيبوه يعمل اللى هو عايزه يمكن إرادته تكون أقوى من عجزه
أيدت لؤلؤة كلامها لتضيف عليه قائله : بالظبط كده ؛ المريض فى الحاله اللى زى دى محتاج إرادة ؛ واحنا محتاجين إنه يتجاوب معانا
الإرادة بتكون أقوى من العجز ؛والأمل كفيل إنه يمحى أى ذرة يأس ، لو استمر معانا على الوضع ده وحاول أكثر من مرة هينجح وحتى لو منجحش الأمل اللى جواه هيساعدنا فى العلاج
دخلت ندى معهم فى الحديث لتقول : طب هنعمل ايه
أيدتها أسماء قائله : بالظبط هو دا السؤال
هنعمل ايه ؟
أشارت إليهم لؤلؤة فى كلامها بعدما وقفت أمامهم تشرح لهم طريقه التعامل معه : الأستاذ أيهم فى الحاله دى محتاج يحس إن كل اللى حواليه محتاجينه ومش مستغنين عنه
لأن ده هيخلى إرادته أقوى ونسبة رجوعه هتزيد
أستاذ آدم انت هتدخل كل يوم تتكلم معاه عن الشركه تقوله إن الشركه كويسه بس محتاجه رجوعه وعلى ما أعتقد إن شخصيه أستاذ أيهم شخصية تنافسيه فحسسه إن فيه منافس لكم ظهر ومحدش قادر يتعامل معاه
دا هيديه دفعه إنه يرجع
ندى...... أسماء انتو بقى كل يوم هتدخلو تتكلمو مع بعض قدامه وتحسسو فى كلامكم إنكم منتظرين رجوعه
قالت أسماء : بس هو ميعرفنيش
تابعت لؤلؤة : مفيش داعى إنه يكون عارفك
هو هياخد عنك انطباع انك صديقة ندى
ولما هيلاقى اخته بتتكلم عنه قدام صاحبتها بالطريقه دى معنى كده انها محتجاه جنبها
مدام فيروز انتى كل يوم هتدخلى تتكلميه بصفتك والدته اللى مفتقده ابنك واعتقد إن تأثير الأم هيكون أقوى
أما دورى أنا فطبعا الكل عارف اللى حصل بينى وبينه فى المحكمة وتقريبا أنا من ألد أعدائه فلما أظهر له بضع كلمات تدل على الشماته هيديه دافع إنه يخالف توقعاتى ويقوم
تطلعت إليهم جميعا لتقول : كده كل واحد عرف دوره ؛ مستعدين ؟؟
أومأو جميعا رؤسهم كدليل على الموافقه ليقول آدم مستفهما : هنبدأ وقتيه ؟
قالت محذره إياهم : ممنوع أى حد يدخل له دلوقتى لأنه دلوقتى هيكون مضايق من المحاوله الفاشله اللى حصلت له ومش هنلاقى أى إستجابه منه ؛ الأفضل نبدأ بكره إن شاء الله
أعقبت ندى على كلامها قائله : وإن شاء الله هيرجع الأيهم
أومأت لها لؤلؤة ببسمه لينطلق كل منهم يستعد لمهمته

رواية شريفه فى غابة الأسود
بقلم ندى عماد
الماسه اللامعه
 

شريفة فى غابة الأسود Where stories live. Discover now