المحاضرة الخامسة

78 14 5
                                    

طرقت الأرضية الخشبية بحذائي، أسترجع معلوماتي كرة تلو أخرى، معلوماتي فعليًا جاهزة، كاملة وتامة وسليمة، لكن فقط ما يشكل رادعًا لي ويعرقل معلوماتي هو تخلفي عن الموعد الرسمي للمحاضرة بنصف ساعة تقريبًا؛ لذا ها هو التوتر يلتهمني بتريث كرة أخرى.

ما أن ولجت الفصل حتى رأيت الأستاذ مازن بهيكله متوسط الطول يصطف وإزاءه طالب آخر، وحينما لمحني قال بشدهة:

«مرحبًا! ظننتكِ ستتغيبين!»

كانت قدميّ تحبو على الأرضية بتقاعس متوتر قليلًا، لا أعتقد أن الأستاذ مازن سيمانع التأخر، لكن حسب ذريعته، وأنا ذريعة تخلفي الإسهاب في النوم.

تلو ذلك كان لنا حوارًا بسيطًا أختتم باتفاقية عرضي لنصف المعلومات والطالب الآخر سيعرض النصف الآخر.

ولكون ذاك الطالب هو من سيبدأ في البداية أرخيت جسدي وخففت من توتري كثيرًا أنصت للأستاذ الذي شرع يقدم موضوع اليوم وموضوع ذلك الطالب قائلًا:

«اليوم سنتحدث عن نقاد من بلاد الوله والتيم، وما لنا بالتأكيد سوى فرنسا. في البداية سيتناول زميلكم هنا سيرة الناقد شارل أوغستان سانت، والمتأخرة الأخرى ستتحدث عن رولان بارت.»

زفرت بخجل أونما أشر علي في ختام حديثه، لكن قاطع حيائي المرتكز بجوفي صوت الطالب حينما لفظ:

«شارل أوغستان سانت هو كاتب وناقد فرنسي وُلد في بولوني سور مير في الثالث والعشرون من ديسمبر في عام ألف وثمانمائة وأربعة. درس البلاغة والفلسفة، ثم شرع في دراسة الطب لكنه لم ينهي دراسته. كما عمل صحفيًا في صحيفة غلوب. كتب العديد من الدراسات التي كان لها تأثير مهم في تاريخ النقد الأدبي ونشر العديد من النصوص النقدية.»

توقف قليلًا بعدما أنهى سيرة الكاتب المهنية، ولكونه يعلم كيف تسير المحاضرة أكمل بعدها أعمال الكاتب وإنجازاته سريعًا دون تنبيه الأستاذ مازن لافظًا:

«وفي عام ألف وثمانمائة وثمانية وعشرين، قام بنشر كتابه الأول اللوحة التاريخية والنقدية للشعر والمسرح الفرنسي في القرن السادس عشر، ثم أتبعه بكتابٍ آخر، كان مزيجًا من الشعر والنثر تحت عنوان حياة وأشعار وأفكار جوزيف ديلورم، وديوان شعر بعنوان المواساة، والذي لم يُكتب له النجاح الكبير مثله مثل سيرته الذاتية. ثم قرر بعد ذلك التفرغ للدراسات النقدية الأدبية.»

تريث يختلس من الهواء البعض فيشكله كرة شهيقًا، وكرة زفيرًا، وبعد ذلك قال:

«كما حاز شارل أوغستان سانت على عدة جوائز أبزهما جائزة المنافسة العامة، ووسام جوقة الشرف من رتبة فارس.»

وبعدما تقيأ جميع معلوماته بلا ترك شفا معلومة واحدة في زوايا عقله نال التصفيق الغمير من الطلاب، والشكر من الأستاذ مازن الذي أكد على سلامة معلوماته ووعده بدرجاتٍ تفيض عن العادي، وأنا كنت شبه حاقدة، فقط قليلًا، فأنا كنت أفقه عن كلا الناقدين بالفعل، لكن تأخري ردعني عن حصد درجات إضافية، وهذا قطعًا ذريعته رُقادي المُسهب.

