الرهان

38 5 2
                                    


سارت أميليا نحو الدهليز بهدوء، عادت نحو غرفتها وبدلت ملابسها بنفسها، ثم أخذت حماماً، وما هي إلا لحظات حتى فتح باب غرفتها ودخلت الملكة تضرب بمروحتها كفها، عيناها تلمعان بالانتصار رغم محاولتها كبت ابتسامتها والتصرف برزانة إلا أن ذلك لم يخفي الهالة الشريرة المحيطة بها. فردت مروحتها وغطت ثغرها بها، عيناها الحادتين تحدقان بأميليا بكل ثقة:

- هل ما سمعته صحيح؟

أخذت أميليا تجفف شعرها بلا اهتمام، صمت لبعض الوقت قبل أن يخرج صوتها البارد:

- يبدو أن الأخبار تنتشر سريعاً.

ثم نظرت نحو الملكة التي لا تزال تحدق فيها تكاد عيناها تأكلها، وابتسمت ابتسامة خافتة أظهرت احتقارها ما جعل الملكة تقوس حاجبيها بغضب، ووجهت مروحتها نحوها وصرخت:

- هل تظنين أنني صأصفح لكِ عما فعلته بخادمة القصر؟

- أوه! إذاً تلك كانت خادمة للقصر!

نبرتها الساخرة جعلت أطراف الملكة تهتز من الغضب، وما إن وجدت نفسها تفقد السيطرة حتى أخذت نفساً عميقاً وعادت تغطي وجهها بالمروحة، ثم قالت بهدوء:

- أخبريني سمو الأميرة، ما الذي يجعلكِ عدوانية مع وصيفتكِ الجديدة؟

نظرت أميليا في الملكة لوهلة ثم أخفضت نظراتها في محاولة لإخفاء ابتسامة ساخرة، ثم عادت تنظر نحو الملكة بجدية، وقالت بحزم:

- أريد وصيفتي!

خرجت من الملكة تنهيدة ساخرة، ثم سألت باستفزاز:

- هل تشعرين بالوحدة الآن؟

- وهل أبدو لكِ كذلك؟

- ألست على صواب؟

فابتسمت أميليا ابتسامة خافتة وقالت:

- أجل، وهل يمكن لصاحبة الجلالة أن تخطئ؟

قطبت الملكة حاجبيها، وصرخت في نفسها:

"يا لتلك الوقحة!"

ثم هزت يدها في إشارة لإدخال الشابة الصغيرة والتي كبلت ذراعيها ووضعت بين أسنانها قطعة قماش، ما إن رأت الفتاة سيدتها على جحظت عيناها على واسعها، ووجها بدا متسخاً وملابسها أصبحت رثة، وقفت أميليا مكانها متجمدة لوهلة، لا تصدق ما تراه عينيها. خرجت ابتسامة خبيثة من الملكة التي تابعت:

- هل هذه وصيفتك؟

سؤالها ليس سوا احتقار للفتاة وكأنها كأي شيء بالٍ، لم تستطع أميليا أن تصمت عنه، فخرج صوتها حاداً:

- أريد أن أتكلم مع الملك!

شدت نبرتها الجميع، عيناها الناعستين تحدقان بالملكة، لكنها لم تكن تلك النظرات الباردة، إنما أبرقت عيناها بوميض حازم، لم يتوقع أحدٌ أن تتغير ملامح تلك الدمية الجليدية مطلقاً، ولكن من أجل وصيفتها ستفعل المستحيل.


- هل أنتِ غاضبة؟

تساءلت الملكة باستعباط، فتركت أميليا منشفتها على السرير وتقدمت نحو الملكة بخطوات ثابتة، عيناها لا تنزاح عنها، شعرت الملكة بلسعة من الجليد تدخل جسدها، لوهلة تجمدت مكانها وأصبح الهواء حولها ثقيلاً، الهالة التي تحيط أميليا تزداد شراسة، ومع اقترابها نحوها يزداد ضغط الهواء حولها. ما إن تقدمت خطوة أخرى حتى صرخت الملكة ودخل على إثرها الحرس الملكي وحوط أميليا من جميع الجهات، توقفت أميليا مكانها وارتخت ملامح الملكة وعادت تنظر نحوها بخبث وثقة، ثم سألت:

- ذكريني بمن كنتِ ستطلبين المساعدة؟

لم تكترث أميليا لنظرات الاستهزاء التي تلتهمها، ولكنها وجهت نظراتها نحو وصيفتها التي ستنهار من الذعر، عيناها تتلألآن تحبس دموعها بكل ما أوتيت من قوة. مضت دقائق معدودة، مع كل دقيقة تشعر أميليا بعقلها من يتضخم من هول التفكير، ثم نظرت نحو الملكة بكل ثقة، وقالت:

- صاحبة الجلالة، لمَ لا نعقد صفقة؟


هزت الملكة المروحة، وهتفت ساخرة:

- صفقة؟ معي أنا؟

- أجل.

ابتسمت وقالت بهدوء:

- سمو الجلالة تريد معاقبتي على سوء تصرفي تجاه خادمة القصر، أليس كذلك؟

نظرت الملكة نحوها بدهشة ثم أشاحت وجهها بعدم اهتمام، ثم قالت:

- و؟

ابتسمت أميليا في سرها، تعرف تماماً ما تريده صاحبة الجلالة، فأردفت بهدوء:

- سأمتنع عن الطعام والشراب لمدة أسبوع، في المقابل ستعيدين لي وصيفتي!

نظر الحرس نحوها بدهشة، حتى وصيفتها المقيدة حاولت المقاومة في محاولة لإيقاف سيدتها، لكن ذلك أثار اهتمام الملكة فنظرت 

نحوها بعينين منتصرتين، وتقدمت نحوها ببطئ، ثم أمسكت وجهها بأناملها وابتسمت:

- أتعنين ذلك حقاً؟!

- وهل أبدو لصاحبة الجلالة غير ذلك!

اضيقت عينا الملكة بشيء من الشك، ثم ابتعدت عنها وحركت مروحتها بلامبالاة:

- هاه، ستموتين قبل ذلك على أية حال!

- لكنها لا تزال صفقة جيدة!

نظر الجميع نحو مصدر الصوت بدهشة، صوت فتي أتى من اللامكان، ثم دخل شاب يافع يمكن أن يكون بعمر الفتاة المقيدة، متأنق، ملابسه المهندمة تعكس مكانته عند سيده، ابتسم ابتسامة لائقة جعلته يبدو أكثر وسامة، نظر نحو الملكة التي أزاحت عن وجهها المروحة إثر الدهشة، وقال بمرح:


- ألا توافقني صاحبة الجلالة؟

أشاحت الملكلة رأسها بضيق ثم خرج صوتها مخنوقاً:

- بلـ ... ى!

فنظر الشاب نحو أميليا، وقال مبتسماً:

- إذاً لنقل أنه تم الاتفاق!

انحنى بأدب ثم خرج، عضت الملكة على أسنانها، نظرت نحو أميليا بغضب، ثم صرخت:

- ستندمين على ذلك!

ثم همت بخطوات عصبية تعكس مدى استياءها، وخرجت تبعها الحرس يجرون الفتاة الصغيرة معهم، وصفق الباب بقوة.

...

أميري اللطيف - My Lovely PrinceWhere stories live. Discover now