المحاضرة السابعة

54 10 0
                                    


عدل نظاراته الجديدة وهو يطالع كتابًا بنيًا زُخرف بحروفٍ ذهبية، يبدو أن نظاراته القديمة قد كُسرت وإلا لن يلمسها كل ثانية بهذه الطريقة.

تحدثتُ تعبيرًا عن فضولي لأسأل عن سبب ابتسامة أستاذي الذي يتأمل الكتاب منذ سنة ضوئية، ليلتفت صاحب الخضراوان ويزيد اتساع ابتسامته مجيبًا بكون الكتاب يدعی «مقبع النقاد» وهو الذي سيستلهم منه الدرس لهذا اليوم.

لمعت عيناي بفضول كبير منتظرًا أن يتكلم أستاذي عن محتوی صفحات هذا الكتاب.

عندها توجه الأستاذ لمنتصف القاعة وتكلم قائلًا: «هو ليس جديدًا عليكم، إنه الكتاب الذي تكلم عنه العديد طيلة الأفصل الماضية لكن بحلة جديدة، سنتكلم اليوم من خلاله عن ناقدين عراقيين فهل من متحمسين؟»

أردت أن أقفز من شدة الحماس؛ فبالتأكيد سيذكر ناقدي المفضل، بينما الآخرون يتململون في مكانهم، إلی أن جذب صوت الأستاذ العذب تركيزهم إليه بطرحه السؤال الأول الذي تبدأ به كل رحلاتهم: «هل سمع أحدكم بالناقد جميل أحمد الكاظمي؟»

زاد حماسي ليخرج عبر شفاهي كلماتٍ علا صوتي بها مجيبًا الأستاذ: «أجل أعلم، أنه ولد في الكاظمية وتعلم قرآءة القرآن والكتابة فيها ثم دخل مدرسة الإتحاد والترقي الأهلية وتعلم فيها الفارسية والتركية وبعض من الفرنسية بعدها بسنتين»

«أحسنت!» أجابني بنبرة تمتلئ بالإعجاب، ليكمل ما بدأه وهو يراقب أعين الطلاب المعلقة به: «ليس هذا وحسب، بل أنه عمل في أعمال تجارية بعد وفاة والده، كما أنه زاول الصحافة، وفي النقد الأدبي تصدی لنقد ديوان رضا الشبيبي فنشر عنه 41 مقال في جريدة النصر البغدادية.»

عندها رفعت يدي بسرعة لأطلب من الأستاذ أن يخبرنا بأعمال يمكننا قراءتها للناقد، ولم يتردد أستاذنا في اقتراحه لعدة أعمال كان من بينها «ديوانه الكبير، آيات الحق، البوارق، الخمر والكأس في شعر أبو النواس.»

و بعد أن سجلتها في دفتري، ترددت قليلًا قبل أن أطلب منه أن أتكلم عن ناقدي المفضل، وكانت سعادتي لا توصف حين وافق الأستاذ.

فتكلمت بحماسٍ كبير أمام زملائي عن ناقد بعدة معلومات أبرزها: «أنه المفضل جلال الخياط من مواليد 1932 وقد أكمل دراسته في مدينته الحبيبة الموصل، ثم انتقل لدار المعلمين العالية ببغداد وتخرج منها سنة 1955 وعين مدرسًا للغة العربية ثم التحق بالبعثة العلمية لجامعة كامبريدج وهناك قدم أطروحته الشهيرة (مفهوم الحداثة في الشعر العراقي)، وعاد لبغداد سنة 1965 وعين مدرسًا فيها لقسم اللغة العربية.»

توقفت لأشحذ أنفاسي فخرجت ضحكة خفيفة من فم أستاذي وأكمل عني متحدثًا: «أفهم لمَ هو ناقدك المفضل، فقد كان يقدم مادته النقدية بلغة فصيحة جميلة محببة، كما أنه أصدر مجموعة من الكتب النقدية المتنوعة والتحقيقات العلمية التي من أبرزها الشعر والزمن، الشعر العراقي الحر إلی جانب العشرات من المقالات والبحوث ومنها مقالات نقدية في صحف عربية ببريطانيا كما في جريدة الشرق الأوسط.»

«هذا صحيح!» أجبت ببهجة ثم أردفت: «لكن هذا ليس الأمر الوحيد الذي جعله مفضلي، بل أيضًا نصيحة قيمة استلهمتها من قراءة كتاباته وهي أن المثقف الذي يقرأ بحق وله تفكير تقدمي عليه أن لا يتفق أبدًا مع السائد من البلاد الجرباء والتقاليد العمياء وخصوصًا إن أتت من ناس يدعون الثقافة وليسوا من الدهماء.»

سرت الهمهمات بين الطلبة وأومأ بعضهم بالموافقة، واتسعت ابتسامتي لذلك.

بعد هذه النصيحة القيمة أعلن الأستاذ نهاية الحصة لتبقی كلماتي الأخيرة ترن في عقولهم وتتحلل كما تفعل بعقل الناقد.

كان معكم الطالب المجتهد والفضولي آرمي وأستاذه مازن، الذي يحب أن يستمتع بما يفعله، حتی وإن كان درسًا مملًا (;

تذكروا يا رفاق، فريق النقد دائمًا في الجوار💜

المصادر
رحيل الناقد والكاتب العراقي/ فضاء إيلاف
جلال الخياط/ ويكيبيديا

مقبع النقادWhere stories live. Discover now