المحاضرة التاسعة

58 7 0
                                    

حرك نظارته الجديدة أمام أنفه بضيق؛ كونه مازال لم يعتد عليها، ثم دار بنظره للجمع الحافل الذي احتل كل مقاعد القاعة، اليوم سيكون مميزًا.

حمل الكتاب بين يديه، وأجاب للمرة المئة أن اسمه «مقبع النقاد» وما إن أوضح أن موضوع محاضرته عن النقاد، حتى تسارعت الأفكار في رأسي وارتفعت يدي من تلقاء نفسها بحماس.

ابتسم برضىً وقال:
«يبدو أنكِ جديدة هنا» لأهز رأسي وأضم ذراعي اليمنى باليسرى وأزيح رأسي أسود الشعر جانبًا.

«لم رفعتِ يدكِ؟ ألديكِ ما تخبريننا به؟» سأل لأهز رأسي موافقة مجددًا ثم أصمت لبرهة، ما الذي أقحمت نفسي فيه؟

طال صمتي قبل أن أرفع صوتي قليلًا:
«عندما أسمع بكلمة ناقد، يترائى إلي وجهان» ثم أخذت أنظر لمن حولي برهبة.
«ومن هما صاحبي الوجهين؟» سأل ومازالت الابتسامة لا تفارق ثغره.

«عملاق الفكر الأدبي عباس محمود العقاد والناقد الأديب شكري محمد عياد» أجبت فسيطر الصمت علي مجددًا.

ارتفع صوت الهمهمات بين الطلاب، فقد كان معظمهم يعرفونه، ومن لا يعرفونه يسألون البقية.

«وهل لديكِ معلوماتٌ عنهما؟» سأل مجددًا بصبر.

«أجل بالتأكيد، أيمكنني التحدث عنهما؟» سألت وبنيتاي تتألقان حماسًا لتلتمع خضراوتاه لذلك، وأجاب موافقًا لأستجمع شجاعتي وأسترسل في الكلام:
«عباس محمود العقاد هو أديب ومفكر صحفي وشاعر مصري، وهو عضو في مجمع اللغة العربية، لم يتوقف إنتاجه الأدبي بالرغم من الظروف القاسية التي مر بها، ويعد العقاد أحد أهم كتاب القرن العشرين في مصر، وقد ساهم بشكل كبير في الحياة الأدبية والسياسية، وأضاف للمكتبة العربية أكثر من مائة كتاب في مختلف المجالات، نجح العقاد في الصحافة، ويرجع ذلك إلى ثقافته الموسوعية...»

أجفلني أحد زملائي بسؤاله مقاطعًا:
«كيف تكون ثقافته موسوعية؟»

توترت للحظة وتسمرت مكاني، ولاحظ أستاذي ذلك  فأجاب الطالب قائلًا:
« ثقافته الموسوعية تعني، شمولية ثقافته فقد كان عباس محمود العقاد يكتب شعرًا ونثرًا على السواء، وظل معروفًا عنه أنه موسوعي المعرفة، يقرأ في التاريخ الإنساني والفلسفة والأدب وعلم الاجتماع وعلم النفس»

ثم ابتسم لي وهو يحثني على المواصلة.

«ولد العقاد في أسوان في (29 شوال 1306 هـ - 28 يونيو 1889)، لأب مصري وأم من أصول كردية.
اقتصرت دراسته على المرحلة الابتدائية فقط فدرس في مدرسة أسوان الأميرية؛ لعدم توافر المدارس الحديثة في محافظة أسوان، حيث ولد ونشأ هناك، كما أن موارد أسرته المحدودة لم تتمكن من إرساله إلى القاهرة كما يفعل الأعيان. واعتمد العقاد فقط على ذكائه الحاد وصبره على التعلم والمعرفة حتى أصبح صاحب ثقافة موسوعية لا تضاهى أبدًا، ليس بالعلوم العربية فقط وإنما العلوم الغربية أيضًا؛ حيث أتقن اللغة الإنجليزية من مخالطته للأجانب من السائحين المتوافدين لمحافظتي الأقصر وأسوان، مما مكنه من القراءة والإطلاع على الثقافات البعيدة.»

مقبع النقادحيث تعيش القصص. اكتشف الآن