لا أحتاجها!

24 2 0
                                    


في غرفتها، تقف بجانب النافذة، حيث السكون يستحوذ الأجواء، تنير الغرفة أشعة الشمس الصباحية المغسولة براحة الندى، لتطفي جواً من الصفاء والنقاء، بينما تنظر بهدوء نحو بوابة القصر التي تفتح بهدوء بقطعتيها المعدنيتين الشاهقتين، كوحش يتثائب بعد استيقاظه من سباته الطويل، تمر عبره عربة صغيرة تبدو كحشرة عائمة تحاول الهروب.

- يبدو أنهم تخلصوا من تلك الخادمة سموك.

انحنت ماشا، وأعلنت لسيدتها التي لا تزال متسمرة مكانها:

- خطة سموك في التخلص منها نجحت بالفعل.

- بالتأكيد ستنجح.

خرج صوتها البارد كالجليد:

- إنها استراتيجية، بالتأكيد ستنجح.

- سموك

خرج صوت وصيفتها بشيء من الخوف والتردد:

- هل ستكون سموك على ما يرام؟

ظهر على وجهها شبح ابتسامة، عيناها اتجهتا نحو تلك البقعة السوداء الواقفة أمام بوابة القصر، تلك البقعة السوداء لم تكن إلا لجسد إيلان، اليد اليمنى لسمو الأمير. خرج صوتها هامساً:

- سأكون على ما يرام.

ثم أغلقت الستائر لتغلق نافذتها، واتجهت نحو مرآتها، وأخذت تبحث بين أغراضها لتخرج كتاباً صغيراً، التفت ماشا نحو الجارور، لتجد كومة مرعبة من الكتب الصغيرة، وقبل أن تصدق ما تراه أغلقت أميليا الجارور وهمت نحو سريرها، واستلقت لتقرأ بهدوء.- سموك.

هتفت ماشا بفزع:

- ما الذي تفعله هذه الكتب هنا؟

لم تجبها واستمرت بالتركيز بالكتاب الصغير بين يديها، فصرخت:

- لكنكِ أخبرتني ألا نثق بأحد هنا!

رفعت أميليا نظراتها عن الكتاب، لكنها لم تواجها بنظراتها، هدوءها وبرودة ردة فعلها جعلتها ترتجف من الخوف، لتغطي ثغرها بيدها، وقالت بنبرة مرتجفة:

- سموك ...

قاطعتها بهدوء:

- ألا تثقين بي؟

ثم حولت نظراتها نحوها، لتتراجع ماشا بخطوتين إلى الوراء قبل أن تتلعثم:

- سيدتي ... أنا ...

- إنها هدية من والدتي، أخبرتني أنني سأحتاجها، كما أنها كانت محقة.

سقطت ماشا على الأرض، وأخذت تجهش بالبكاء، ثم صرخت:

- سيدتي، رجاء اعفي قلبي، رجاءً

رفعت أميليا حاجبها بدهشة، ثم قالت ببرودها المعتاد:

- ولمَ تظنين أنني سبب المتاعب؟ ألسنا كلانا على نفس المركب؟

توقفت ماشا عن البكاء، ثم رفعت رأسها، عيناها مشدوهتان على واسعها، لتخرج كلمات أميليا كسيف قاتل:

- هل تريدين المغادرة؟

ارتجفت شفتيها، تعلم تماماً أنها قطعت على صاحبة الجلالة أن تقف بجانب سمو الأميرة مهما كانت الظروف، حتى لو عادت إلى القصر فالموت سيلاحقها، لن تصمت صاحبة الجلالة عن عودتها بهذا الشكل وترك ابنتها في هذا الوكر القذر، ستقطع رأسها لا محالة، الجميع تخلى عن سيدتها فكيف أمكنها التفكير في التخلي عنها أيضاً! ذلك حتماً لا يغتفر!

- سيدتي ... أنا ...

كررت:

- هل تريدين المغادرة؟

أخفضت رأسها، وهمست:

- كيف يمكنني المغادرة بعد إنقاذ سموك حياتي!

- هذه ليست الإجابة الصحيحة.

حرج صوتها بحزم، وكررت:

- هل ... تريدين ... المغادرة؟

- لا، مولاتي.

بدا أن إجابتها لم تعجب أميليا، فأشاحت وجهها عنها باشمئزاز، وقالت باستحقار:

- لكنني لا أستطيع التعامل مع نوبات ذعرك هذه.

فأخذت ماشا تتوسل:

- أعد سموك، أعد سموك بأنني سأتعامل معها.

- غادري.

نظرت ماشا نحوها بدهشة يمتزجها الذعر، وخرجت الكلمات من شفتيها بتلقائية:

- مولاتي!

صمتت لبضع ثوانٍ، ثم وجهت نظراتها المتعالية نحوها، وقالت ببرود:

- من لا يحتمل الوقوف بجانبي لا أحتاجه.

- مولاتي!

- غادري، سأرسل طلباً لمغادرتك.

- مولاتي! أرجوكي مولاتي! لا تفعلي!

أخذت تصرخ متوسلة، حين دخل الحرس الغرفة، نظرت ماشا نحوهم بعينيها المنفختين بالدموع، حين قال أحد الحارسين:

- جئنا في طلب سموك.

شهقت ماشا من المفاجأة، كان ذلك سريعاً، فأخذت تتجه نحو سيدتها وتتوسل:

- أتوسل إليكِ سيدتي، أرجوكي، امنحيني فرصة هذه المرة، فرصة واحدة، مولاتي!

- أخرجوها من هنا!

- مولاتي! أرجوكي!

احتار الحرس في أمرهم، حاولوا الإمساك بها لكنها أخذت تقاوم، وتصرخ باكية:

- مولاتي! مولاتي! أرجوكي!

لكنها استمرت في تجنبها، أشاحت نظرها عنها، واستمرت ماشا بالتوسل والبكاء، حتى خارت قواها، وسحبها الحرس خارج الغرفة، ما إن عادت الغرفة إلى هدوءها، حتى أخفضت أميليا رأسها على ركبتها بحزن.

...

أميري اللطيف - My Lovely PrinceWhere stories live. Discover now