تقدمت بعدما طلب مني الأستاذ مازن أن أفعل، وعاد الآخر للمدرج كي يجلس ويشاهدني أعرض معلوماتي.

«يمكنكِ البدء الآن، عرفينا على رولان بارت آنسة متقاعسة»

همهمت بحياء ما أن ضحك الطلاب على اللقب الذي أطلقه الأستاذ مازن علي وبدأت سريعًا.

«رولان بارت هو فيلسوف فرنسي، ناقد أدبي، دلالي، ومنظر اجتماعي. وُلد في الثاني عشر من نوفمبر من عام ألف وتسعمائة وخمسة عشرة، في شربور. ونال شهادة في الدراسات الكلاسيكية من جامعة السوريون، ودرس في بوخارست، ومصر، وأصبح أستاذًا للسميولوجيا في عام ألف وتسعمائة وستة وسبعين في الكولج دي فرانس.»

«كما أن رولان أثر في تطور مدارس عدة كالبنيوية والماركسية وما بعد البنيوية والوجودية، بالإضافة إلى تأثيره في تطور علم الدلالة.

وتتوزّع أعمال رولان بارت بين البنيوية وما بعد البنيوية، فلقد انصرف عن الأولى ذاهبًا للثانية رفقة العديد من فلاسفة عصره ومدرسته. كما أنه يعتبر من الأعلام الكبار -إلى جانب كل من ميشيل فوكو وجاك دريدا وغيرهم- في التيار الفكري المسمّى ما بعد الحداثة.»

استوقفت حديثي قليلًا استذكر ما غلفت عن ذكره، وأونما خطر لي سيرة أعماله في عقلي لفظت بعجلة:

«ومن أعماله «الكتابة في درجة الصفر» «وسيطرة الدلالات» و«ضوضاء اللغة» والكثير دونهم، والذي سينقضي اليوم لو ذكرناهم»

والجملة الأخيرة كانت مجازًا، فهو يملك الكثير من الأعمال بالفعل، لكن لا أذكر سوى ما ذكرتهم فحسب.

همهم لي الأستاذ بعد ذلك ثم سألني إن كنت أملك ما أود قوله دون ذلك؛ لذا نفيت الأمر سريعًا وعدت لمجلسي، ذلك قطعًا بعد الاعتذار المكثف منه حول تأخري، وتقاعسي، ولكنني قُوبلت ببعض النكات وطلبٍ بعدم التأخر كرة أخرى.

وعندما عدت لمقعدي سمعته يسأل الطلاب إن كان أحدهم على معرفة ببعض مقولات رولان بارت أو شارل أوغستان سانت، وقد حدث ورفع العديد أياديهم بالفعل، لكنه همهم وقال هو:

«اللغة ليست زادًا من المواد، بقدر ما هي أفق.»

تروى فيه الطلاب بشده قليلًا لتلك الجملة التي لفظها بغتة؛ لكنه فسر ذلك بقول:

«إنها أحد مقولات رولان بارت، والتي وضح وأبان فيها قدر اللغة وأهميتها، فاللغات ليست زادًا من المواد أو للمواد، وإنما هي أفق آخر، جزء آخر له أهميته واعتباره، بل تكاد تغدو أهم عناصر الأدب، فكمال اللغة والاكتراث بها قطعًا أفضل ما يزين الأدب، دون ذلك فاللغة بمعانيها، نحوها، بلاغتها،  وكل ركن بها حرفيًا له متعة خاصة ورونق مغاير، وتحديدًا لغتنا العربية.»

وبهذا تنتهي محاضرة اليوم أيضًا، هل أستفدتم منها؟ رجعت عليكم براجعة ما؟ أخبرونا رجاء.

كانت معكم العضو آريسفيا، دمتم بودٍ.

المراجع:

-ويكيبيديا: شارل أوغستان سانت.
-ويكيبديا: رولان بارت.
-المعرفة: رولان بارت.

مقبع النقادWhere stories live. Discover now