المحاضرة الرابعة

86 13 0
                                    

كنت منكبًا برأسي على الطاولة قبالي، أرتقب أن يحين دوري كي يسألني الأستاذ مازن، فهو قد أقام اختبارًا شفهيًا لأجلنا وأكد علينا أن ندرس لأجله جيدًا، الأستاذ مازن من تلك الجهة لا يمزح حقًا رغمًا عن شخصيته المرحة، فهو يحبذ لو يكون صفه الأول على الدوام.

ما أن انتهى الأستاذ من الطالب الذي يسبقني في القائمة أشار لي بأنامله كي أستقيم، وأنا على الفور أقمت عودي مترقبًا إياه أن يسألني، وهو على الفور سأل بعدما أسرف في دراسة ملامح وجهي:

«من هو الناقد جون درايدن؟»

أجبت مباشرة:

«كاتب إنجليزي لامع من كتّاب عصر عودة الملكية، وُلد في نورثامبتونشاير، وتلقى دراسته بكلية ترينيتي بجامعة كامبردج، ولكنه لم يبدأ الكتابة إلا بعد أن تحوَّل إلى لندن في أواخر الخمسينيات من القرن السابع عشر. برع درايدن بوصفه شاعرًا مسرحيًا، وناقدًا أدبيًا. وتأسيسًا على معتقدات درايدن فهو تناول في كتاباته القضايا الكبيرة ذات الأبعاد الاجتماعية والسياسية والإنسانية.»

همهم الأستاذ قائلًا:

«إذًا عرفنا من زميلكم عن مسيرة الناقد الإنجليزي وعن كون كتابته اقتصرت على الشعر والمسرح والنقد.»
وما أن أنهى حديثه التف لي آمرًا:

«حدثني عن أهم أعماله، وإنجازاته.»

«كتب درايدن كثيرًا في مجال النقد الأدبي؛ فقد ركز على هذا الأمر كثيرًا وتمثلت أهم وأفضل أعماله في هذا المجال «مقال حول الشعر المسرحي» والذي نُشر في عام ألف وستمائة وثمانية وستين ميلاديًا، والذي عبر فيه عن إعجابه الكبير بشكسبير، ونُشرت في عام ألف وسبعمائة مقدمته التي كتبها توطئة لمجموعة من القصص الأسطورية. كما أن لديه الكثير من الأعمال التي لا تختص النقد الأدبي كذلك «كله من أجل الحب» والتي تُعد من أشهر مسرحياته، ولديه الكثير من الكتابات التي تختص بالشعر والقصائد. وأيضًا لدى درايدن العديد من الإنجازات منها أنه أول من تقلد منصب شاعر البلاط الملكي في سنة ألف وستمائة وثمانية وستين، وفي عام ألف وستمائة وسبعين تولى منصب المؤرخ الملكي.»

كانت تلك إجابتي بعدما أومأت موافقًا على حديثه الذي أبدى فيه نبرة الجدية.

تهلل وجهه بعد موجة طويلة من الجدية لافظًا:
«أحسنت للغاية، أرجو لك دوام التفوق.»

وبعدما أشر لي بالجلوس ارتخى جثماني براحة في كرسي بعدما نهش التوتر فيّ كضبع ثائر حصَّل فريسته وردعها عن الفرار.

أبصرت الأستاذ ينصرف نحو الشخص الذي يليني في القائمة طالبًا منه بصوتٍ تلجلج في القاعة بكاملها:
«حدثني عن سيرة الناقد الإنجليزي وليم هازلت.»
رأيت جسد ذلك الطالب يستقيم ونبرته خرجت مهتزة للأستاذ، وأنا حتمًا لن ألومه؛ فحال الأستاذ الصلد حاليًا سيتجلى للجميع مُفزعًا.

«وليم هازلت هو كاتب إنجليزي، وناقد درامي وأدبي، ورسام، ومعلق اجتماعي، وفيلسوف. التحق بجامعة غلاسكو (حيث درّسه آدم سميث) ويعتبر وليم هازلت الآن أحد أعظم النقاد وكتاب المقالات في تاريخ اللغة الإنجليزية إلى جانب صمويل جونسون، وجورج أورويل. مثلما يُعد أفضل ناقد فني في عصره. لكن على الرغم من مكانته المرموقة بين مؤرخي الأدب والفن، فأعماله في الوقت الحالي قليلة القراءة ومعظمها غير مطبوع.»

أومأ الأستاذ مازن للطالب بغير رضا تقريبًا؛ فنبرته المتلجلجة جعلته يعرض معلوماته بسبلٍ متفرقة ومتباعدة متشتتة؛ لذا اكتفَ من معلوماته وأشر له بالجلوس بعدما شكره.

«أيمكن لأحدكم أن يسرد لي أعمال الناقد وليم هازلت.»
كانوا قلة من رفعوا يدهم لأجل الإجابة، وكنت منهم؛ ولكون الأستاذ أقرب لمقعدي فحثني على النهوض دونًا عن بقية الجمع.

«لدى هازلت الكثير من الأعمال أشهرها كتابه «مهمة الناقد» ولأن أسلوب مقالاته امتاز بالوضوح والصفاء فجُمعت في كتب أشهرها «شخصيات مسرحيات وليم شكسبير» و«محاضرات عن الشعراء الإنجليز» و«حديث المائدة» و«روح العصر» ولديه العديد من الإنجازات كما تلقيبه بالناقد الأفضل في عصره، واصطفافه في قائمة أفضل النقّاد الإنجليز.»

برزت بسمة المحاضر على شفتيه قائلًا:
«أحسنت بإمكانك معاودة الجلوس.»
زفرت بخجلٍ وربضت في مقعدي عندما وعيت أنني أنهيت حديثي منذ وهلة ولم أجلس بعد.
«ولأن مهلة المحاضرة شارفت على الانتهاء سأقص عليكم إحدى مقولات هازلت والتي أحبذها عن دون جميع مقولاته.»

كظم فاهه وامتنع عن إخراج الحديث لوقتٍ ثم قال:
«نحن نشبه كثيرًا ما يعتقده الآخرون عنا، إن استقبال ملاحظات الآخرين يُكملنا، يُعطينا الشجاعة للمضي قدمًا، أو يقلل من جهودنا.»
وما أن أنهى الأستاذ مقولة هازلت حان الوقت لتفسيرها.

«وهنا كان مقصد هازلت أن النصحية يتغاير تأثيرها حسب وسيلة عرضها، فلرب نصيحة تُعرض بأسلوب حسن ستدفعك للمضي قدمًا، ولرب ذات النصيحة ستُقص مع أسلوب رديء ستجعلك تركز في مقبعك دون تقدم، أو لربما ستردعك لأشواط للخلف؛ وعبر تفسير آخر سنجد أن الكاتب قد يقصد أن الملاحظات على اختلاف أنواعها قد يتقبلها البعض، أو ينزعج منها البعض وإن كانت بناءة. وفي الختام أنا أعتقد أن الأمر بكامله يرتكز على أسلوب تقديم النصيحة.»
وهنا تنتهي محاضرتنا الرابعة.

كان معكم الطالب المجتهد آريسفيا. (;
دمتم بودٍ، فريق النقد يحبكم.

-ويكيبيديا: وليم هازلت.
-ويكيبيديا: جون درايدن.
-موسوعة مقولة: أقوال وليم هازلت.

مقبع النقادWhere stories live. Discover now